“للمرة الأولى في تاريخ تركيا الحديثة، الممتد على مدار مئة عام، تظهر ملامح إمبراطورية قديمة في المجال الاجتماعي والسياسي. ترجع هذه المشاعر، إلى حد كبير، إلى خيبة أمل المجتمع التركي من التجميد الفعلي لانضمام البلاد إلى الاتحاد الأوروبي.
يحاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الاستفادة من ذلك، وتقديم صورة مغرية عن الماضي العظيم.
ثمة رأي يفيد بأن أردوغان أيقظ “صحوة الأتراك” وهو يبني “خلافة جديدة”. ولكن ما مدى واقعية هذه المقولة؟ كيف يمكن، على سبيل المثال، إيقاظ أولئك الذين هم مستيقظين بالفعل؟ هل يحتاج العرق التركي الشغوف، الذي يمتلك مهارة التكيف التي لا تقدر بثمن، إلى مثل هذه “الصحوة”، والتي هي قائمة ليس بالضرورة في وطنهم التاريخي (نجاح الجالية التركية في ألمانيا هو مثال حي على ذلك)؟ وهل نهضة الإمبراطورية العثمانية ممكنة في العالم الحديث؟
في الزمن الراهن، تبدو فكرة الإمبراطورية الكلاسيكية كاستجابة للتحديات أشبه بمحاولة للإختباء من الأسلحة الحديثة في قلعة من القرون الوسطى: قاتمة، غير وظيفية، وعديمة الفائدة تماماً.
استند النموذج الذي استخدمه محمد الفاتح وسليمان القانوني في السابق إلى فرضية أن الميزة العسكرية هي دائماً الملاذ الأخير. لقد أفلس هذا النهج في بداية القرن الماضي، ولولا تحوّل كمال أتاتورك، لما وُجدت تركيا الحديثة على الإطلاق.
مع اختراع أسلحة الدمار الشامل، أصبح الجيش في الواقع رادعاً في الغالب، لا سيما في العلاقات بين القوى الرئيسية، وبذلك انتقل الكفاح الحقيقي إلى كسب العقول وليس كسب المناطق كما كان من قبل.
غالباً ما تحقق الشبكات الاجتماعية في هذه الأيام هدفها بدقة أكبر بكثير من أحدث الدبابات والغواصات. في حالة تركيا، من الواضح أن النظريات المعاد تدويرها منذ القرن السادس عشر لا يمكن أن تصبح أساساً لمثل هذا التوسع، لا سيما في المناطق والبلدان المتقدمة اقتصادياً. حتى أذربيجان القريبة والصديقة عرقياً تركز أكثر على القيم الأوروبية، ومن غير المرجح أن تكون تركيا قادرة على تغيير هذا النهج.
ليس لدى تركيا أساس اقتصادي لبناء إمبراطورية حقيقية. هي ليست مدرجة في قائمة أعلى 15 دولة في العالم – لا من حيث عدد السكان، ولا حتى من حيث المساحة. هذا يعني أن السوق المحلية محدودة للغاية، وأن النمو الاقتصادي للبلاد يعتمد إلى حد كبير على الأسواق الخارجية
علاوة على ذلك، ليس لدى تركيا أساس اقتصادي لبناء إمبراطورية حقيقية. هي ليست مدرجة في قائمة أعلى 15 دولة في العالم – لا من حيث عدد السكان، ولا حتى من حيث المساحة. هذا يعني أن السوق المحلية محدودة للغاية، وأن النمو الاقتصادي للبلاد يعتمد إلى حد كبير على الأسواق الخارجية. في هذا السياق، كانت السياسة السابقة لتكامل تركيا الأوروبي منطقية تماماً.
وعلى الرغم من النكسات والصعود العام للحمائية في العالم، لا يبدو أن استخدام السيوف يمثل استجابة فعالة.
وكلما زادت الخطابات العسكرية، والأهم من ذلك تصرفات أردوغان، كلما ابتعدت تركيا عن توسعها الاقتصادي، الذي يفترض أن يكون علامة حقيقية على توسع نفوذها.
الإخفاقات الاقتصادية الأخيرة لتركيا هي تأكيد آخر على ذلك.
لماذا، إذن، تم اختيار نموذج عفا عليه الزمن، وباتت كل السياسات الخارجية والداخلية لرئيس الدولة الحالي مصممة على أساسه؟ هل يعاني أردوغان من قصر نظر سياسي؟
ثمة أسباب كثيرة تفسر ذلك:
أولاً، إنها عملية إلهاء كلاسيكية عن المشكلات الملحة من خلال التوجه إلى “المستهلك الداخلي”. من السهل جداً الاستنتاج بأن اردوغان يريد استثمار نشاطه الخارجي في الانتخابات المقبلة.
ثانيًا، إن خلق مظهر “باني إمبراطورية جديدة” يستهدف في الأساس زيادة السلطة الخاصة لأردوغان؛ والأهم من ذلك، يبدو اردوغان مدركاً أن صياغة نموذج جديد يتردد صداه في قلوب الناخبين هو أصعب بكثير من استغلال بقايا الوعي العام”. (ترجمة 180 نقلاً عن “كومرسانت” الروسية).