أيُّ فرقٍ بين “إسرائيل”.. وجماعة “قِفا نبكِ”؟

كأن الهزائم اختصاص. الانتصارات؟ ملأنا القرن أقوالاً وصراخاً وتهديداً. غريب! لم يُحاسب أحدٌ بعد. عُوقبت الشعوب العربية بالصمت. لم يتجرأ أحد على ابتكار الأسئلة. هذا ممنوع.. استطاعت قيادات الميادين أن تُعدِّل وجهة معاركها.. انتصرت على شعوبها. حوَّلت بلادها إلى سجون. عمّمت ثقافة الصمت، واستعانت بديموقراطية: "تبلّغوا وبلِّغوا". وقد تبلغنا على مدى عقود، كيف فازت القيادات العربية على شعوبها، بالصمت المبرم.

لم نُهزم مرةً. قرنٌ كاملٌ من الهزائم. البدايات كانت فادحة. النهايات كانت فاضحة، والحبل على الجرّار. لا أمل في أن نسأل عن المساءلة، عن المحاسبة، عن الحرية.. هذه قارة عربية، نجحت فيها تجربة الاستبداد، وهذا كاف للحفاظ على “النموذج”!

نسأل سؤالاً واحداً لا غير: “لماذا حدث ذلك” أو بالأحرى لماذا هزمنا؟ كانت الهزائم مُرّة وقاتلة ومُكرّرة، ومع ذلك، لم يسأل أحدٌ لماذا كنا الضحية دائماً. وهذا يفرض علينا أن نسأل، لماذا لم تخسر “إسرائيل” أي معركة؟ كدّست الأرباح، وعلى امتداد ربع قرن، صارت “دولة معجزة”؛ نموذجاً يُحتذى، فيما تحوَّلنا إلى مندبة: قفا نبكِ، وإلى بهورة.

فلسطينُ ليست وحدها الضحية. الشعوب العربية ضحيةٌ على امتداد القارة العربية. أنظمةٌ تُرعبها فكرة الحرية.

حتى الآن، أسفرت المقاومات عن خسائر بطولية. لم يكن الاستسلام مسموحاً و”ليس الانتصارُ أيضاً مسموحاً”. حظيت المقاومات من “الأخوة الأعداء” على ما يُضاهي ما ارتكبته آلة القتل الإسرائيلية والغربية.

باختصار؛ نستحق الهزائم. لأن العدو، لم يكن أمامنا، بل كان يُحاصرنا في دواخلنا. صار المنع سياسة عربية وقحة، على كل من يكتب قصيدة أو لحناً أو يمدح سلاحاً أو يمتشق دماً.

لذلك، لم تكن فلسطين قضية عربية، إلا بالخطب، والأدلة كثيرة. في العام 1948، تفوّقت “إسرائيل” الوليدة، على صد “عسكر” العرب، وفازت بإقامة دولة “منذورة للقتال” وللفوز دائماً.

في ما بعد، أقام العسكر في السلطة، في بعض الكيانات العربية. كانت الخطب نارية، لكنها لم تصب “إسرائيل” بشعلة أو لسعة، بل كُويت شعوبنا بأحقاد الاستبداد. حرب حزيران (يونيو) 1967 فضيحة كاملة. “إسرائيل” الصغرى، جغرافياً وسكانياً، تنتصر على أربعة جيوش عربية وتسحقها في أربعة أيام. جيش جمال عبد الناصر، كان مشغولاً بأمور غير عسكرية بواسطة العسكر. الأردن، ليس عنده إلّا أن يُنحَر أو يَنحر. سوريا سقطت بالضربة الأولى مع مصر الوحدة إلى آخره.. حرب الأيام الستة أسفرت عن تفوق مطلق لإسرائيل، وترهل غير مسبوق للجيوش العربية. السبب بسيط ومؤلم. إسرائيل لا تحكم ضد شعبها بل ضد العرب والفلسطينيين تحديداً. الجيوش العربية ذات اختصاص بالحكم والقمع والاستبداد ضد شعوبها.

“إسرائيل” دولة عظمى، إنما ليس بمساحتها وعدد سكانها. لأنّها حصَّنت اغتصابها لفلسطين بقوة عسكرية وقوى اجتماعية وتنوع حزبي وديموقراطية “عالبكلي”، بحيث أن عدداً من رؤساء حكوماتها وقادتها العسكريين تعرضوا للمساءلة والمحاسبة ونالوا العقوبات وبعضهم دخل السجون

“إسرائيل” مبنية على ترسانة الديموقراطية. شعبُها حُرٌ وجريءٌ ونقديٌ. نحن جماعة “قفا نبكِ”. الشعب ممنوع من الوجود. في ما بعد، أي بعد سنوات من الاستعداد، فاجأت الجيوش العربية “إسرائيل” في أكتوبر 1973. حسناً. لكن بعد أيام خسرت الدول العربية، المزيد من المناطق والأراضي.

غريبٌ. إنما ليس صعباً أن نعرف السبب. في “إسرائيل” النقد بنّاء. النقد ضروري. النقد حيوي. المساءلة أساس. المحاسبة حصن قضائي. الديموقراطية تعرّي الجميع. الانتخابات تُغيّر وتُبدّل. الشعب يُحاسب وينتقد ويقود التظاهرات معلناً سخطه على قيادات، ذات تراث سياسي وعسكري ونجاحات ميدانية لا شكوك فيها. ومع ذلك، فإن الحرية، كما العدالة مصانة. المحاسبة دائمة. العقوبات موزعة على حجم الخطايا والأخطاء إلى آخره.. حتى أن قادةً ساهموا في نشوء دولة “إسرائيل”، نالوا حصتهم الديموقراطية بالمحاسبة.

“إسرائيل” دولة عظمى، إنما ليس بمساحتها وعدد سكانها. لأنّها حصَّنت اغتصابها لفلسطين بقوة عسكرية وقوى اجتماعية وتنوع حزبي وديموقراطية “عالبكلي”، بحيث أن عدداً من رؤساء حكوماتها وقادتها العسكريين تعرضوا للمساءلة والمحاسبة ونالوا العقوبات وبعضهم دخل السجون.

الشعبُ في “إسرائيل” ليس مُعاقباً، بل هو الذي يُعاقِب. ولهذا، فإنها الدولة الوحيدة الديموقراطية، وهدفها ليس السلطة، بل “الدولة والشعب والنصر”.

نحن خارج هذا السباق. الدول العربية ليست ضد “إسرائيل”، بل ضد شعوبها. ولا أستثني أحداً. ولبنان المميز بحرية طائفية، كان الأكثر جرأة في محاسبة نفسه.. ولو طائفياً.

“إسرائيل”، تحل مشكلاتها الداخلية بالقانون والديموقراطية والأحكام القضائية. نحن، لدينا قضاء يأتمر فقط بأوامر قادة الاستبداد. السجون العربية مؤججة بالقيود. وضيوفها كتابٌ ومعارضون. المطلوب منك أن تكون نعجة.. النعجة، يا حرام، تخاف من خيالها. والشعوب العربية نعاج. ومن حقها أن تخاف، لأن “سيف السلطنة طويل”.

قد يخرج علينا ناقد. أهلا ًوسهلاً. عندنا في لبنان، النقد مسموح. لكن البيئة الطائفية والمذهبية غير مهيأة لاستعمال النقد. الموازين دقيقة. لا محاسبة لأحد. ليس في لبنان أحرار، بل أتباع. والأحرار بلا صوت، أو أن أصواتهم تتغلب عليها سلطة رجال الطوائف والمذاهب و”أبناء العائلات”.

لبنان، لديه حريات طائفية تامة. الحريات مقيدة بالحدود الطائفية. البناء السياسي والهرمي والمالي، طائفي. المدارس، الجامعات، الـ.. إلى آخره، كُلها تعيش في المعلف الطائفي. ولهذا، “تحاربنا مراراً.. وخسرنا دائماً”. حروب الطوائف أشد مضاضة من حروب العقائد والمصالح.

إقرأ على موقع 180  إرساء العدالة.. تلازم الشرعية والمشروعية

رجاء بلا بهورة.

نحن فاشلون جداً. نجاحاتنا عمليات قنص.

هل أبالغ؟

أبداً. ما زلتُ مُقصّراً. وأستحق عقوبة الصمت. عسى يكون ذلك قريباً جداً.

Print Friendly, PDF & Email
نصري الصايغ

مثقف وكاتب لبناني

Free Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Premium WordPress Themes Download
online free course
إقرأ على موقع 180  حجة شنكر.. وفم التنين!