كورونا فيروس موسمي.. واللقاح أداة تحصين

يتغيّر ويتحوّر ويتحايل. يمارس أفضل ألاعيبه التي أبقته بيننا منذ فجر الحياة حتى اليوم. كلّما تعرّف عليه جهاز المناعة وحفظ طريقة التعامل معه لبس وجهًا آخر. إنّه الفيروس.

كما كان متوقعًا منذ انطلاقة السّباق بين اللقاح وفيروس كورونا، أن يسبّب الانتشار الواسع للفيروس وتفاعله مع الكثير من الأجسام المختلفة وأجهزة المناعة المتعدّدة وما يستتبع ذلك من تناسخ بمليارات المرات، ظهور طفرات جينية (تغييرات) على المادة الوراثية الأساسية للفيروس، ما سيؤدّي بالتالي لتخفيف نجاعة أو نسبة الحماية المؤمّنة من اللقاحات.

مع تفشي فيروس كورونا المستجد ونظرًا لطبيعة مادته الوراثية mRNA، ردّد خبراء عديدون أنه لن يضرب لمرةٍ واحدةٍ وينتهي، بل سيتحوّل إلى مرض موسمي يُعاود نشاطه مع كلّ تجمّع بشري يستطيع خلاله الانتقال بشكل أسرع بين الأجسام المختلفة، وعليه فالعمل على اللقاحات لن يتوقف أبدًا.

ما سبق لا يدعو للهلع والخوف أبدًا، ولا للقول إنّنا أمام مرضٍ لن تشفى منه البشرية أبدًا، فالكثير من الفيروسات التنفسية التي نتعايش مع وجودها بيننا هي موسمية وأكثرها شهرةً فيروس الانفلونزا الذي يحمل مادة وراثية من نفس طبيعة المادة الموجودة في فيروس كورونا المستجد، وعليه فأصحاب الحاجات الصحيّة منّا يسعون سنويًا للحصول على اللقاح الخاص بهذا الفيروس الذي يحتوي على معلومات تتعلّق بالنسخة الأجدد منه وهذا ما قد نكون أمامه في الأيام القادمة في ما يتعلّق بفيروس كورونا المستجد، وما تقوم به شركة موديرنا تحديداً يوحي بأنّنا أمام لقاح موسمي للفيروس، فهي تدخل التعديلات اللازمة عليه لمكافحة كل المتغيّرات والسلالات الطارئة.

ولكن هذا لا يعني في مطلق الأحوال أنّ اللقاحات الموجودة حاليًا في الأسواق هي من دون فعالية. بالعكس، هي تمتلك فعالية عالية ضد النسخة الآنية من الفيروس، التي تتطور بدورها وتتغيّر، فمنذ بداية العام الجاري سمعنا أقلّه بأربعة بلدان ارتبطت أسماؤها بنسخ جديدة من الفيروس: بريطانيا، جنوب أفريقيا، اليابان ونيجيريا وبعكس ما يجري تداوله على الإعلام من مخاطر متفاوتة فهذا لا يمكن تحديده أبدًا خلال أقل من شهر، ولكن أقلّه يمكن القول بأنّ القدرة على الانتشار الأوسع تتسبّب بعدد أكبر من الإصابات وبالتالي وفيات أكثر بين الأقل صحة أو أصحاب الأمراض المستعصية الظاهرة أو التي تكون خافية حتى على أصحابها.

لذلك، تساهم سرعة التلقيح وتحقيق المناعة المجتمعية، إلى حدّ كبير، في وقف تطوّر الفيروس الذي لن يجد أجسادًا جاهزة لإستقباله تسمح له بالتكاثر بحرية.

ختامًا في هذه النقطة، يمكن القول أنّه بناءً على المتغيّرات السّريعة التي حملتها الأيام السّابقة سنكون أمام لقاح موسمي متجدّد لفيروس كورونا يحمل في كلّ مرّة النسخة الأجدد منه التي ستتواجد بصورة أبطأ من الآن للأسباب السّابقة المذكورة سابقًا ونقصد بها كبح الانتشار المجتمعي ما سوف يجعل من هذا المرض أمرًا يسهل التعامل معه.

ستتأجل عمليات التلقيح الأساسية لوقت ليس بقصير في الدول الفقيرة وخاصة أنّ مشكلة الانتاج قد وقعت فعلًا، فالخطوط لا تستطيع تلبية الطلب المتعاظم، بالإضافة للمشاكل اللوجستية المتعلّقة باللقاحات التي يتطلّب حفظها درجات فائقة البرودة

من أخذ اللقاح، هل يصاب بالفيروس؟

نعم، اللقاح لا يحمي من إنتقال الفيروس من جسد لآخر، بل يساهم في إنشاء ذاكرة مناعية حول كيفية التعامل مع الفيروس وعليه تخفيف العوارض بعد الإصابة بشكل كبير إن لم يكن عدم الشعور بها نهائيًا وهذا ما سيحدّ بشكل كبير من الانتشار المجتمعي كون الفيروس ينتقل بشكل أساسي في الرذاذ الصادر عن المريض بعد السّعال أو العطس (أي عوارض الإصابة). هذا يعني أن الكمامة ستكون سلاحنا الوقائي لسنوات.

ماذا عن الأدوية المضادة للفيروسات؟

حتى الآن، هناك أدوية مضادة للفيروسات، نعم، ولكنّها قليلة جدًا ولا فعالية لها ضد فيروس كورونا المستجد، وكلّ ما قيل عن بعض الأدوية مثل الريمديسيفير والهيدروكسيكلوروكين على أنّها العلاجات السّحرية دحضته الدراسات المقارنة، التي لم تتوقف أبدًا على الكثير من المركبات القديمة لعّلها تحدّ من الانتشار وهناك إحدى التركيبات الآن تحت المجهر بشكل مركّز يبدو أنّها واعدة، تكلّمت الدراسات عنها أنّها استطاعت وقف تدهور صحة المرضى في غرف العناية الفائقة بنسبة 44% وأخرجت 50% من المرضى عن أجهزة التنفس، على أمل أن تصل الأمور إلى خواتيمها (لا نريد الخوض في تسميتها كي لا نكون السّبب في تخزين هذه المادة كما حصل مع سابقاتها ولا سبباً في الترويج، خصوصاً وأن تناول الأدوية يُفضل أن تكون الوصفة الطبية ممره الإلزامي).

أمّا في ما يتعلّق بالمركّب الذي استعمل لعلاج الرئيس الأميركي السّابق دونالد ترامب خلال إصابته بفيروس كورونا، فهو أولًا من المركبات المضادة المصنّعة في جسم الانسان والتي قامت شركات الأدوية باستنساخها وفعلًا حصّلت موافقات من وكالة الأدوية والأغذية في الولايات المتحدة للاستعمال ولكنّها باهظة الثمن حيث كلّفت الجرعة الواحدة منها بريطانيا حوالي الـ 2435 دولاراً أميركياً، ما يجعل هذا النوع من العلاجات بعيدًا عن متناول أيدي عامة الناس، والثمن المرتفع يعود إلى أنّها منتجة بطرق معقدة ولا زالت التكنولوجيا الخاصة بها حكرًا على بعض الشركات.

إقرأ على موقع 180  مبادرة بري تترنح.. والحريري إلى الإعتذار!

بناءً عليه، الأسرع الآن هو اللقاح.

السباق على اللقاحات

انطلق فعلًا سباقٌ غير متكافئ أبدًا بين الدول لتلقيح مواطنيها، فقامت الدول الأوروبية بمعظمها وإسرائيل وكذا الولايات المتحدة باستخدام النفوذ والأموال لشراء الكميات اللازمة من المصانع الموجودة أصلًا على أراضيها ما يعني تاليًا حرمان الدول الفقيرة المعتمدة على قروض البنك الدولي لتمويل شراء اللقاحات من حصتها، كون هذا الأخير لا يموّل شراء لا لقاح سبوتنيك الروسي أو سينوفاك وسينوفارم الصينيين أو اللقاحات المنتجة في الهند، وعليه فستتأجل عمليات التلقيح الأساسية لوقت ليس بقصير في الدول الفقيرة وخاصة أنّ مشكلة الانتاج قد وقعت فعلًا، فالخطوط لا تستطيع تلبية الطلب المتعاظم، بالإضافة للمشاكل اللوجستية المتعلّقة باللقاحات التي يتطلّب حفظها درجات فائقة البرودة.

 

Print Friendly, PDF & Email
فؤاد إبراهيم بزي

كاتب متخصص في المواضيع العلمية

Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes Free
online free course
إقرأ على موقع 180  "فورين بوليسي": طريق نتنياهو إلى الرياض.. مسدود