
لا تنشأ أزمات الثقافة والمثقفين من أو فى فراغ تاريخى. المراجعة ضرورية من عند الجذور حتى يمكن تبين حقيقتها وطبيعتها من عصر لآخر، أو كيف وصلنا إلى الحديث بسخط عن اضمحلال الدور الثقافى المصرى؟
لا تنشأ أزمات الثقافة والمثقفين من أو فى فراغ تاريخى. المراجعة ضرورية من عند الجذور حتى يمكن تبين حقيقتها وطبيعتها من عصر لآخر، أو كيف وصلنا إلى الحديث بسخط عن اضمحلال الدور الثقافى المصرى؟
لم تعرف مصر في تاريخها الحديث أية ثورة، وإنما موجات غضب بين حين وآخر تتخلص من رأس نظام، أو من النظام في أحسن الأحوال، وسرعان ما ترتد إلى نفس النظام الذي ثارت ضده. فهل يعني هذا أننا عاجزون عن الثورة؟ أم أن الثورة ليست بالضرورة أنجع الحلول، ولربما أدت إلى تعميق المشاكل أكثر منها إلى حلها!
بعد قيام الملك فؤاد بتنصيب نفسه ملكا للبلاد في وقت غاب فيه الزعيم سعد زغلول في منفاه بجزيرة سيشل، سنحت الفرصة لحكومة ثروت باشا أن تسرع في تشكيل لجنة دستور 1923 ووضع قانون الانتخابات البرلمانية بشكل لم يمثل سوى رغبات الملك ومصالح كبار الطبقة البرجوازية في مصر، بينما استبعد أي تمثيل للوفد أو الحزب الوطني!
منذ قيام ثورة 1919 وحتى عام 1922، وبرغم الصلابة الشعبية والسياسية التى أجبرت لجنة ملنر على العودة إلى بريطانيا بعد ثلاثة أشهر فقط من بدء مهمتها فى مصر، حتى إن اللورد ملنر نفسه أوصى الحكومة البريطانية بضرورة رفع الحماية عن مصر؛ لأن المصريين لن يقبلوا بغير ذلك، إلا أن هذه الصلابة لم تؤد كما كان متوقعا إلى مزيد من التماسك السياسى، ولكنها أدت إلى سياسة الفرقة والانقسام وخصوصا داخل الجماعة الأبرز فى هذا الوقت، ألا وهى جماعة الوفد!
برغم فشل مهمة الوفد المصرى فى باريس حتى قبل أن يصل إلى مؤتمر الصلح، فإن سعد زغلول ورفاقه واصلوا محاولاتهم الدؤوبة للضغط على الحكومات الأوروبية من خلال مخاطبة الرأى العام فى فرنسا والولايات المتحدة عن طريق كبار الكتاب والأدباء، إلا أن ذلك لم يغير من الأمر، فبريطانيا ضغطت على جميع القوى الكبرى المشاركة فى المؤتمر للإقرار بالحماية البريطانية على مصر.. وقد كان!
عبر تاريخ مصر الحديث كان ــ ولا يزال ــ هناك جدل حول مدى ارتباط السياسة الداخلية المصرية بالقوى الكبرى والسياسة الدولية. فمصر منذ تحديث محمد على باشا كانت دائما محط أنظار القوى الأوروبية، وبعد مشروع قناة السويس، ازداد الارتباط المصرى بالقوى العظمى وبقدر ما كان لهذا من إيجابيات، كان له العديد من السلبيات أيضا!
كان العقد الأول من القرن العشرين هو عقد ولادة التعددية الحزبية المصرية وترسيخ المبادئ الدستورية والنيابية التي شكلت الأسس الحديثة للنظام السياسي في مصر.