الصحافة اللبنانية Archives - 180Post

منير.jpg

"السفير" لم تكن صحيفة عادية. كانت في قلب لبنان وفي قلب بيروت وفي قلب العرب. عندما أوقف طلال سلمان دقات قلبها في نهاية ٢٠١٦، "لكي تموت كالشجرة وهي واقفة"، مثلما قال عندما أبلغ أسرة الصحيفة قراره الصعب، إرتضى لنفسه هجرة أكبر، هجرة الروح والعقل عن عالمه الصغير والواسع، وترك الجسد لهجرة أخيرة إلى العالم الآخر بعد سبع سنوات.

98-1.jpg

انتماء الأستاذ طلال سلمان للعروبة كان ثابتاً بالرغم من كل التحديات. وما أكثر التحديات التي تعرّض لها في حياته. كأنه اتخذ من مقولة الفيلسوف الإنجليزي أرنولد تويمبي "الحياة تحدٍ.. واستجابة للتحدي" مذهباً له.

67-1536x1165-1.jpg

ليت (أسماء) تعرف أن أباها صعد/ لم يمت/ هل يموت الذي كان يحيا/ كأن الحياة أبد/ وكأن الشراب نفد/ وكأن البنات الجميلات يمشين فوق الزبد/ عاش منتصباً، بينما ينحني القلب يبحث عما فقد (أمل دنقل).

مع-أحمد.jpg

خضراءَ كانت حياةُ الفتى النحيلِ الأسمرِ، الذي لم يشتكِ يوما من هولِ الصعابِ التي واجهته على امتداد 85 سنة. خضراءَ طريقُه، أزهرت على الدروبِ التي سلكها كلَّها، متمسكاً بالحب، حب الناس، ومعهم ولأجلهم، مضى في طريق مكافحة الفقر والظلم، والنضال في سبيل الحق.

T.Salaman_Maha3.jpg

لم تكن اللقاءات الطويلة التي أجريناها مع مؤسس جريدة "السفير" طلال سلمان، نهاية العام 2016، مقابلات بالمعني التقليدي الذي نمارسه كصحافيين. كانت هناك أسئلة وأجوبة، هذا صحيح. لكن الصحيح أيضاً أن سلمان كان راغباً في قول كلّ شيء. أطلق على الغرفة التي استقبلنا بها على مدى شهور، "غرفة الاعترافات"، وفيها اعترف. ضحك، وبكى. شتم وسخر. فاخر بمواقف، وأعرب عن ندمه على مواقف أخرى. سمّى الأشخاص والأمور بأسمائها. باح بالكثير عن عصر تحتفظ ذاكرته بمحطاته المضيئة، جازماً بأنه انتهى.

درزي.jpg

أنتمي لجيل له خصائص مختلفة عن الأجيال السابقة، التي جاءت للحياة في النصف الأول من القرن الماضي، وهي الأجيال التي عاشت أحلام السياسة، وآمال التغيير الواسع للبنى الجغرافية السجّانة لشعوبها. وربما نكون نحن أبناء ستينات القرن الماضي، آخر هذه الأجيال نحو مرحلة انتقالية، تغيب فيها السياسة كفعل مجتمعي لتيارات متنافسة، وأحياناً متصارعة على رؤيتها ومشاريعها.

الفضل.jpg

كان "وكأنه علم في رأسه نار". علم الصحافة اللبنانية التي لا مثيل لها في الوطن العربي. معلّم لمن عمل معه. صحيفته مدرسة. تخرّج على يديه أعلام. مكتبه مركز لشبكة من المثقفين العرب الآتين من المحيط الى الخليج.