في القدس، تعيش عائشة حجازي، ولها في ترابها المُقدّس بيت ورثته عن أجيال ناهزت المئات من العقود. من بيتها العائلي تُطلُّ عائشة على محيط المسجد الأقصى الذي أسرى إليه رسول الله النبي محمد ومنه عرّج إلى السماء.
لمنزل عائشة عبق القداسة المُضاعَفَة: هو بيتها وسِترُ كرامتها، وحجاب كنه حياتها، وأيضاً لأنه في القدس.. إذ ذاك، يكون للكلام عنه طعم آخر. ومن آخر الكلام، أو من أوله، أن مدينة القدس المقدسة مدنّسة بعدو، وأن بيت عائشة حجازي وَطَأته نجاسة العسكر الصهيوني بقرار الترويع والتفتيش والشتم فالهدم.
وقفت عائشة حجازي على أطلال بيتها وتاريخه. بَكَت بمفردها. ولَوَت على حسرة صامتة. انتظرت – وربما اعتقدت – أن حناجر كثيرة ستبلغ عنان السماء مستنكرة التدنيس الصهيوني لبيت عائشة، وتالياً هدمه، ولاحقاً تشريدها وعائلتها.
طال انتظار عائشة، وسبقت جرافات الاحتلال الإسرائيلي بيانات استنكار هدم بيت عائشة و”تنجيسه” بأحذية جنود العدو قبل هدمه، إلا من قلة ترنو إلى ثاني القبلتين.. فشعوب الأمة وقبائلها وذوي الأرحام هَالهَا من الخبر أنه كغيره من بيوت ومنازل فلسطين، وقد يكون لتكرار الخبر وقع الرتابة، خاصة أنه سبق لفلسطين أن تَدنّسَت وما تزال، وسبق لهذه الشعوب والقبائل وذوي الأرحام أنها شجبت واستنكرت وغضبت بكل أفعال المبالغة لفعل التدنيس دون أن يصل إلى فعل تطهير الأرض من مُدنّسيه.. وسبق لهؤلاء كأمة أن انشغلوا وشغلوا عيشهم بضجيج الجدال والتجادل بغير كلمة سواء.. أمة نامت في جحر مآزقها وترانيم السهل والأسهل من واجباتها.. ثم استفاقت على عيشها الذي لا يشبه عيش عائشة حجازي، ولا يمت إلى ألمها بدمعة عين، ولا يُسكِّن غصة انتظار في غموض مستقبلها، ولا يُدمِل جرحاً أوجَعَته التقرّحات، وأدمَته بُكاءات الأمة وقبائلها وذوي الأرحام، لأن لبكاء عائشة حجازي المعنى الحقيقي للعيش الحزين.. ولكرامة الكلمة الحق.. وللوعد الأكيد.