أتشاءم حيث يجب.. وأتفاءل حيث يجب!

إلى صديق يلومني دائماً.. إلى حسين أيوب؛

إلى أين؟ من يعرف؟ لا أحد؛ إلا جنون المال واجتياحات القوة. قلْ وداعاً للأفكار والعقائد والحقوق والسلام. أنت راهناً، كائن موصوم بالغياب. وجودك رقمي واستهلاكي. رياضتك الإلزامية هي الطاعة. اقبل ما هو معطى لك. لا تنتظر فتوى إنقاذية. العالم ماضٍ إلى مزيد من التوحش. السلام أول المستحيلات. العنف أبدي. الحروب تُورِّث البشرية ملحمة من أشلاء ودماء.

من حقنا إذاً أن نبني حياتنا على واقعية إلزامية: قلْ يومياً وداعاً للسلام. قدر البشرية مأساوي. الإنسان جنون خارق. يبني حضارات ويدمرها بأيديه، صحّ من قال إن أقوى ممالك الوجود، هي مملكة الشر. نحن الضحية والجلاد.

يلزم مقارنة هذا الكلام راهناً، بالحروب المتأهبة لمزيد من القتل والتدمير والتهجير والتخريب. هذا ما ألزم الإنسان أن يكون لاجئاً في حضن حزب أو دين أو طائفة أو… خادم في مسارات الرأسمالية الاجتياحية.

منطق الشراء فاحش. المال يستبيح الأخلاق. يتخطى الممنوعات. دائماً هناك حروب ناشطة وحروب قادمة. فترات السلام مفخخة بالحروب والأزمات. ربما الفاتيكان وحده، راهناً فقط، ينهى عن ممارسة العنف، ولو كان يغض الطرف أحياناً كثيرة، على همجية الغرب “الجحيمي”. العالم راهناً يعيش عصر القوة. الهدف هو المزيد من القوة. انتهى عصر الاكتشافات الإنسانية. إنها حضارة تُوفّر للإنسانية جحيماً متمادياً من الحروب المتناسلة.

لنعد أخيراً إلى أولاً. لا أفاخر بالتشاؤم أبداً. المسألة ليست شخصية أبداً. ليست إدماناً على التشاؤم. هناك فسحة أمل واسعة لكن خارج السياسة وبعيداً عن الانتماءات البيولوجية والدينية. الفنون سماء مفتوحة للصلوات. الفن أرقى الديانات وأصدقها

لبنان هذا، عرف فصلاً، بل فصولاً من الجحيم. السلام في لبنان كذبة وإهانة. التباغض والتباعد، عقيدة “شعوب” لا تعرف معنى الانتماء إلى الإنسان. الأديان حوَّلت الناس إلى أصنام، ولا أستثني ديانة، بما فيها، أديان الهنود الحمر. كل الأيام تعتبر ورقة في روزنامة الجحيم.

حصل ذات زمن مجنون أن مجانين الديانات، آمنوا بقوة السلاح، وكتبوا صلوات ونقشوا نذوراً، وتمنوا أن يساعدهم الله في إصابة القنابل أهدافها، ويقال إن جنوداً وقادةً، صلَّوا كي تسقط القنبلة الذرية على هيروشيما.

ولا ننسى أين كان رجال الدين والطوائف في كل المعارك. كانوا يصلون دعماً لجريمة القتل والقتال. إنه فصل من فصول الموت.

عالمنا “العربي” ليس عالماً. هو منصات وسياسات وحكايات وأحقاد ونهب ودفن الحقائق ومطاردة الفكر وتوسيع رقعة العنف. عالمنا العربي يمارس الخيانات علانية وبهمجية صارخة.

تبرع العرب خلال القرن الفائت، بكتابة نصوص دموية، تتطابق مع الملل والنحل والطوائف والأديان و…. قرنٌ كاملٌ من حروب “الأخوة الأعداء”. كذبة فاقعة. المتدينون لا يؤمنون بآيات المحبة والسلام، بل بآلات وآيات القتل والفتك.

المطلوب مجرد لمحة بصر على خريطة العالم العربي. قلْ وداعاً للعرب وللإنسان. نحن ماشية تمشي فقط. لا ترفع رأسك يا أخي. قل لجمال عبد الناصر، نحن خدم العسكريتاريا وزعماء الطوائف والمذاهب. طقوس الصلوات ملوثة بدماء المؤمنين الأبرياء.

كتابات التفاؤل والأمل، تُعبّر عن هذيان. هذا الهذيان أكثر صدقاً من الشياطين. من يرى أفقاً عليه أن يقول: أين وكيف سيكون المستقبل العربي؟ الجواب: “إخرس”. إقرأ الماضي فتعرف كيف سيكون الدمار الإنساني لشعب آمن، فخانته القوى “الإيمانية”.

أحياناً يعنّ على بالي أن أسأل الله: أين أنت؟ لا جواب.

مرعبٌ هو مستقبلنا. الماضي لن ننساه. لدينا حنين إلى أجنحتنا: حرية. ديموقراطية. مساواة. تقدم. تنمية. عمل. عدالة. عدالة ثم عدالة. إلى آخره من ضروريات الإنسانية الحاف.

مرعبٌ ما آلت إليه حروب “الأخوة الأعداء” (هذه التسمية كاذبة. ليسوا أخوة بل خونة لبعضهم البعض). مرعبٌ هو الإعلام المنتشي بالتعصب والانحياز والتبعية والكذب والتحريض.

أيُّ إعلامٍ هذا الإعلام، في “ذروة الديموقراطية الغربية”. جيل القرن العشرين العربي، انتحر في مسار الماركسية الشيوعية، وطُعن من قبل “صداقة الدول الديموقراطية”. المطلوب أن تفتح عينيك وتنادي روحك كي تخرج من تصديق الأكاذيب الغربية الفاحشة، وكي لا تتخبط في مملكة الضلال والكذب والامحاء. الغرب يريدنا على حافة عيش ضئيل.

من جهتي كشخص، أتعامل من أزمنة بعيدة مع الواقع العربي كمهزوم. لماذا؟ لأنني منذ وُلدت وأنا أشهد أن المآسي والخسائر تنام معي في الفراش. الغد معروف. إنه لا يخبئ شيئاً. سنكون على أسوأ حال. أحياناً أتوهم، ثم أعاقب نفسي وأقول لنفسي: أطع قدميك وحذاءك. إنهما أدرى بالواقع والوقائع. إياك أن تبحث عن مستقبل. الأفضل أن تعتاد على: “قفا نبكِ من ذكرى حبيب ومنزل”.

لنعد أخيراً إلى أولاً. لا أفاخر بالتشاؤم أبداً. المسألة ليست شخصية أبداً. ليست إدماناً على التشاؤم. هناك فسحة أمل واسعة لكن خارج السياسة وبعيداً عن الانتماءات البيولوجية والدينية. الفنون سماء مفتوحة للصلوات. الفن أرقى الديانات وأصدقها.

إقرأ على موقع 180  هنا لبنان.. إنه يرقد بسلام وإستسلام!

لست متشائماً أبداً. الهروب من عواصف الإجرام العالمي، عادة ناجحة. الانتماء إلى الإبداع الإنساني هو الصراط المستقيم، فناً وشعراً ورواية ومسرحاً ورقصاً ولحناً وغناءً ورسماً و….

لدى الإنسانية رحابة سماء صافية. الفن خلق. السياسة تلبس أحذية صلبة لدوس الحقائق والقيم والأخلاق.

إلى صديقي حسين أيوب أقول:

“أنظر حولك في عائلتك وأحبائك. حديقة شعر وفن وإبداع”. إذاً، دعني أتشاءم حيث يجب. وأتفاءل إلى حدود فضاء الرقص الإنساني والمشاعر النبيلة.

الفن غير قابل للإمحاء.

السياسة؟ تباً. من سيء إلى أسوأ. دعوا الموتى يدفنون موتاهم.

ملاحظة أخيرة: لم تعرف البشرية منذ البدء الإنساني، غير 223 سنة سلام.

(*) اللوحات المرفقة للفنان التشكيلي اللبناني عادل قديح

Print Friendly, PDF & Email
نصري الصايغ

مثقف وكاتب لبناني

Download Nulled WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  العقل المستريح.. بيان المؤتمر القومي الإسلامي نموذجاً!