العلاقات بين حزب الله وبين المتمردين الحوثيين في اليمن قائمة منذ نحو عشر سنوات وتحولت إلى استراتيجية بدءاً من سنة 2014 مع بداية هجوم الحوثيين واحتلالهم العاصمة صنعاء وتوسيع سيطرتهم على أجزاء عديدة من الدولة.
في آذار/مارس 2015 دخلت السعودية على رأس ائتلاف ضم عشر دول (أغلبيتها عربية سنية) الحرب ضد الحوثيين، التي بدأت كعملية “عاصفة الحزم” في محاولة لاستعادة الرئيس الشرعي عبد ربه هادي السيطرة على الدولة. منذ ذلك الحين تدور في اليمن معركة دموية، وبسبب المساعدة التي تقدمها إيران إلى الحوثيين لم ينجح الائتلاف السعودي في حسم الحرب.
تجلى تدخُّل حزب الله، حليف إيران، في حرب اليمن بالاستشارة والتدريب وتهريب السلاح وغيره، والعلاقات الوثيقة بين الحزب والحوثيين تسمح للطرفين بالتعلم واستخلاص الدروس من التجارب العملانية للآخر.
يفحص هذا المقال ما يستطيع الحوثيون تعلّمه من تجارب حزب الله العملانية، وفي الأساس ما يمكن أن يتعلمه حزب الله من الحرب في اليمن، وكيف يمكن للمعلومات والخبرة اللتين جمعهما الحزب في هذه الساحة أن تتجليا في معركة مستقبلية ضد إسرائيل.
ماذا يستطيع الحوثيون تعلُّمه من حزب الله؟
تنظيم حزب الله كان ولا يزال الخصم الأساسي لإسرائيل منذ 40 عاماً تقريباً. منذ أن كانت إسرائيل موجودة في الحزام الأمني بعد حرب لبنان الأولى خلال السنوات 1982-2000؛ مروراً بحرب لبنان الثانية 2006، وإلى اليوم. التجربة الغنية المتعددة السنوات لحزب الله في القتال غير المتناسب ضد عدو يتفوق عليه تكنولوجياً وجوياً، برزت من خلال استخدامه الكثيف لمنظومة القذائف والصواريخ – السلاح الأساسي الذي كان لدى الحزب ضد إسرائيل طوال سنوات، وخصوصاً خلال حرب لبنان الثانية.
اضطر حزب الله أيضاً إلى القتال ضد قوات الجيش الإسرائيلي البرية، معتمداً على قدرته الدفاعية في المناطق المبنية، ومن خلال الصواريخ المضادة للمدرعات (صواريخ “كورنيت”)، واستخدام واسع للعبوات الناسفة والألغام لكبح حركة القوات الإسرائيلية. كما استخدم حزب الله وسائل متقدمة، مثل صواريخ بر – بحر، عندما ضرب سفينة سلاح البحر الإسرائيلي “حانيت” في 14 تموز/يوليو 2006، ومسيّرات من نوع “أبابيل”.
في سوريا، أصبح حزب الله خبيراً في خوض معركة ضمن أطر عسكرية نظامية ومنظمة، مع مساعدة جوية ومدفعية. أغلب القتال في سوريا دار في مناطق مبنية، سواء في مهمات دفاعية أو في عمليات احتلال واستيلاء على أرض مبنية من يد الخصم. في اليمن، يدور قتال بري، في الأساس في مناطق مبنية، وبسبب التشابه الكبير في سمات القتال، فإن معلومات حزب الله وتجربته يمكن أن تفيدا المتمردين
بالإضافة إلى ذلك حصل حزب الله على تجربة عسكرية غنية في الحرب التي بدأت في سوريا في سنة 2011، والتي قاتل فيها إلى جانب قوات الأسد، وإيران، وميليشيات شيعية، وروسيا. في سوريا، أصبح حزب الله خبيراً في خوض معركة ضمن أطر عسكرية نظامية ومنظمة، مع مساعدة جوية ومدفعية. أغلب القتال في سوريا دار في مناطق مبنية، سواء في مهمات دفاعية أو في عمليات احتلال واستيلاء على أرض مبنية من يد الخصم. في اليمن، يدور قتال بري، في الأساس في مناطق مبنية، وبسبب التشابه الكبير في سمات القتال، فإن معلومات حزب الله وتجربته يمكن أن تفيدا المتمردين.
ماذا يستطيع حزب الله أن يتعلم من تجربة اليمن؟
تستخدم إيران ساحة القتال في اليمن كحقل تجارب لفحص وسائل وأساليب القتال، وفي عدة مجالات مركزية يستطيع حزب الله أن يتعلم من التجربة التي تراكمت في الحرب:
الساحة البحرية:
خلال سنوات الحرب قام الحوثيون باستخدام مجموعة وسائل قتال بحرية ضد القوات البحرية لائتلاف السعودية وضد أهداف بحرية مدنية، معظمها زودتهم به إيران. واستخدموا صواريخ بر – بحر من طراز C-802، شبيهة بتلك التي استخدمها حزب الله ضد سلاح البحر الإسرائيلي في سنة 2006، لضرب سفن سعودية وإماراتية، وحاولوا ضرب سفن أميركية. إدارة أوباما ردت بالهجوم على مواقع الرادارات التي ساعدت في إطلاق الصواريخ، ودمرتها بواسطة سلاح البحرية الأميركي.
بالإضافة إلى ذلك استخدم الحوثيون سفناً محملة بمواد ناسفة تُشغَّل عن بعد، لمهاجمة سفن عسكرية تابعة للائتلاف السعودي ومنشآت موانىء ونفط على شواطىء سعودية. كما استخدموا على نطاق واسع ألغاماً بحرية قبالة سواحل اليمن في البحر الأحمر، وقد أصيبت سفن مدنية أيضاً بهذه الألغام.
إستخدام مسيّرات:
مكوّن مهم في عقيدة القتال غير المتناسب لإيران هو منظومة المسيّرات، وطُبِّقت هذه العقيدة أيضاً من جانب المتمردين الحوثيين بموافقة رعاتهم في طهران.
إستخدم الحوثيون المسيّرات بصورة كبيرة لجمع معلومات استخباراتية، كما يستخدمون مسيّرات مسلحة زودتهم بها إيران، وبعضها يجري تركيبه في اليمن من أجل الهجمات الانتحارية. الإيرانيون زودوا الحوثيين بمعلومات وعتاد ومساعدة خبراء من أجل إقامة خطوط إنتاج في منطقة صعدا، المعقل الرئيسي للحوثيين في اليمن، وكذلك في منطقة صنعاء. هاجم السعوديون عدة مرات أهدافاً استُخدمت لإنتاج وتخزين المسيّرات، لكن نجاح هذه الهجمات محدود حتى الآن.
استخدام المسيّرات ضد أهداف تابعة للائتلاف في اليمن وفي عمق الأراضي السعودية هو تقريباً يومي. وبهدف التغلب على قدرة كشف واعتراض الطائرات القتالية السعودية، طوّر الحوثيون تكتيكاً من خلال استخدام عدد كبير من المسيّرات (أحياناً عشر) في آن واحد.
استخدم الحوثيون أيضاً مسيّرات انتحارية لمهاجمة بطاريات صواريخ باتريوت للائتلاف. حتى الآن، معروف عن ثلاث هجمات كهذه: اثنتان في أراضي اليمن، وهجمة واحدة في أراضي السعودية، بالقرب من نجران. نتائج الهجمات غير معروفة.
بالإضافة إلى ذلك استخدم الحوثيون تكتيك الهجوم الذي يجمع بين مسيّرات وصواريخ باليستية، أو صواريخ كورنيت، ضد أهداف في عمق الأراضي السعودية والإمارات. ونفّذوا في عدد من المرات “اغتيالات موضعية” ضد ضباط كبار في الجيش اليمني.
أول استخدام لحزب الله للمسيّرات ضد إسرائيل كان من أجل الحصول على معلومات قبل حرب لبنان الثانية. خلال هذه الحرب أرسل حزب الله مسيّرات انتحارية من نوع “أبابيل” في اتجاه أراضي إسرائيل، لكن جرى اعتراضها ولم توقع أضراراً.
مجال استخدام المسيّرات في اليمن يمنح حزب الله معلومات محدثة وعظيمة الأهمية، يمكن أن يطبقها في مواجهة مستقبلية في لبنان، أو في جبهة هضبة الجولان.
دفاع جوي:
يحارب الحوثيون في ساحة يملك فيها الائتلاف السعودي تفوقاً جوياً مطلقاً شبيهاً بوضع حزب الله في الساحة اللبنانية. في سنة 2014 سيطر الحوثيون على أغلبية منظومات الدفاع الجوي التي كانت لدى الجيش اليمني (منظومات سوفياتية من طراز SA-2,3,4، وصواريخ كتف من نوع SA-7)، وفوجئوا عندما اكتشفوا أن جزءاً منها غير قابل للاستخدام، وجزءاً آخر ضربته ودمرته طائرات التحالف في مراحل سابقة للحرب.
من أجل مواجهة هجمات سلاح الجو للائتلاف نفّذ الحوثيون، بمساعدة إيرانية، تحويل صواريخ جو – جو السوفياتية الصنع، والتي استخدمتها في الأساس طائرات ميغ-29 لدى الجيش اليمني، إلى صواريخ أرض – جو نُصبت على شاحنات خفيفة. الاستخدام العملاني الأول جرى في 17 تموز/يوليو 2017، حين أُطلق صاروخ نحو طائرة أف-15 سعودية، الطائرة لم تُصب. لاحقاً زود الإيرانيون الحوثيين بصاروخ مضاد للطائرات متقدم من إنتاجهم سمّوه “صياد –C2″… يُحسب للحوثيين خلال السنوات الأربع أنهم نجحوا في إسقاط عدة طائرات حربية وطوافات تابعة للائتلاف وكذلك عشرات المسيّرات.
يجب التعامل بجدية مع التهديد الحوثي، وليس من المستبعد أن يستخدم الإيرانيون المتمردين الحوثيين لضرب أهداف إسرائيلية بواسطة إطلاق صواريخ بعيدة المدى على إسرائيل، أو بواسطة ضرب سفن إسرائيلية، أو سفن أجنبية في طريقها إلى إسرائيل في منطقة مضيق باب المندب وفي البحر الأحمر
لكن لم تكن المسيّرات فقط من “ضحايا” الدفاع الجوي في اليمن. ففي 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2019 ادعى الحوثيون أنهم نجحوا في إسقاط مروحية أباتشي سعودية بالقرب من الحدود بين اليمن والسعودية بواسطة صاروخ أرض – جو، وأن طيارَيْها قُتلا.
الدلالات بالنسبة إلى إسرائيل
بالإضافة إلى المعلومات والتجربة التي راكمها حزب الله خلال القتال في اليمن، تراكمت تهديدات مباشرة لإسرائيل ومصالحها من جانب الحوثيين والإيرانيين في ساحة البحر الأحمر. في 28 تشرين الأول/أكتوبر التقى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في مكتبه في القدس وزير الخزانة الأميركي، وقال له: “إيران نصبت صواريخها في اليمن من أجل مهاجمة إسرائيل. إيران تسعى حالياً للتوصل إلى سلاح دقيق قادر على ضرب أي هدف في الشرق الأوسط بدقة توازي خمسة إلى عشرة أمتار. الإيرانيون يطورون الصواريخ في إيران، ويريدون نصبها في العراق وسوريا وتحويل الترسانة الصاروخية في لبنان، المؤلفة من 130 ألف صاروخ تقليدي، إلى سلاح موجّه ودقيق. هم يتطلعون إلى تطوير ذلك السلاح وبدأوا بإدخاله إلى اليمن بهدف ضرب إسرائيل أيضاً من هناك”.
في 9 تشرين الثاني/نوفمبر، ألقى زعيم الحوثيين في اليمن عبد الملك الحوثي خطاباً بمناسبة عيد المولد النبوي، أرسل فيه لأول مرة تهديداً مباشراً لإسرائيل. في الخطاب الذي بثته قناة “المسيرة” التابعة للمتمردين الحوثيين، كذّب الحوثي مزاعم نتنياهو بأن إيران بدأت بتزويد اليمن بصواريخ دقيقة، وهدد بمهاجمة إسرائيل إذا هاجمت اليمن: “شعبنا لن يتردد في إعلان الجهاد ضد العدو الإسرائيلي وتوجيه ضربات قاسية ضد الأهداف الحساسة في كيان العدو، إذا قام بأعمال حمقاء ضد شعبنا. عداؤنا لإسرائيل هو موقف مبدئي، وإنساني وأخلاقي وواجب ديني”.
في 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2019، تعرضت منشآت النفط السعودية لهجوم بـ25 مسيّرة وصواريخ بحرية. وكانت النتيجة توقّف نصف صناعة النفط السعودية عن العمل. أعلن المتمردون الحوثيون مسؤوليتهم عن الهجوم، لكن التحقيق في الحادث يُظهر أنه نُفِّذ من إيران وليس من الأراضي اليمنية.
كان هذا أهم هجوم بالمسيّرات والصواريخ البحرية جرى حتى ذلك الوقت على مسافة تتجاوز الألف كيلومتر، ومن خلال الدمج الناجح بين منظومتين من السلاح. تسبب الهجوم بأضرارهائلة في منظومة الدفاع الجوي السعودية التي فشلت فشلاً ذريعاً في الكشف عن الصواريخ والمسيّرات المهاجِمة واعتراضها.
يجب التعامل بجدية مع التهديد الحوثي، وليس من المستبعد أن يستخدم الإيرانيون المتمردين الحوثيين لضرب أهداف إسرائيلية بواسطة إطلاق صواريخ بعيدة المدى على إسرائيل، أو بواسطة ضرب سفن إسرائيلية، أو سفن أجنبية في طريقها إلى إسرائيل في منطقة مضيق باب المندب وفي البحر الأحمر.
خلاصة
المعركة على الهيمنة في الشرق الأوسط، من منظور القتال في اليمن، يمكن أن تجر إسرائيل إلى داخل قلب المعركة رغماً عن إرادتها. التدخل الإيراني في الحرب في اليمن تجلى على عدة صعد:
-مساعدة عسكرية، اقتصادية، سياسية، ودعائية للمتمردين الحوثيين، تُنقل مباشرة من إيران، أو بواسطة حلفائها، مثل حزب الله.
-تعتبر إيران الحوثيين حلفاء يمكن استخدامهم في إطار المعركة المتعددة الساحات التي تخوضها، وبناء على ذلك، يتيح الحوثيون لإيران زيادة الضغط على السعودية من خلالهم.
-الحرب في اليمن تتيح لإيران استخدام هذا البلد حقل تجارب لفحص منظومات سلاح ومفاهيم عملانية جديدة.
-حزب الله والحوثيون في اليمن هما جزء من الائتلاف الداعم لإيران، وللتنظيمين أعداء مشتركون وعلاقات وثيقة مستمرة منذ نحو 10 سنوات. التعاون العسكري بين التنظيمين منذ سنة 2014 يساعد الطرفين كثيراً، ويحسّن قدراتهما العملانية. الحرب في اليمن تتيح لحزب الله التعلم من تجارب الحوثيين والإيرانيين في مجالات استخدام المسيّرات والصواريخ البحرية، والصواريخ الباليستية البعيدة المدى، وسفن بحرية غير آهلة تُشغَّل عن بعد، وغير ذلك.
-على الرغم من وجود فروق كبيرة بين الحرب في اليمن وبين ساحات القتال المتوقعة في الشمال بين إسرائيل وحزب الله، يتعين على إسرائيل أن تتابع عن كثب التطورات في ساحة القتال في اليمن من أجل استباق محاولات إيران وحزب الله تطبيق ما تعلّماه في هذه الساحة على جبهتيْ هضبة الجولان ولبنان، والقضاء على هذه المحاولات”. (المصدر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية)