تتعثر كلماتي، ولا أعرف من أين أبدأ، لم أدرك أنني سأعيش لأرى كل ما يحصل في بلدي الغالي، الذي عشقت كل حبّة تراب فيه؛ هي قصتي وقصة المئات لا بل الآلاف غيري.
تتعثر كلماتي، ولا أعرف من أين أبدأ، لم أدرك أنني سأعيش لأرى كل ما يحصل في بلدي الغالي، الذي عشقت كل حبّة تراب فيه؛ هي قصتي وقصة المئات لا بل الآلاف غيري.
بالأمس كان السادس من حزيران/ يونيو. تاريخ يُعيدنا إلى لحظة اجتياح بيروت في العام 1982. لكأن هناك من كان يريد أن يكون تاريخنا هو تاريخ الهزائم. حتى جاء الخامس والعشرين من أيار/مايو 2000، وكان لنا ما كنا نشتهيه منذ زمن طويل.
منذ يومين كان "عيد المقاومة والتحرير". حين عايدتُ زميلنا حسين أيوب أجابني بأنّه العيد الأحب إلى قلبه. ليس غريبًا في وطن الخيبات والآلام هذا، أن نتّكئ على ذاكرتنا المفتوحة لتعود بنا وتحملنا إلى لحظات التحرير المشرقة. كانت أيّامًا ممزوجة بكلّ ما تحمله الرّوح الإنسانيّة من عناصر الحبّ والجمال والتضحية والأمل والإنتصار.
يمكنني أن أرسم أولى ملامح فهمي للحرية من خلال لحظات طفولتي الأولى التي أمضيتها في الركض في قريتي الجنوبية جرجوع.
لم يبدأ تاريخ العلاقات اللبنانية ـ الإسرائيلية من "الجدار الطيب". كان هذا الجدار تتويجاً لعقود من العلاقات السرية وأحياناً العلنية بين عائلات وأحزاب وشخصيات لبنانية من جهة وإسرائيل ممثلة بالوكالة اليهودية وحكومتها وعناوين مختلفة من جهة ثانية.
ليس من المنطق أن يُبخّس بإنجازات المقاومة اللبنانية على اختلاف مشاربها وانتماءاتها، إلا أن حالة الإذلال التي يعيشها المواطن اللبناني يومياً تخلق تساؤلات لديه؛ من سؤاله عن شعار "هيهات منا الذلة" إلى سؤال التضحيات الجسام التي تكبدها طيلة صراعه مع إسرائيل، وهل يُكافأ عليها بما إنتهت إليه أوضاعنا الإجتماعية والإقتصادية والمالية؟
مضى عقدان على انسحاب القوات الإسرائيلية وتحرير جنوب لبنان، وليست الإشارة إلى حدثي الانسحاب والتحرير، مدفوعةً بأسلوب الإطناب أو الدواعي الإنشائية، وإنما تمهيد لمناقشة التغييرات القسرية التي حصلت في العقيدة العسكرية الإسرائيلية وخطط التسلح.
حروب تحرر وطني. تأسيس دول مستقلة. سلطات دكتاتورية. الذين قادوا معارك التحرير يحكمون حكماً استبدادياً. تحررت الجماعة لكن الحرية الفردية ممنوعة.
لا بد من تلاوة المشاعر أولاً. الإنتصار حالة إنسانية فذة. الخروج من نفق الخسائر، يغيّر في طبيعة الإنسان. الهزائم خلّفت شعباً فاقد الإيمان بأمته. إذاً، منطقياً، قبل الولوج إلى الكلام بعقل بارد، فلنتجرأ على الإعتراف، أن المقاومة غيّرتنا: كنا في وادي الدموع، وبلغنا شرفة المستقبل. مستقبلنا يُولد من صنع أيدينا.
بعيدة تبدو المسافة بين انطباعات عامة تكوّنت لدى المصريين عن تحرير جنوب لبنان عام 2000، وبين البحث عن ما تبقى من أثر هذا الحدث الذي بدا قبل عشرين عاماً وكأنه نقطة بداية لمتغيرات كبرى استهلتها الألفية الجديدة، ليس على طريقة أحجار الدومينو أو أثر الفراشة، ولكن على قاعدة إعادة احياء ثنائية المقاومة والتفاوض أمام ثنائية التسليم والتكيُّف، والتي لم تنحصر في ما يخص إسرائيل أو السياسات الخارجية بشكل عام، بل انعكست على الداخل المصري بأشكال متنوعة تراوحت بين القبول والترحيب والرفض والتشكيك وغيرها من الثنائيات التي تدور في فلكها الجدالات العامة والخاصة في بلد شديد المركزية.