عقدة التخصيب الإيراني.. هل تُبدّدَها الجولة الخامسة؟

في انتظار تحديد موعد الجولة الخامسة من المفاوضات الأميركية الإيرانية، ما زال العالم يتابع نتائج أول جولة خارجية يقوم بها رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب، إلى منطقة الشرق الأوسط، بكل ما تخللها من صفقات في دول الخليج، فضلاً عن رفع العقوبات عن سوريا، وأيضاً ما حملته من مواقف ولا سيما ما يخص ملف المفاوضات مع إيران.

يوم الأحد الماضي، انتهت الجولة الرابعة من المفاوضات النووية في عُمان عاصمة سلطنة عُمان بالإتفاق علی استمرار هذه المفاوضات غير المباشرة، على أن يُحدّد الوسيط العُماني الموعد والمكان المناسبين، في ضوء الآلية التي اعتمدها منذ أول جولة تفاوضية في مسقط في 19 نيسان/أبريل الفائت.

والملاحظ أن الجانبين لم يتحدثا عن اتفاق أو التوصل إلى “اطار اتفاق”، كما كان متوقعاً، بل ثمة تحفظ واضح في اطلاق المواقف باستثناء ما ردّده الرئيس الأميركي خلال جولته الخليجية عن تسليم الإيرانيين اقتراحاً مكتوباً، وهو الموقف الذي استدعى رداً إيرانياً بلسان وزير الخارجية عباس عراقجي الذي قال من طهران إن بلاده لم تتلق أي مقترح مكتوب من الأميركيين بشأن المحادثات النووية سواء بشكل مباشر أم غير مباشر، وشدد على أنه لا وجود لسيناريو تتخلى فيه إيران عن حقها بالتخصيب لأهداف سلمية.

وقال المرشد الإيراني الإمام علي الخامنئي رداً على النبرة التهديدية لترامب خلال جولته الخليجية إن تصريحات رئيس الولايات المتحدة “عارٌ للشعب الأميركي”، و”لا تستحق الرد مُطلقاً”، فيما رفض الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان التهديدات الأميركية، وقال “نحن لا نسعى للحرب، بل نُفضّل التفاوض والحوار، لكننا لا نخشى التهديدات أيضًا، ولن نتراجع بأي حال من الأحوال عن حقوقنا المشروعة”.

لكن ماذا عن نتائج الجولة الرابعة؟

يقول الجانب الإيراني إن هذه الجولة التي لم تستمر أكثر من ثلاث ساعات كانت صعبة لكنها مفيدة لجهة معرفة وجهات نظر الجانبين. وتشير مصادر مواكبة إلى أن الجانب الأميركي طرح مرة أخری قضية تخصيب اليورانيوم في داخل إيران ومدی حاجتها لهذه الأنشطة في الوقت الذي تستطيع أن تشتري الوقود النووي من السوق الخارجية بمساعدة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وذلك بهدف تشغيل المفاعلات الإيرانية المستخدمة للأغراض السلمية، وهذا ما دعا الجانب الإيراني إلی الإعراب عن استعداده لتقديم المزيد من التنازلات لازالة القلق من طبيعة البرنامج النووي الإيراني، وبادر إلى تقديم مقترحات عديدة تتعلق بأنشطة التخصيب المقلقة للجانب الغربي بشكل عام والجانب الأميركي بشكل خاص.

تكشف المصادر الإيرانية المواكبة أن الجانب الأميركي تقدم للوفد الإيراني باقتراح فحواه تعليق أنشطة التخصيب في إيران، الأمر الذي يرفضه الجانب الإيراني الذي يری أن التخصيب السلمي “حقٌ مكتسبٌ لإيران ولا يتعارض مع المبادىء التي تُحدّدها الوكالة الدولية للطاقة الذرية

بكل الأحوال ثمة تحديات تواجه هذه المفاوضات وربما تؤدي إلى التحكم بمسارها وايقاع سرعتها وحتى افشالها إن تعذر مواجهتها وهي الآتية:

أولاً؛ الكيان الإسرائيلي الذي لا يريد هذه المفاوضات كلها بل يسعی بكل ما أوتي من قوة ووسائل ضغط لافشالها مستخدماً لأجل ذلك اللوبي اليهودي في داخل الولايات المتحدة وصولاً إلى فرض الخيار العسكري على الإدارة الأميركية بدلاً من الخيار السياسي والدبلوماسي.. والهدف هو انهاء وتفكيك البرنامج النووي الإيراني وربما يكون الهدف الإسرائيلي الأبعد مدى هو اسقاط النظام الإيراني.

ثانياً؛ الاصطفاف الموجود داخل الإدارة الأميركية بشأن آلية التعاطي مع الملف الإيراني برمته وليس المسألة النووية، حيث يقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلی جانب نائبه جي. دي. فانس ومندوبه إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف في مقابل وزير الخارجية ماركو روبيو ووزير الدفاع بيت هيغسيث.

ثالثاً؛ الأصوليون في الداخل الإيراني الذين يتسم موقفهم بالتشدد بشأن أصل التفاوض مع الولايات المتحدة وهؤلاء يعتقدون أن الجانب الأميركي مهما كان شكله ونوعه وطعمه غيرُ جادٍ في التوصل مع الجانب الإيراني إلی اتفاق يستند علی المصالح المشتركة والاحترام المتبادل بل يريد التوصل لاتفاق حسب مقاساته، وهو في نهاية المطاف يريد القضاء علی النظام السياسي في إيران تحت مظلة المفاوضات أو غيرها من العناوين.

رابعاً؛ الدول الأوروبية وبخاصة ألمانيا وبريطانيا وفرنسا، التي كانت في صلب اجتماعات واتفاق العام 2015، بينما هي الآن بعيدة عن هذه الأجواء حيث تمسك بيدها آلية “سناب باك” لعودة العقوبات الدولية علی إيران استناداً للقرار الأممي الرقم 2231 وتلوّح باسخدامها خلال ما تبقی من مدة وهو شهر يونيو/حزيران المقبل لانقضاء صلاحيته بعد هذا التاريخ.

خامساً، وهو الأخطر عندما يتفاعل الكيان الإسرائيلي مع الاصطفاف داخل الإدارة الأميركية كما حدث في قضية اقالة مستشار الأمن القومي الأميركي مايكل والتز عندما اكتشف أن والتز اتصل برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ونسّق معه بشأن شن هجوم ضد إيران. وعلی الرغم من ابعاد والتز عن الإدارة إلا أن هذا التحدي ما يزال قائماً وبقوة من أجل افشال المفاوضات النووية.

وتكشف المصادر الإيرانية المواكبة أن الجانب الأميركي تقدم للوفد الإيراني باقتراح فحواه تعليق أنشطة التخصيب في إيران، الأمر الذي يرفضه الجانب الإيراني الذي يری أن التخصيب السلمي “حقٌ مكتسبٌ لإيران ولا يتعارض مع المبادىء التي تُحدّدها الوكالة الدولية للطاقة الذرية”.

إقرأ على موقع 180  سوريا: مذكرة تفاهم بين حليفي روسيا وأميركا.. ما هي دلالاتها؟

ونقلت هذه المصادر أن الجانب الإيراني قدّم مقترحات متعددة من أجل ازالة القلق عند الجانب الأميركي بشأن أنشطة التخصيب الإيرانية بالشكل الذي يكسب موافقة الوكالة الدولية للطاقة مثل تعزيز أنظمة المراقبة ونسب التخصيب وكميات اليورانيوم المخصب وآلية حفظ هذه الكميات واستخدامها وما شاكل ذلك من أمور فنية لا تحصى ولا تعد. وحسب هذه المصادر، تبين أن الجانب الأميركي يملك تصورات لا تنسجم مع الطرح الإيراني.

وقد لعب الوسيط العُماني بشخص وزير الخارجية بدر البوسعيدي دوراً مهماً في تسهيل مسار المفاوضات حيث اقترح رجوع الوفدين إلى حكوماتهما لدراسة المقترحات المطروحة علی أن يُحدّد الجانب العُماني مكان وتاريخ الاجتماع القادم الذي ربما يُعقد هذه المرة علی مستوی الخبراء والمختصين في المجال النووي.

وحسب المعلومات فإن الجانب الإيراني طرح فكرة التوصل إلى “اتفاق إطار” جديد يتم تنفيذه علی مراحل متزامنة بين خفض اجراءات أنشطة التخصيب وإزالة العقوبات المفروضة علی إيران.

تبقى ملاحظة أخيرة تتصل بالزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى كل من الرياض والدوحة، قبيل توجهه إلى مسقط (الجولة الرابعة) وكذلك الزيارة التي قام بها إلى أبو ظبي، وهذه كلها تدخل في إطار الرغبة الإيرانية بوضع دول مجلس التعاون في أجواء المفاوضات لأن طهران تعتقد أن وضع هذه الدول في أجواء هذه المفاوضات يدعم موقفها التفاوضي ويجعلها أكثر شفافية مما يُعزّز العلاقات مع هذه الدول ويدعم موقف طهران التفاوضي أيضاً.

([email protected])

Print Friendly, PDF & Email
محمد صالح صدقيان

أكاديمي وباحث في الشؤون السياسية

Download Nulled WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  "هآرتس": وقف نار أحادي مع لبنان.. ومن بعده حرب بغطاء دولي!