إزداد الوضع سوءاً في اليمن خلال الأشهر الأولى من عام 2020، والذي كان في الأصل كارثياً. وبقيت البلاد بعيدة عن أنظار العالم الذي لا يكاد يهتم إلا ببعض مظاهر وباء كوفيد-19، مثل سوء إدارة الأزمة من قبل الحكومات، وعدد الوفيات والآثار الاقتصادية الثانوية.
شملت التطورات في اليمن شدة تدهور الأوضاع السابقة إن كان الوضع الإنساني أو تراجع تدخل السعودية والإمارات وانهيار اتفاق الرياض واتفاقية الحديدة. يضاف إلى هذه القائمة الرهيبة الهجوم الحوثي في الشمال الشرقي من البلاد والفيضانات المدمرة وسرعة انتشار جائحة كوفيد-19 ومؤخرا إعلان الحكم الذاتي من طرف المجلس الانتقالي الجنوبي. وبالنظر إلى التجارب السابقة، لن يكون من الحكمة الإيهام بأن الأمور قد لا تزداد تدهوراً في الوقت الذي كان من المتوقع أن تحتفل فيه البلاد بالذكرى الثلاثين لتوحيدها.
كيف الخروج من مستنقع الحرب؟
بدت السعودية مصممة خلال نهاية عام 2019 على الانسحاب من المستنقع اليمني بعد ما يقارب الخمس سنوات من التدخل العسكري الذي بات غير مجد أكثر فأكثر. وهكذا تراجعت الضربات الجوية بصفة ملحوظة، في حين كان الهدف من اتفاق الرياض بين انفصاليي المجلس الانتقالي الجنوبي وحكومة الرئيس هادي المعترف بها دولياً هو استعادة التعاون داخل التحالف المناهض للحوثيين. وكان هناك أمل في أن يؤدي تقليص العمليات العسكرية إلى اتفاق مع الحوثيين. كما تُجرى مفاوضات منذ شهور وقد انطلقت بعد الهجمات الصاروخية في سبتمبر/أيلول 2019 ضد منشآت هامة لإنتاج ومعالجة النفط في السعودية. وعلى الرغم من تبني الحوثيين لهذه الهجمات إلا أن الدلائل كانت تتجه أكثر فأكثر نحو إيران. وقد أدى هذا الحدث الذي كان صادماً بالنسبة للسعودية إلى محاولة جدية لإنهاء تورطها في حرب اليمن.
تمت إعادة النظر في هذا المخطط في بداية سنة 2020 بسبب هجوم عسكري حوثي في شمال شرق البلاد. وقد قام الحوثيون أولا بالاستيلاء على مديرية نهم، وهي جبهة تقع 60 كيلومتراً شرق صنعاء كانت تعرف استقراراً على مدى أربع سنوات. ثم استولوا على أكبر جزء من محافظة الجوف، قاطعين هكذا بشكل شبه كلي الوصول إلى الطريق الرئيسي الرابط بين اليمن والسعودية ومهددين حقول النفط والغاز في مأرب. وتم الالتفاف حول المدينة وسكانها الذين تضاعف عددهم. وصارت المدينة تمثل شبه جزيرة معزولة وسط أراضي حوثية. ورد السعوديون على ذلك بتكثيف الضربات الجوية في الوقت الذي يستمر فيه القتال على الأرض.
برغم ذلك، أبدى السعوديون في 9 أبريل/نيسان عزمهم على طي هذا الفصل من خلال إعلانهم عن وقف إطلاق النار من جانب واحد لمدة أسبوعين، وكان من المنتظر أن يستمر هذا القرار طيلة شهر رمضان لأسباب دينية.
بالمقابل، حقق الحوثيون تقدماً عسكرياً معتبراً وأنهوا أربع سنوات من الجمود في الجبهة الشمالية وتركوا اقتراحات السلم السعودية بلا جواب. للحوثيين مبادرتهم، وهذا يطرح تساؤلاً حول أهدافهم النهائية ورغبتهم الحقيقية “في ترك السعوديين يخرجون من النزاع”. ولم يتم مؤخراً نشر أي معلومة حول تقدم المحادثات بين السعوديين والحوثيين.
مشاكل جديدة في الجنوب
كانت التوقعات بداية 2020 في الجنوب قاتمة بالنسبة لاتفاق الرياض الموقَّع في نوفمبر/تشرين الثاني بهدف المصالحة بين المجلس الانتقالي الجنوبي وحكومة هادي، بعد أن قام الطرف الأول بطرد الثاني من عدن بالقوة في أغسطس/آب الماضي. وقد تزامن ذلك مع الانسحاب الرسمي لدولة الإمارات من اليمن بكل معداتها، على الرغم من أن الإماراتيين تركوا وراءهم عدة ميليشيات متحالفة مع المجلس الانتقالي الجنوبي، قاموا بتدريبها وتجهيزها والدفع لها.
وما زاد الأمر غموضاً كون الجواب الرسمي الإماراتي الوحيد عن هذا الإعلان حتى هذا اليوم هو مجرد تغريدة لوزير الدولة أنور قرقاش على تويتر الذي لم يدن صراحة المجلس الانتقالي الجنوبي، لكنه ذكر أن اتفاق الرياض يجب أن ينفذ وأنه لا ينبغي لأي طرف اتخاذ إجراءات أحادية الجانب
دعمت الإمارات رسميا اتفاق الرياض، غير أن موقفهم الحالي غير واضح. فقد قدم الاماراتيون دعماً جوياً للمجلس الانتقالي الجنوبي في بعض الاشتباكات في البلاد منذ الصائفة الماضية. كما تم الإعلان من أبو ظبي عن الحكم الذاتي للمجلس الانتقالي الجنوبي يوم 25 أبريل/ نيسان من طرف عيدروس الزبيدي، الذي أعلن نفسه قائداً له. وما زاد الأمر غموضاً كون الجواب الرسمي الإماراتي الوحيد عن هذا الإعلان حتى هذا اليوم هو مجرد تغريدة لوزير الدولة أنور قرقاش على تويتر الذي لم يدن صراحة المجلس الانتقالي الجنوبي، لكنه ذكر أن اتفاق الرياض يجب أن ينفذ وأنه لا ينبغي لأي طرف اتخاذ إجراءات أحادية الجانب.
وفقا لنص اتفاق الرياض، تعود للتحالف مهمة الإشراف على تنفيذه والتكفل بالوضع في الجنوب. ولكن بعد انسحاب دولة الإمارات، وجد السعوديون أنفسهم لوحدهم في الميدان ولم يتمكنوا من تطبيق بنود إعادة الانتشار العسكري الذي يهدف إلى تقليص الوجود العسكري للمجلس الانتقالي الجنوبي في عدن، ولا تمكنوا من إرسال قوات حكومية إلى هناك. احتد التوتر بين الطرفين خلال كل العملية، وفي الأخير، اندلعت الحرب بين المجلس الانتقالي الجنوبي والقوات الحكومية في أبين يوم 11 مايو/أيار. ولا تزال الهدنة التي أعلنت بمناسبة العيد قائمة مادام قائد المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي مشاركا في المفاوضات في الرياض بدعوة من السلطات السعودية المعنية بهذا العائق الجديد في خطة انسحابها من اليمن.
لقد كشف إعلان الحكم الذاتي عن الحدود الجغرافية لسيطرة المجلس الإنتقالي الجنوبي: كل المحافظات الشرقية وأيضا جزيرة سقطرى انفصلت عنه، ولم يحظَ إلا بدعم المحافظات الأكثر قرباً من عدن والتي تشكل معاقله الرئيسية. اندلعت في بضعة أيام مواجهات في سقطرى، ما زالت لم تحسم بعد، وهي إحدى المناطق التي شهدت اشتباكات بين قوات المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة خلال السنوات الثلاث الأخيرة. وعلى الصعيد الدولي، كانت هناك إدانة شاملة لإعلان الحكم الذاتي من طرف الدول العربية ومجلس أمن الأمم المتحدة والمبعوث الخاص للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وأهم دول العالم، وشدد جميعهم على التأثير السلبي لكذا إعلان على مشاكل البلاد العديدة.
كابوس إنساني لا ينتهي
برزت المشاكل بين الحوثيين والتدخل الإنساني للأمم المتحدة في 2019 عندما باتت مدى سيطرة الحوثيين على القطاع الإنساني جلية، سواء بخصوص اختيار المستفيدين أو بالأموال المحولة لفائدة الموظفين والمؤسسات الحوثية. وقد منع ذلك الأمم المتحدة من إصدار تقديرها السنوي لاحتياجات سنة 2020 أو وضع خطة للتدخل الإنساني. أعلنت الأمم المتحدة أنها ستحتاج إلى 3,4 مليار دولار لهذه السنة دون تقديم تفاصيل ودون أن تنظم مؤتمر المانحين المعتاد.. كما أعلن أن الأمم المتحدة بحاجة إلى اكثر من 900 مليون دولار للعمل حتى شهر يوليو/تموز، خاصة في مجال توزيع الطعام ضمن برنامج التغذية العالمي.
وبالنظر إلى الضغوط الناجمة عن أزمة كوفيد-19، لا يمكن من دون شك انتظار وعود كبيرة. وبالتالي أصبح من الواضح أن اليمن هي إحدى البلدان التي يمكن أن تقتل فيها المجاعة ملايين الأشخاص. ويعد ذلك أحد الآثار الجانبية لوباء كوفيد-19 الذي يتسبب في انهيار إنتاج وتصدير الغذاء العالميين، وانخفاض التمويل الإنساني العالمي وتعطيل الاتصالات. لا يمكن لهذه العوامل إلا أن تؤدي إلى تفاقم الكارثة في بلد لا يوجد فيه سوى 2800 مرفق طبي عملي نسبيا، وبجهاز صحي غير ملائم أصلا حتى قبل الحرب. ففي حين تؤكد الأمم المتحدة بأن الاستعدادات جارية للتعامل مع الطارئ الصحي الجديد، فهي تذكر أيضا أنه عليها التعامل مع وباء الكوليرا. ويجب التذكير هنا بأن الكوليرا طالت قرابة مليون شخص سنة 2019، وتجاوز عدد الحالات خلال الأشهر الأربعة الأولى لهذه السنة 110 ألف حالة. كما لا تزال أمراض مثل حمى الضنك والملاريا وغيرها موجودة بدرجة وبائية.
هلع مبرّر
تم الكشف عن أول حالة من كوفيد-19 في 9 أبريل/نيسان في مديرية الشحر بحضرموت، وقد شفي المريض. ومنذ ذلك الحين سجلت الإحصائيات الدولية 233 حالة إلى غاية 25 مايو/أيار، وهو رقم لا يعكس الواقع بكل تأكيد. ويتوقع الجميع تفاقم الوضع وعدداً مرتفعاً جداً من الوفيات بالنظر إلى ضعف البنية الجسدية للسكان بعد سنوات من سوء التغذية وخدمات طبية غير ملائمة، ناهيك عن نقص المرافق للعلاج المتخصص.
وكأن كل هذه الكوارث غير كافية، فقد شهدت البلاد فيضانات مدمرة في نهاية أبريل/نيسان ومست دون تمييز أهم مدن البلاد، منها صنعاء وعدن ومأرب. وقد أدت إلى قطع خدمات الماء والكهرباء عن ملايين الأشخاص، ومست بصفة مباشرة أكثر من 150 ألف شخص. لم يكن عدد القتلى مرتفعا ولكن الكثير من الناس فقدوا ممتلكاتهم وذخيرتهم الغذائية المحدودة التي كانوا قد جمعوها لشهر رمضان الذي كان صعبا بشكل خاص هذه السنة.
يحتفل اليمن في 22 مايو/أيار بالسنة الثلاثين للتوحيد السلمي بين الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والذي تشكلت عنه الجمهورية اليمنية، ويفترض أن تكون هذه الذكرى مناسبة للفرح. وكون أن معظم اليمنيين ولدوا بعد عام 1990، فليس لديهم ذكريات عن الفترة السابقة أو عن أحلام التوحيد. كان الناس آنذاك ينتظرون بفارغ الصبر في كل البلاد إرساء حرية التنقل ودولة ديمقراطية متعددة الأحزاب وازدهارا يجمع بين الخدمات الاجتماعية للنظام الاشتراكي وبين قطاع اقتصادي خاص مزدهر، وكذلك قانون أحوال شخصية يمنح المرأة حقوقا متساوية، واستهلاك القات أيام العطل والأمن والاستقرار وأشياء كثيرة أخرى. لكن أملهم خاب وبمرارة.
النص الكامل للمقالة على موقع “أوريان 21”: