أرمينيا
بدأت الأنباء السيئة في منتصف صيف 2020. عند الحدود بين أذربيجان وأرمينيا، حيث الخلاف المزمن حول ناغورنو قره باخ، بدأت الاشتباكات المسلحة في 12 تموز/يوليو، واستمر تبادل القصف بالمدفعية والهاون حتى نهاية الشهر. في وقت لاحق، أصبح من الواضح أن ما حدث كان مقدمة لحرب واسعة النطاق. استمر القتال من أيلول/سبتمبر إلى تشرين الثاني/نوفمبر، وانتهى بهزيمة أرمينيا.
وإذا كان الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف قد تحول إلى بطل قومي في بلاده، فإن رئيس الوزراء الأرمني نيكول باشينيان، الذي تولى السلطة في العام 2018 بفضل الدعم الشعبي، قد فقد الدعم نفسه بين عشية وضحاها: في شهر تموز/يوليو عام 2020، وصل تصنيف السيد باشينيان، وفقًا لشركة MPG لاستطلاعات الرأي، إلى 85 في المئة. في كانون الأول/ديسمبر، كما لوحظ في الشركة ذاتها، لم تعد شعبيته تتجاوز 30 في المئة.
في ساحة الجمهورية في يريفان، حيث بدا هذا السياسي منذ وقت ليس ببعيد، أشبه بـ”دي جي” يثير نشوة الجماهير بأدائه، طالب المتظاهرون باستقالة رئيس الوزراء.
يمكن للحرب الخاسرة أن تدفن – وعلى الأرجح دفنت بالفعل – الحياة السياسية لنيكول باشينيان. من الصعب تخيل ما يجب عليه فعله للبقاء في الحكم.
في طريقه إلى منصب رئيس الوزراء، وعد باشينيان ببناء “أرمينيا الجديدة” عبر محاربة الفساد، ومنح الاقتصاد “نفساً جديداً وسرعة جديدة”، فضلاً عن رفض “التنازلات غير المعقولة والأحادية الجانب” في تسوية نزاع ناغورنو قره باخ.
في مكافحة الفساد، على سبيل المثال، تم إنجاز شيء ما: وفقاً لمؤشر منظمة الشفافية الدولية، احتلت أرمينيا في العام 2017 المرتبة 107 من بين 180 دولة في العالم من حيث الفساد. في عام 2019 ، تحسن وضعها، اذ احتلت المرتبة 77.
في الوقت ذاته، كان من الملفت للنظر أن نيكول باشينيان أنفق معظم اهتمامه وطاقته على محاربة المعارضين والقادة السابقين للبلاد – روبرت كوتشاريان وسيرج ساركسيان (كلاهما فتحت بحقهما قضايا جنائية). قام رئيس الوزراء بخلط المسؤولين مثل حزمة من البطاقات: تحت قيادته، تم بالفعل استبدال ثلاثة رؤساء من جهاز الأمن الوطني. تمت إقالة وتعيين قادة وقادة شرطة جدد. ضاعف السيد باشينيان أعداءه بلا كلل. بدأ مواجهة مع المحكمة الدستورية على أمل إحداث تغيير في تركيبة القضاة. لكن الجائحة ثم الحرب حالت دون استكمال ما بدأ.
بيلاروسيا
خلال الصيف الماضي، اشتعلت بيلاروسيا أيضاً. مباشرة بعد الانتخابات الرئاسية في 9 آب/ أغسطس وإعلان فوز ألكسندر لوكاشينكو، عمت البلاد احتجاجات غير مسبوقة.
في الواقع، فإنّ السيد لوكاشينكو قام بنفسه بتهيئة الأرضية للاحتجاجات، فسياسته الوبائية – التقليل من خطر الفيروس التاجي وتجنب إجراءات الحجر الصحي – أثارت غضب الناس وخوفهم.
تصاعدت المشاعر أكثر عندما تمّ اعتقال المرشحين الرئاسيين وإبعادهم عن الانتخابات، وذلك في ظل تفاقم الإرهاق العام من الرئيس الدائم الذي قرر تمديد حكمه.
تعاملت قوات الأمن البيلاروسية مع الاحتجاجات بقسوة شديدة. القي القبض على المتظاهرين وتمّ ضربهم وتعذيبهم وقتلهم.
تمكن لوكاشينكو من الاحتفاظ بالسلطة حتى الآن، وذلك بفضل آلة القمع القوية التي بناها. لكن في بيلاروسيا لم ينته كل شيء بعد. ويبدو أن مستوى رفاهية مواطني الجمهورية لن يعود قريباً إلى المستوى القياسي لعام 2014، عندما بلغ الناتج المحلي الإجمالي للفرد، وفقًا للبنك الدولي، 8.3 آلاف دولار بالمعدل الحالي (في عام 2019 – 6.7 آلاف دولار).
مدت موسكو يد العون للجمهورية السوفياتية السابقة في كانون الأول/سبتمبر: خلال اجتماع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وافق السيد لوكاشينكو على قرض روسي لمينسك بقيمة 1.5 مليار دولار.
في السابق، دعمت موسكو في المتوسط 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي البيلاروسي من خلال القروض والحسومات على النفط والأدوات الأخرى. ومع ذلك، في السنوات الأخيرة، كان الكرملين يقلل بشكل منهجي من الدعم.
قرغيزستان
في تشرين الثاني/أكتوبر، أصبحت قيرغيزستان نقطة ساخنة جديدة على خريطة ما بعد الاتحاد السوفياتي. أثارت الانتخابات البرلمانية تفاقم الصراع العشائري وأعمال الشغب التي أصيب فيها أكثر من ألف شخص، واضطر الرئيس سورونباي جينبيكوف إلى الاستقالة.
في موسكو، وصف الوضع آنذاك “بالفوضى”، لكن روسيا لم تتدخل، فقد أصبحت “الثورات” في هذه الجمهورية السوفياتية السابقة أمراً شائعاً، وهو ما أشار إليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حين قال، خلال احدى مؤتمراته الصحافية، إن “هذه القفزة تحدث باستمرار”.
المرة الأولى التي حدثت فيها ثورة في قرغيزستان كانت في العام 2005، وانتهت باستقالة وهروب الرئيس عسكر أكاييف إلى روسيا.
في نيسان/أبريل العام 2010، تمت الإطاحة بكرمان بك باكييف الذي فر إلى بيلاروسيا. إثر ذلك، أجري استفتاء دستوري في البلاد، باتت بعده قرغيزستان جمهورية برلمانية، لكن ذلك لم يحدث أي تغيير يذكر، فقد بات فشل الإصلاح حقيقة راسخة.
في 10 كانون الثاني/يناير، وفقاً لقرار البرلمان القيرغيزي، وإلى جانب الانتخابات الرئاسية، ستشهد الجمهورية السوفياتية السابقة استفتاءً جديداً يهدف إلى تغيير شكل نظام الحكم مرة أخرى.
مع ذلك، لا يبدو أن أحداً قادر على ضمان المزيد من الاستقرار في البلاد. وزير خارجية قيرغيزستان رسلان كازاكباييف أكد في مقابلة مع صحيفة “كوميرسانت” في تشرين الأول/أكتوبر الماضي إن “الحرارة في فترة ما بعد الانتخابات لم تنحسر بعد”، ما يعني أن مخاطر الاحتجاجات باقية.
جورجيا
كانت الانتخابات البرلمانية في جورجيا مضطربة: اتهمت المعارضة الحزب الحاكم (“الحلم الجورجي”) بـ”التزوير الكامل”، وقاطعت الجلسة البرلمانية في كانون الأول/ديسمبر.
لا تزال الأزمة السياسية في الجمهورية السوفياتية السابقة تكتسب مزيداً من الزخم، فقد قرر “الحلم الجورجي” تسديد ضربة صارمة للمتمردين، من خلال قرار يقضي بأن توقف الدولة تمويل الأحزاب التي رفضت المشاركة في الحياة البرلمانية، وكذلك حرمان القوى السياسية التي يترأسها أجانب من حق المشاركة في الانتخابات.
سيضرب هذان المشروعان بشكل أساسي حزب “الحركة الوطنية المتحدة” بقيادة الرئيس الجورجي السابق ميخائيل ساكاشفيلي، الذي وعد سابقاً بـ”تغيير قيادة البلاد سلمياً”.
مولودوفا
في مولدوفا، تعززت صورة الدولة غير المستقرة مرة جديدة. في الانتخابات الرئاسية الأخيرة في تشرين الثاني/نوفمبر، فشل رئيس الدولة الموالي لروسيا إيغور دودون في ضمان إعادة انتخابه لولاية ثانية، وخسر أمام مايا ساندو الموالية للغرب. الأخيرة، التي بالكاد فازت، بدأت بالمطالبة باستقالة الحكومة وإجراء انتخابات نيابية مبكرة، بينما يفعل الخاسر السيد دودون على العكس من ذلك.
في 23 كانون الأول/ديسمبر استقالت الحكومة المولدوفية وتنتظر البلاد الآن حل البرلمان.
النضال من أجل هذا لم ينته بعد. إذا تمكنت السيدة ساندو من شق طريقها، عبر تأمين غالبية برلمانية موالية لها، فستتاح لها فرصة الحصول على السلطة الكاملة (مولدوفا جمهورية برلمانية، وصلاحيات الرئيس محدودة)، وستكون بالتالي قادرة على قيادة الجمهورية السوفياتية السابقة في مسار موالٍ للغرب. بالنظر إلى وجود مناطق موالية لروسيا في مولدوفا مثل غاغاوزيا المتمتعة بالحكم الذاتي وجمهورية ترانسنيستريا غير المعترف بها، يمكن أن تزداد احتمالية الصراع داخل البلد بشكل حاد.
أعلنت الرئيسة الجديدة بالفعل أنها تؤيد انسحاب الجيش الروسي من أراضي منطقة ترانسنيستريا واستبدال قوات حفظ السلام الروسية المتمركزة هناك بمراقبين من منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، ما أثار انتقادات حادة في موسكو.
أوكرانيا
في أوكرانيا، لم تكن هناك ثورات، ولكن العام المنصرم لم يمر من دون خيبات الأمل. الرئيس فولوديمير زيلينسكي يفقد شعبيته بسرعة. أظهر استطلاع أجراه مركز رازومكوف في كانون الأول/ديسمبر أن 42 في المئة عبروا عن “خيبة أملهم” بشكل عام تجاه زيلينسكي.
في الانتخابات الرئاسية للعام 2019، هزم السيد زيلينسكي منافسه بترو بوروشينكو بتأييد 73 في المئة، وأطلق عليه بعض الصحفيين الغربيين حينها لقب “ترامب الأوكراني”، فيما شبّهه آخرون بزعيم حركة “خمس نجوم” الإيطالية بيبي غريللو، وهو أيضاً ممثل كوميدي.
رأى العديد من الأوكرانيين الرئيس الجديد سياسياً من الجيل الجديد. هذه هي الصورة التي قدّم فيها نفسه، متعهداً بـ”هدم” نظام السلطة القديم.
وعد زيلينسكي بتحقيق “النصر على الفساد” وفتح أبواب السجون للفاسدين، ولكن لم يتلق أي من كبار المسؤولين عقوبة سجن حقيقية. أدت الفضيحة المتعلقة بمحاولة فولوديمير زيلينسكي تقويض المحكمة الدستورية إلى تفاقم الوضع. جاء الرئيس الأوكراني بمثل هذه المبادرة في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي بعدما ألغت المحكمة المسؤولية الجنائية عن الإعلان غير الدقيق عن دخل للمسؤولين والنواب. وقال إن حل المحكمة كان من المفترض أن يعيد الثقة في هذه المؤسسة. ولكن حتى بعد شهرين من الفضيحة، ظل القضاة في مناصبهم، ما أظهر أيضًا ضعف السلطات.
أجريت الانتخابات المحلية في أوكرانيا في 25 تشرين الأول/ أكتوبر. حصل حزب “خادم الشعب” الموالي للرئاسة على 17.59 في المئة من الأصوات، أي أقل بكثير مما كان عليه في الانتخابات البرلمانية لعام 2019، والتي على أثرها سيطر “الخدم” على المجلس التشريعي. أظهرت الانتخابات دعماً متزايدًا للقوى التي تدعو إلى توثيق العلاقات مع روسيا، ولا سيما “منصة المعارضة – من أجل الحياة” ، التي احتلت المراكز الثلاثة الأولى في عدد من المجالس المحلية في الشرق والجنوب.
كما كان عدم النجاح في تحقيق السلام في دونباس عاملاً مهماً في تقليل تصنيف “الخدم”، لا سيما أن أحد الوعود الانتخابية الرئيسية لفولوديمير زيلينسكي كان انهاء الحرب في شرق أوكرانيا في غضون عام. قال فولوديمير زيلينسكي لصحيفة “نيويورك تايمز” بعد عام ونصف في السلطة: “يمكن للولايات المتحدة أن تساعد” في حل النزاع.
المدعي العام الأوكراني السابق رسلان ريابوشابكا، الذي انسحب من الفريق الرئاسي، ومن ثم تم فصله في آذار/مارس 2020، اعتبر في مقابلة مع وكالة “بلومبرغ” أن فولوديمير زيلينسكي لم يعد كما كان من قبل: “حدث شيء ما وبدأت آراءه تتغير تدريجياً”، مشيراً إلى أنّ “العام 2020 كان عاماً جديداً من الآمال والفرص الضائعة”.
(*) ترجمة مقالة مشتركة لكل من مارينا كوفالينكو، فلاديمير سولوفييف في “كومرسانت”