أية مقارنة بسيطة حول أرقام عمليات التلقيح في العديد من دول العالم ومنها لبنان، تُبين لنا أن لبنان تأخر في حجز مكان له في صفوف الدول التي تنتظر حصتها من اللقاحات العديدة. عملياً، إكتفى لبنان بما قرره نيابة عنه البنك الدولي (لقاح فايزر)، ولولا ذلك، ربما كانت عمليات التلقيح تساوي صفراً. لا ينفي ذلك أن الأرقام المعلنة لمن شملتهم عمليات التلقيح لا تعير بدقة عن الأرقام الحقيقية. ثمة آلاف الحالات التي حصلت على اللقاحات (فايزر أو سينوفارم أو أسترا زينيكا أو سبوتنيك 5)، من خارج المنصة الرسمية لوزارة الصحة اللبنانية، وهو الأمر الذي جعل الوزارة تبادر إلى تحديد آلية لإنضمام هؤلاء إلى سجل من شملتهم حملة التلقيح.
زدْ على ذلك أن الكثير من الإرتجال رافق محاولات فتح الأبواب أمام شراء لقاحات من دول عديدة مثل الولايات المتحدة وروسيا الإتحادية والصين وبريطانيا، وهذا الأمر إن دلّ على شيء، إنما على قدرة “مافيا الدواء” على التحكم بمفاصل هذا القطاع في لبنان، فضلاً عن تداخل الإعتبارات السياسية والصحية، ما جعل اللقاح أسير مقايضات من نوع إشتراط الترخيص لهذا أو ذاك من الشركات (بلا ضوابط للأسعار وبلا معايير صارمة للتلقيح)، وذلك مقابل حصول نافذين في وزارة الصحة على كميات كبيرة من اللقاحات لمصلحة هذه المنطقة أو المدينة.. وذلك في سياق الأوهام الإنتخابية التي تراود بعض القيّمين على “رأس” الحملة، وهذا الأمر له العديد من الشواهد، في إنتظار أن نشهد فصولاً جديدة منه، كلما جرى الحديث عن لقاح يشق طريقه إلى لبنان، كما هي حال “سبوتنيك 5” المرشح لغزو لبنان.
وقد وصلت بعيد منتصف ليل الخميس ـ الجمعة الماضي إلى مطار بيروت الدولي، الدفعة الأولى من لقاح “سبوتنيك-V” الروسي. وقالت ممثلة شركة “فارمالاين” اللبنانية إحدى الشركات المستوردة للقاح الروسي كارول أبو كرم لوكالة “سبوتنيك” خلال استقبال الدفعة الأولى إن “الشحنة الأولى تضم خمسين ألف جرعة، من إجمالي مليون جرعة ستصل إلى لبنان تباعا”. وأشارت إلى أنه تم إطلاق منصة الكترونية (https://vaccine.pharmaline.com.lb) لتسجيل الراغبين من الشركات والجمعيات (وليس من الأفراد) في الحصول على اللقاح الروسي، وأوضحت أبو كرم أن عملية التطعيم الأولى للقاح “سبوتنيك-V” ستتم يوم الثلاثاء المقبل لموظفي شركة طيران الشرق الأوسط.
ومن المقرر أن تصل الدفعة الثانية (100 ألف لقاح) في شهر نيسان/ أبريل المقبل، ثم تتوالى الدفعات وعدد كل منها 200 ألف جرعة كل ستة أسابيع، على أن تكتمل الدفعات (مليون لقاح) في الصيف المقبل، وكشفت شركة “فارمالاين” أن سعر اللقاح (جرعتان) هو 38 دولاراً أميركياً، أي نصف الحد الأدنى للأجر في لبنان.
وقالت ممثلة مجموعة “ماليا” التي تتبع لها شركة “فارمالاين” جنيفر صراف لوكالة “سبوتنيك” إنه بعد وقت قصير من إطلاق المنصة الإلكترونية، تم تسجيل 600 شركة لتلقي ما يزيد على 60 ألف جرعة لقاح حتى الآن.
في هذا السياق، قال رئيس مجموعة الإعمار والإقتصاد الخبير الاقتصادي د. حسن مقلد ان شركة CURE حجزت أربعة ملايين جرعة من لقاح “سبوتنيك 5” (لمليوني شخص) إثر مفاوضات ماراتونية مع الجانب الروسي توّجت بتوقيع عقد التوريد على أن تبدأ الجرعات بالوصول إلى لبنان خلال شهر نيسان/ أبريل المقبل.
شركة CURE حجزت أربعة ملايين جرعة من لقاح “سبوتنيك 5” (لمليوني شخص) إثر مفاوضات ماراتونية مع الجانب الروسي
وفيما أظهرت نتائج الاختبارات المتعلقة بلقاح “سبوتنيك 5” فعالية تتجاوز الـ 90 في المئة وتوالى تزاحم الدول (أكثر من 50 دولة) على تقديم طلبات للحصول على أكثر من 1.2 مليار جرعة منه، أعلنت شركة “أسترا زينيكا” اليوم (الإثنين) أن لقاحها فعال بنسبة 79% ولا يحمل خطر التسبب بجلطات دموية بعد خضوعه لإختبارات في الولايات المتحدة، وسبق هذا الإعلان صدور موقف عن الوكالة الأوروبية للأدوية بأن “أسترا زينيكا” فعال وآمن وغير مرتبط بخطر زيادة حصول جلطات دموية. وسارعت دول أوروبية عديدة إلى إستئناف عمليات التلقيح بواسطة لقاح “أسترا زينيكا” فور صدور موقف الوكالة الأوروبية، وأولها ألمانيا التي كانت علقت التلقيح به، ولحقت بها دول أوروبية عديدة مثل فرنسا وإيطاليا وبلغاريا وسلوفينيا، على أن تليها هذا الأسبوع كل من إسبانيا والبرتغال وهولندا.
يذكر أن لبنان تسلم يوم الأربعاء الماضي 33600 جرعة من لقاح “أسترازينكا” هي الدفعة الأولى، من أصل نصف مليون جرعة ستصل تباعا في الأشهر المقبلة إلى بيروت.
مرصد الأزمة: مجموع الملقحين ما نسبته 2% من الهدف المنشود لتحقيق المناعة المجتمعية والمقدرة بـ 70% من السكان (4.777.809 شخصاً)
وفي بيروت، أعلن “مرصد الأزمة في الجامعة الاميركية”، وهو مبادرة بحثية تهدف الى دراسة تداعيات الازمات المتعددة في لبنان وطرق مقاربتها، ومنها أزمة كورونا أنه “بعد خمسة أسابيع من إنطلاق حملة التلقيح ضد فيروس الكورونا، لا تزال العملية بطيئة جداً نظراً لعدم توفر اللقاحات بشكل كافٍ. ففي تدقيق في التقرير الصادر عن ادارة التفتيش المركزي لعملية التلقيح خلال الشهر الاول، أي للفترة الممتدة بين 14 شباط/ فبراير و14 اذار/ مارس 2021، يظهر ان مجموع المُلقحين عبر المنصة هو 94.141 شخصاً موزعين على 57.248 من الفئة العمرية فوق الـ 75 من العمر و36.893 من العاملين في القطاع الصحي، بالإضافة الى عدد قليل للفئة العمرية تحت الـ 75”.
وبذلك يكون مجموع الملقحين ما نسبته 2% من الهدف المنشود لتحقيق المناعة المجتمعية والمقدرة بـ 70% من السكان (4.777.809 شخصاً). وتظهر احصاءات المنصة الحكومية ان نسبة الملقحين من الفئة العمرية المستهدفة في المرحلة الاولى من حملة التلقيح، اي فوق الـ 75 من العمر، لا يزال بحدود نصف مجموع المسجلين من هذه الفئة (53%)؛ اما تلقيح العاملين في القطاع الطبي والصحي فلم يتعدَ 41% من مجموع المسجلين من هذا القطاع.
ويشير المرصد إلى أن “كل هذا التباطؤ يوازيه الانتشار الواسع للفيروس حيث سُجل في الفترة الممتدة بين 14 شباط/ فبراير و14 اذار/ مارس 81.456 حالة كورونا جديدة بالإضافة الى 1419 حالة وفاة في الفترة عينها، مع استمرار الاشغال المرتفع لغرف العناية المركزة والذي ما برح يتراوح بين 920 و940 حالة خلال الاربعة اسابيع الماضية”.
ويرى “المرصد” أننا في “سباق خاسر مع الفيروس”، ويؤكد أنه مع الانتقال اليوم (الإثنين) الى المرحلة الرابعة من اعادة فتح قطاعات جديدة، وهي ستكون كفتح شبه كامل للبلد، وفي ظل الانتشار الواسع للفيروس مع توقع ارتفاع اعداد الاصابات، “ينبغي اعادة التفكير بطريقة ادارة عملية التلقيح والانتقال السريع من منهجية التنفيذ المباشر للعملية عبر وزارة الصحة العامة الى نهج جديد ومختلف “ينظم” التلقيح (Regulation) حيث تضع الوزارة النظم والاجراءات والمعايير المطلوبة للقطاعين الخاص والاهلي لاستيراد اللقاحات والقيام بالتطعيم مع التشديد على استخدام المنصة الرسمية للتسجيل وتشبيكها مع العيادات الخاصة والمراكز الصحية لضمان الشفافية المطلوبة، مع المتابعة والمراقبة الحثيثة للعملية”.
ودعا “المرصد” وزارة الصحة “إلى وضع سقوف للأسعار والتعرفة، بحيث لا يصبح اللقاح في متناول الميسورين وهم اصبحوا قلة في ظل الازمة الاقتصادية العميقة حيث من المتوقع أن يكون سعر احد انواع اللقاحات بالدولار الاميركي يوازي نصف الحد الادنى للأجور، من دون احتساب تعرفة الطبيب وكلفة الابرة. وهنا على وزارة الصحة العامة متابعة تأمين اللقاحات للمواطنين والمقيمين الذين لا قدرة لهم على شرائه”.
وختم “المرصد” تقريره الأسبوعي بالقول “ان لم يحدث هذا التغيير العاجل في نهج ادارة عملية التلقيح لتسريع الوتيرة بشكل كبير، فنحن قادمون على مرحلة خطيرة من انتشار الفيروس وسنوات طويلة حتى الوصول الى المناعة المجتمعية” (المصادر: 180 بوست، وكالة سبوتنيك، وكالة الصحافة الفرنسية، مرصد الأزمة في الجامعة الأميركية في بيروت).