

كل حرب راهناً، لا يمكن أن تكون حرباً نظيفة. إنها حرب إبادات. التقدم العلمي والتفوق التكنولوجي سمحا بأن تكون الحرب منصة اقتصادية ومالية وتجارية. كل حرب ماضياً تُيسِّر للحاضر أن يعيد تمثيل القتل بمزيد من الإجرام. وعليه، من سأل عن سعر الدماء ودموع العيون؟ لا أحد.
الحرب تتدفق أنهاراً من الدماء. هذه البلاد “العربية” المتناثرة تتآكلها الحروب والفتن وجشع التحكم والترسمل. التاريخ ترك للبشرية تراثاً من الهمجية. التسليح راهناً يسبق الغذاء. الخبز يأتي أخيراً، والدواء رفاهية. السلاح أولاً وآخراً وبين بين. إحصاء القتلى تخطى قدرة العدّادات على العد.
قايين ليس أولاً ولا أخيراً. الإنسان تدرب على معالجة الجوع بالقوة والسلاح. الرأسماليات المزمنة عالجت جشعها بإطفاء الحق وإشعال الرغبة في المزيد من العنف والقتل.
لم هذا السياق الآن؟
لأن العالم، كل العالم، يمتشق السلاح أو يستعد، أو بدأ بحرب الحروب. لأن شمس هذه الأزمنة محرقة ومدمرة وقاتلة. الحاكمون أخلاقياً وقيمياً، مصابون بالضياع. والآلهة لم تعد مقيمة في هذا العالم. استعيض عن الله بالأديان. وفي كل دم يخوضون.
هذا هو العالم. لا تحلموا بسلام. ولن يخترع أحد سواه. الخراب حاضرنا. الإحساس باللاجدوى مقيم. المآسي على مدِّ الاجتياحات وحروب الإخضاع. معدل القتلى يزداد. بلغ سلّم الملايين. غزو، نهب، استعمار، إبادات، اجتياحات، إذلال، خوف، تهجير. إحساس دائم بالكوارث. رعاية التدجين. امتناع النهايات. لا وجود للفصل الأخير من الحروب. المستقبل منعدم. والخراب البشري فادح. ساحق مستدام. مأساوي كالح.. أعداد الهائمين على وجوههم بلا إحصاءات.
ما تبقى من حضارة، فتات ودماء ومجهول إنساني.
لبنان ليس وطناً. إذ، لا وطن من دون مواطنين. اللبناني كائن “مواطف”.. وطوائفنا في لبنان ليست لبنانية أبداً. طوائفنا ومذاهبنا متوسلة دائماً لخارج ودعم وأحلاف. اللبناني كائن كوكبي. هو في لبنان ولكنه فرنسي الهوى وسعودي الولاء، إيراني الدعم، أميركي الأمرة. نحن بلد الولاء الأممي
نفتح أبواب لبنان لكن ليس للبنان بابٌ واحدٌ. أبوابه على عدد الطوائف والمذاهب. لبنان هذا يبحث عن سلام مفروض. الحروب اللبنانية المتناسلة لم تنشئ بعدها سلاماً لبنانياً أبداً. وعليه، كل حرب سالفة، لم تكن الأخيرة. وهذه قد لا تكون الأخيرة أيضاً.
لبنان يتعكز على جراحه. لكن شعوبه ليست على نبرة واحدة من الأصوات. لبنانيون يفتتحون مستقبلاً ملائماً لنصفهم، وغير ملائم لنصفهم الذي أصيب بخسارة مدوية. هل أحصينا الخسائر؟ ليس من عادة لبنان إلا البهورة راهناً. لبنان بلد يوازي بالصورة، ورقة الليرة اللبنانية الصغيرة. أما دماؤه فقد ملأت إضبارات الأيام والشهور والسنوات ومن نتائج هذه الحروب خراب لبنان مراراً ثم تكراراً، ثم تسوّلاً لـ”إعادة الإعمار”.
عبث. عبث. عبث.
أثبت لبنان أنه بحاجة إلى سياسة الإمحاء. فليكن لبنان وفق الأوامر الأميركية. سيحدث ذلك. هذا الوطن ودّعوه. إنه في كل واد يهيم. انتهت الحقبة الإيرانية في لبنان. بدأت الحقبة النيوإسرائيلية بأوامر أميركية.
وعليه، لا تأملوا خيراً أبداً. لبنان يستدعي الشقاق. لم يكن باستطاعته مرة أن يكون وطناً تحت سقف واحد. وعليه، لبنان ليس وطناً. إذ، لا وطن من دون مواطنين. اللبناني كائن “مواطف”.. وطوائفنا في لبنان ليست لبنانية أبداً. طوائفنا ومذاهبنا متوسلة دائماً لخارج ودعم وأحلاف. اللبناني كائن كوكبي. هو في لبنان ولكنه فرنسي الهوى وسعودي الولاء، إيراني الدعم، أميركي الأمرة. نحن بلد الولاء الأممي. ولذلك، كل مصالحة طائفية بحاجة إلى خيمة. من قال إن لبنان وطن. وطن من؟ هو مأوى.
“إسرائيل” وحدها تملك مواصفات الدولة. أرض، شعب، جيش محترف. سلطة منتخبة. محاسبة دائمة وتفوق مبني على أن الحرب حاجة دائمة. لذا، هي دولة صغيرة بجيش ينافس الدول الكبرى. وحدها خارج النادي النووي، يحق لها أن تمتلك أسلحة ذرية.
ومن نحن؟
خيطوا بغير هالمسلّة. لسنا أفضل من سوانا. سوريا على حافة المسلسل الدرامي. قبائل، طوائف، سلالات، أرومات.. هي البديل عن الوطن – الدولة. الدماء رخيصة. المجازر متنقلة. الثأر هو الخبز اليومي للمذاهب. الإبادات متعة وانتقام. الشر مبرر. الإجرام محروس. لم تعد صورة السلطة تلمع. تلطخت بالعنف والخراب. التدين عسكرياً يشبه الذئاب. وهذه، تلجأ إلى معارك الإبادة والإفناء أو التهجير.. سوريا، راهناً قيد الفتك. فتل للعقل والروح والمصير. العائلات تقلصت فسحة الوطن عندها، إلى الإقامة داخل حواجز المنازل. الطرقات داشرة.. ليس هنا كهناك. إنها الفتنة.
سوريا، الشقيقة الشقية فُتحت كل أبواب جهنم عليها. شمالاً تركيا، وهذه ليست قديسة بل قوة محتلة. جنوباً، يقضم العدو الصهيوني أرضاً تلو أرض وطائراته تغزو الأجواء وتقصف أينما تشاء. لا أحد يقول لهم: stop شوي.
فلسطين، الجلجلة الأكيدة، فأين القيامة؟ دونالد ترامب يريدها مفرغة بالقوة من الفلسطينيين. فليسافروا إلى لا مكان. فليوزعوا بشرط أن لا يقيموا دولة.
ومن نحن؟
نحن كومة. أو مجموعة كومات. العراق؟ إنس. العناق الشيعي – السني ناجح ببسالة العداء. الفتنة على الأبواب. الخليج يُحصّن سياساته بالصمت. فعاليته من استعادة حصته من النفوذ. السعودية هي مستقبل الكيانات الخليجية ومكة السياسية لدول الحوض العربي المتوسطي. اليمن؟ قفا نبكِ. الإمارات؟ العاصمة الصغرى بمهمات دولية عابرة للجغرافيا. مصر: الصمت الإلزامي والطاعة المرة. ليبيا: هل هي على قيد الوجود؟ السودان: ماذا يقال عنه؟
“أمة” ملعونة. تذابحت، بدل أن تجتمع على سياسة ناجحة.
الشعوب العربية؟
إنسَ.
إنها مقيمة في السجن العربي الممتد من المحيط إلى الخليج.
ماذا ينتظرنا؟
لا أتجرأ على كتابة ما أتوقعه مع أني واثق جداً، بأن لا مستقبل يشبهنا. ولا جامع يجمعنا.
وعليه، لدينا ماضٍ لن يمضي، ومستقبل لن يأتي.