التقدير أن حزب الله سيختار، على الأقل في الفترة القريبة المقبلة، الاستمرار في استراتيجيته الحالية، وأساسها استمرار جهوده من وراء الكواليس لتعزيز قبضته ونفوذه السياسي والاقتصادي في النظام اللبناني
إستمرار الجهد الإسرائيلي لمنع تعاظم القوة العسكرية لحزب الله، وخصوصاً تسلُّحه بصواريخ دقيقة ضمن إطار “معركة بين الحروب”، بالإضافة إلى استخدام إسرائيل المجال الجوي اللبناني ونشاطها على طول الحدود المشتركة، يزيد في مصاعب حزب الله. يتخوف الحزب من أن تستغل إسرائيل ضائقته لرفع درجة عملياتها العسكرية ضده، وهو يعمل على المحافظة على الردع حيالها، بما في ذلك من خلال استخدام منظومة إعلامية. ضمن هذا الإطار، نشر الحزب شريطاً عرض فيه صواريخ دقيقة تهاجم أهدافاً في إسرائيل، وفي الخلفية نصرالله يعلن أن لدى الحزب صواريخ دقيقة تستطيع مهاجمة أي نقطة في إسرائيل، وأن المحاولة الإسرائيلية لمنع ذلك فشلت تماماً. في موازاة ذلك، نقلت الصحف اللبنانية تعليقات غير واضحة المصدر وغير موثوق بها، تقول إن حزب الله يستعد لاحتمال حرب ضد إسرائيل في الصيف القادم.
التهديدات المتزايدة لحزب الله من الداخل والخارج تُفاقم المعضلات التي يواجهها بشأن كيفية مواصلة طريقه: هل وكيف يواصل الاستمرار في سياسته الحالية التي تركز على المحافظة على أرصدته السياسية والعسكرية في لبنان وسوريا من وراء الكواليس، أو انتهاج خطوات يمكن أن تخلق منعطفاً وتغيّر الظروف الضاغطة لمصلحته. ضمن إطار هذه الانعطافة، يمكن أن نرى اتجاهين محتملين للعمل، على الرغم من اعتقاد حزب الله أنه لم يصل بعد إلى النقطة التي يتعين عليه أن ينجر فيها إلى خطوات متشددة من هذا النوع، وهو في هذه المرحلة يفضل الامتناع من القيام بها:
داخل لبنان: قرار باستخدام القوة العسكرية لمنع تعرّض هيمنته على لبنان لخطر محسوس، أو للمحافظة على قوة ميليشياته المسلحة، أو لضمان تأثيره في المنظومة السياسية والاقتصادية في لبنان. في إطار سيناريو أقصى يهدد هيمنته وأرصدته، من الممكن أن يستخدم حزب الله قوته العسكرية لاستكمال سيطرته على لبنان، والتخلي عن الاستراتيجيا التي تبناها طوال سنوات لبناء نفوذه من وراء الكواليس. مثل هذه الخطوة يمكن أن تؤدي إلى فوضى وحرب أهلية أُخرى في لبنان.
في مواجهة إسرائيل: تحويل الانتباه من الوضع الداخلي إلى الصراع مع إسرائيل من خلال عملية عسكرية يبادر إليها ويمكن أن تؤدي إلى مواجهة معها. في هذه المرحلة، يبدو أنه بالنسبة إلى حزب الله، خطوة من هذا النوع، سيئاتها أكثر من حسناتها: يمكن أن تؤدي إلى حرب واسعة لا يرغب فيها مع إسرائيل، مع كل أثمانها بالنسبة إليه، كما ستُفاقم ضائقة لبنان الاقتصادية والسياسية، وهو تطور سيزيد من حدة الانتقادات الموجهة ضد حزب الله نفسه.
التقدير أن حزب الله سيختار، على الأقل في الفترة القريبة المقبلة، الاستمرار في استراتيجيته الحالية، وأساسها استمرار جهوده من وراء الكواليس لتعزيز قبضته ونفوذه السياسي والاقتصادي في النظام اللبناني، مع المحافظة على قوته العسكرية. ضمن هذا الإطار، سيركز جهده لتحسين سيطرته على قطاع المصارف (أيضاً من خلال تحييد حاكم المصرف المركزي القوي والمخضرم)، وجهاز القضاء ووسائل الإعلام لتغيير وجه لبنان.
في ما يتعلق بإسرائيل، يبدو أن التحديات الداخلية تدفع في هذه المرحلة أفكاراً في اتجاه مغامرة عسكرية، لذلك يحرص الحزب على تعزيز الردع تجاهها، مع الالتزام المتبادل بـ”قواعد اللعبة”، وترسيخ مواقعه في سوريا.
في مثل هذا الوضع، وبينما حزب الله مشغول في مواجهة الأزمة الداخلية والضغوطات الخارجية، يتعين على إسرائيل أن تبقى صارمة في عرقلة استمرار نقل الوسائل القتالية المتطورة إلى الحزب وترسيخ وجوده في سوريا، لكن عليها الامتناع من أن تخرج كثيراً عن “قواعد اللعبة” هي أيضاً، كي لا تدفع حزب الله إلى الرد ومساعدته بصورة غير مباشرة على التخلص من ضائقته، من خلال تحويل انتباه الجمهور إلى دعمه بصفته درع لبنان”.