لبنان يهتز ولا ينهار. هو نقطة توازن هذا الشرق وفوهة بركانه. كيف يمكن لهذه المئوية اللبنانية أن تُبقي بلدنا رهينة اهتزازات وارتدادات؛ أو لنقل دولة بلا استقرار؟ كيف لمواطن على مر الأجيال ان يترعرع ويكبر ويربي أولاده، جيلاً بعد جيل، على فكرة وطن صعبة التحقق ويواجه دائماً إمتحان مناعة الانهيار والقدرة على الاستمرار؟.
نعيش اليوم عند مفترق جديد، ربما هو الأصعب في تاريخ بلدنا، فكما كنا نسمع من أجدادنا، أنه حتى في زمن الحرب العالمية الأولى والثانية، لم تكن مجتمعاتنا مفككة، كما هي اليوم، فإن لم تجنح خلافاتنا نحو الحروب، فإن شعاراتتا الانقسامية تأخذنا الى نزاعات، إن لم تكن تدميرية فهي إستفزازية، كأن كل فئة تقول للأخرى “الأمر لي”.
ما الذي يمكن أن يقلب واقعنا رأساً على عقب، وبخطوات ثابتة حتى نصل إلى دولة قانون ومؤسسات. دولة هي مظلة إستقرارنا الوحيدة بديلاً عن دويلات طوائفنا وعشائرنا وحتى عصبياتنا الحزبية. فهل ما نأمله هو ضرب من خيال؟
كاد جيل جديد ان يشق طريقه، وهو من طينة لا تشبهنا.. جيل أكثر تصالحاً مع نفسه. أكثر حسماً مع مجتمعه. أكثر وعياً لحقوقه. أقل تعصباً وأكثر إنفتاحاً ومعرفةً. أقول كاد لأن الشارع وحده في لبنان لم يصنع يوماً مستقبلاً ولن يصنع. قد يكون الظرف مهيئاً لتغيير ما، لكن، ومع الأسف الشديد، لا يكتمل تغيير من دون إرادة وطنية. من دون وقف حالة الإنتظار على رصيف صفقات وتسويات الخارج التي يمكن أن ترمينا هنا أو هناك او ربما بين الهنا والهناك، لكأنه يُراد لنا دائماً أن نبقى ساحة نزاع وتناتش وتفاوض، وقد حصل ذلك مراراً بإنتظار توزيع الغنائم، تماماً كما يفعل القراصنة.
كيف لنا أن لا نخجل من تاريخ ساستنا، ونحن نطالع مذكرات البعض وكتبهم وكيف صُنع الرؤساء في جلسات هزلية لأصحاب الحل والربط من خارج الحدود أو بإختبارات مصيرية أخضعتهم لها مقاييس الخارج؟
طبعاً هذه الصورة ليست كاريكاتورية. كلنا نعلم أن الإدارات الخفية لأصحاب القرار حول العالم تقسّم الدول بمشرط جراح، وقد تفشل بقطع الأوردة أحياناً لشدة التصاقها، ولنا في تجارب اليوم والأمس القريب في دول الجوار، ولا سيما في سوريا والعراق واليمن، ما يدل على أن لعبة الأمم قد تخلق وقائع غير محسوبة.. والهدف هو إستنزاف آخر قطرة نفط وثروة ودماء في تلك البلاد المدمرة.
كيف لنا أن لا نخجل من تاريخ ساستنا، ونحن نطالع مذكرات البعض وكتبهم وكيف صُنع الرؤساء في جلسات هزلية لأصحاب الحل والربط من خارج الحدود أو بإختبارات مصيرية أخضعتهم لها مقاييس الخارج، فكانت المناصب حلوى النجاح، والمؤسسات هيكلها المفرغ من كل مضمون، وكيف تألفت الحكومات والمجالس وكيف تبدلت القرارات والقوانين بلمحة بصر.. ومن المؤسف القول أنه ندر أن نجد رجال/سيدات دولة امتلكوا/إمتلكن جرأة رفض الفرمانات والوصفات الخارجية، سواء في الماضي القريب أم البعيد.
لقد صار عالمنا الفسيح مفتوحاً، اليوم، على التناقضات البعيدة والقريبة من الصراع الاميركي ـ الصيني الى أزقة بربور والطمليس في المزرعة وكرم الزيتون في الاشرفية.
عالمنا مفتوح على جيوش الكترونية معاركها لا تهدأ صبحاً ومساءً. سلاحها الشتم والتهويل. أما شارعنا، فقد بات مفتوحاً على غضب متفجر ذاهب إلى المواجهة بلا تردد، تحت ضغط إنعدام مقومات العيش ولو بالحد الأدنى حتى لو أعطى البعض للمشهد الآتي مسميات الفوضى والعبثية. شارعنا سيحتدم بقواه الشبابية، ولكن سنجد أيضاً جيوشاً افتراضية قد تتحول إلى سلاح فتاك. يكفي أن نطلع على تجربة الرئيس الأميركي مع مواقع التواصل الإجتماعي وكيف للسيف أن يرتد أحياناً على عنق حامله.
من كان يعتقد أن البيت الأبيض سيهتز على وقع أقدام متظاهرين نزلوا إلى شوارع معظم المدن الأميركية إحتجاجاً على مقتل مواطن أسود وهي جريمة ليست بمنأى عن الجيوش والتغريدات العنصرية؟