كورونا بسلالته المعدلة.. إنتشار أكبر، خطورة أقل واللقاح واحد

ما كان متوقّعًا ومنتظرًا قد حلّ، لقد حصل تعديل على المادة الوراثية الخاصة بفيروس كورونا المستجد، وهذه المرّة انطلق جرس الانذار من الغرب لا من الشرق، من بريطانيا بالتحديد حيث رُصدت هذه السّلالة الجديدة بعد زيادة كبيرة بالإصابات في جنوب لندن وجنوب شرق بريطانيا.

هل هذه هي الطفرة الأولى؟

ينتمي فيروس كورونا إلى عائلة تُعرف بالفيروسات الـ retrovirus التي تحمل RNA (الحمض الريبوزي النووي) بدلًا من الـ DNA، وهي مادة غير مستقرة كيميائيًا وتتغيّر باستمرار بسبب عمليات التناسخ المستمرة التي يقوم بها الفيروس في خلايانا، فالنسخ الجديدة قد لا تكون متطابقة مع النسخة الأصلية وفيها بعض التعديلات، وهذه التعديلات إما تكون صامتة إذا حصلت في مكان من المادة الوراثية لا يُترجم لشيء، أو مؤثرة إذا حصلت في مكامن قابلة للترجمة فنكون أمام فيروس معدّل.

وهذا ما يحصل بالفعل، ففيروس كورونا قد تعدّل لآلاف المرات منذ بداية الجائحة حتى اليوم (وربما قبل ذلك بكثير) وهذه التعديلات معروفة بين علماء الفيروسات وتتابع من قبلهم عن كثب، ولكن لم يجرِ التكلّم أبدًا عن نسخة جديدة من الفيروس، ربما لأنّ هذه التغيّرات بطيئة إذا ما قورن مع زميلٍ له من العائلة نفسها، أي فيروس الانفلونزا الذي يتغيّر بسرعة أكبر بكثير.

لماذا نتكلّم عن نسخة جديدة إذًا؟

بحسب الدراسات الجديدة، والتي لا يتجاوز عمرها الأسبوع الواحد فقط، فلقد تراكم عدد من التعديلات (الطفرات) على منطقة معيّنة من المادة الوراثية مخصّصة لصناعة البروتينات المعروفة بالـ spike protein أو المفاتيح التي يستعملها الفيروس للدخول إلى الخلايا، ما أدى إلى إنتاج فيروسات جديدة (متحوّلة) تحمل بروتينًا معدّلًا قادرًا على فتح الخلايا والولوج إليها بطريقة أفعل من سلفه، ما يعني بالتالي أنّ هذه النسخة أكثر قدرة على الانتشار، وعليه فهذا المتحوّل هو الأصلح للبقاء والتكاثر وسيطغى على سلفه، وقد سميّ هذا المتحوّل بالـ B.1.1.7 لتراكم 17 تعديل عليه وهو المنتشر حالياً في بريطانيا. وتوضح الصورة أدناه مكامن حصول التعديلات التي غيّرت في فعالية البروتينات المفتاحية:

هل الفيروس المتحوّل أشد قتلًا؟

حتى لحظة كتابة هذه السّطور، يمكن القول إن هذه النسخة من الفيروس قادرة على الانتشار بسرعة أكبر ولكنّها لا تشكّل خطورة أعلى، ولا دليل على إصابة الأطفال بشكل أكبر أو تغيُّر التوزّع العمري للإصابات عن النسخة السّابقة من الفيروس، بل بوسعنا القول أنّنا ما زلنا في المنطقة مفسها من حيث الخطر على الحياة حيث يكاد يكون الأطفال في أمان بينما يكون المتقدمون في السّن هم الأكثر عرضة للمضاعفات الخطيرة.

أين لبنان من الإصابات الجديدة؟

لبنان كما كلّ الدول مدعو لاتخاذ إجراءات خاصة بالقادمين من الخارج أقلّه حتى تتوضح صورة المتحوّل الجديد، وتنضج الدراسات أكثر، وعليه فالدعوة لإقفال المطار أو المرافئ بشكل عام قد تبدو ثقيلة على بلدٍ يئنّ من شحّ الموارد، ولكن يمكننا أن نسأل هنا عن أماكن الحجر التي كانت وزارة الصحة تكلّمنا عنها يوميًا منذ آذار/مارس 2020، فهي ضرورية الآن لحجر العائدين الأصحاء أو المرضى لمدة إلزامية كما تفعل معظم حكومات العالم، فالصحة العامة لا يجب أن تكون متروكة لأخلاقيات الناس بل للقوانين أو القرارات الحكومية الملزمة.

هل ما زال اللقاح فعالًا؟

لا تأثير للمتحوّل الجديد على فعالية اللقاحات المنتمية للجيل الثالث المنتجة من قبل: فايزر وبيو أند تيك، موديرنا، أوكسفورد وأسترا زينيكا.

هذه اللقاحات تحتوي على المادة الوراثية الخاصة بالفيروس لا أجزاء من جسم أو بروتينات الفيروس وهي جديدة كلّيًا، وبالتالي التغييرات التي تطرأ على بعض المكامن في المادة الوراثية لا تؤثّر على الكلّ، وعليه لا زال اللقاح المنتمي للجيل الثالث فعالًا ضد الفيروس.

وهنا يجب علينا أن نذكر أنّه حتى لو حصلت تعديلات كبيرة على المادة الوراثية وأصبحنا أمام سلالة جديدة من الفيروس، فإن تعديل مركبات هذه اللقاحات لا يحتاج إلى الكثير من الوقت، طالما أن القوالب جاهزة، وعندها يمكن تبديل الأحرف بطريقة سهلة، أي أننا لسنا أمام صناعة لقاح جديد.

لقاح أي شركة يجب أن نأخذ؟

خُذْ اللقاح المتاح ولا تتردّد أبدًا، ولا تستمع أبدًا لكلّ الرسائل التي ترنّ على هاتفك وتحذّرك من تحوّلك إلى فأر تجارب، فهذه المرحلة انتهت وتمّ تجريبها على مئات آلاف الأشخاص الذين يعيشون الآن بطريقة عادية وطبيعية ولا يدرون بكلّ العوارض التي تتكلّم عنها الناس.

اللقاحات ليست جديدة، فالعمل انطلق خلال الجائحة الأولى عام 2008 مع فيروس السارس، ولكنّه توقّف بسبب اختفاء هذا الفيروس، بالتالي لا أحد يبدأ من الصفر.

الحكومات في العالم وافقت على البدء بحملات التلقيح الكبيرة وعلى مستوى الشعب بشكل عام وهي لن تقوم بإيذاء مواطنيها، فعلى سبيل المثال الصين تقوم الآن بتلقيح جنود جيشها فهل ستخاطر بأغلى ما تمتلك؟ يسري ذلك أيضاً على باقي الدول العظمى!

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  لأستراليا دور يتجدد
فؤاد إبراهيم بزي

كاتب متخصص في المواضيع العلمية

Premium WordPress Themes Download
Premium WordPress Themes Download
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes Free
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  فرنسا تُحذّر لبنان: خطر الموت داهم، أًوقِفُوا المراوغة!