هذا هو “اللبنان” في مئويته الفرنسية الولادة، لأنه في شقِّه اللبناني لم يستطع أن يضيف إلى الإعلان والكيان، لا الدولة ولا الوطن ولا المواطنة، بل اكتفى أبناؤه بـ”اختلاق” وطن على قياسهم يدوم وتدوم استمراريته تارةً بالحرب وطوراً بالسلم، وبمعارك في فترات ما بينهما تقتضيها ظروف الحرب الكامنة المختبئة في طيات مفردات العيش المشترك!
وحدهما الأخوان رحباني ومعهما فيروز استطاعوا إختراع “لبنان” الوَهْم بمحاولة جعله حقيقة، وحاولوا أن يغطّوا الوَهْم بقشرة الإبداع، ويلامسوا التاريخ بلغة “الخَبْريَات” على وقْع الأهازيج.. فكان “لبنانهم” هذا تتمة لحقيقة/أكذوبة لبنان/الطوائف وإن أقسموا يمين الولاء.
ففي الأغنية يكاد هذا “اللبنان” أن يلامس السماء ويُشكّل من نجومها وزراء حكومة، ومن شمسها رئيساً فوق الصلاحيات وإن بتجفيف “طائفي”، ومن طوائفها حُفنة ملائكة صاغتهم أنامل ما فوق بشرية، وزَرَعتْهم “على حفافي العنب والتين”.
من سيلتقي ماكرون من خلال لقائه بفيروز: أيلتقي “لبنانه” الفرنسي المُتقلّب على حقبات من الاقتتال الأهلي، والخداع المواطني، والفشل المؤسّساتي والمؤسّسي والدولتي الممزوج “بعطر” الفساد؟ أم لبنان الرحابنة وفيروز ونسيج الحكايات وبطولات سبع ومخول وجسر القمر ولبنان الأخضر، ويا حرية جبال الصوان، وملهب المهرّب، و”جدّي بو ديب وأكاذيبه”، أم راجح الحقيقي أم راجح الكذبة؟
عن أي لبنان سيتفاهمان، وفي جعبة الأول الجنرال غورو، وفي ذاكرة الثانية سيلٌ من مسرحيات المجد والكرامة والشعب العنيد والفشل الأكيد، إلا من مقاومة لاحتلال صهيوني أرْخَى بعبئه الأكبر ومصائبه – بعد مأساة الشعب الفلسطيني – على لبنان الحقيقة والوهم والأسطورة والواقع والدور والاقتصاد والمستقبل والحياد. لو قُيّض لهذا الاحتلال الإسرائيلي أن “يهنأ” بطول بقاء، لما قصّرَ لكن المقاومة كانت له بالمرصاد.
يبدو أن تبادلاً في الأدوار ستكونه حكاية هذا اللقاء. حكاية أمجاد ستفترش طاولة امتدت على مئة عام من زمن اختلطت فيه فرضية لبنان/الدولة/الوطن/المسرحية، بلبنان/المسرحية/الوهم/الأغنية.
للقاء ماكرون – فيروز عنوانان متضادّان: فماكرون يبدو أنه سيقترب من الجنرال غورو قليلاً وذلك بإعلانه (أو تعّلينِه) عن رئيس حكومة بأحسن الأحوال، وفيروز ستقترب من إعلان التوبة عمّا صَدَحَت به حنجرتها لذاك “اللبنان” الذي أخفق لبنانيوه في جعله لبناناً لهم.. قبل سواهم.
لفيروز ولنا “لبناننا” الخالد خلود صوتها بما غنتّه بروحها وصوتها لبيروت، للقدس وأجراس عودتها، للشام يا ذا السيف لم يغب، ولمكة أهلها الصيدا.