يطرح مقال TIMOTHY MCLAUGHLIN الكاتب في The Atlantic، المعنون بـ“ China Is the Myanmar Coup’s Biggest Loser” العديد من المعلومات الجيدة حول السردية الغربية التي تقول أن الصين هي أكبر مستفيد من انقلاب ميانمار، مستندين إلى تاريخ مِن العلاقات الودية الصينية مع المجلس العسكري السابق لعقود من الزمان. في هذه الأثناء، يتناسون أن الدول الغربية قطعت الاتصال وفرضت عقوبات اقتصادية شديدة، ومولت الإضطرابات في الدولة الميانمارية، أي لم يكن أمام ميانمار سوى “الصين”، أكبر جارة لها. لكن، عندما بدأ جنرالات ميانمار في فتح البلاد بحذر قبل عقد من الزمان، وتدفق الدعم الثابت إلى زعيمة المعارضة أونغ سان سو تشي الحائزة على جائزة نوبل، أدت هذه الخطوة إلى اندفاع الشركات الأجنبية الجديدة، المتحمسة للانتقال إلى سوق كان مغلقاً منذ فترة طويلة، فضلاً عن العلاقات الديبلوماسية المتجددة بالغرب. وكان يبدو أن احتكار الصين شبه الكامل لميانمار قد انتهى.
وهكذا، فإن عودة الجيش إلى السلطة في ميانمار، كما يبدو للغرب، سيكون موضع ترحيب من الصين، ويسعدها أن ترى نفسها مرة أخرى على أنها أقوى حليف لميانمار. وبالقياس على الماضي، تتوفر ظروف التقارب الصيني – الميانماري حيث فرضت الولايات المتحدة بالفعل عقوبات محددة الهدف ردًا على الانقلاب، وكذلك فعلت كندا وبريطانيا. وهكذا ميانمار دولة منبوذة مرة أخرى، ويجب أن تكون بكين أكثر حرية في متابعة أجندتها مع قيادة تبدو مستعدة للتخلي عن مخاوف وشكوك سكانها، وبالقوة إذا لزم الأمر. وسوف تتلاشى المنافسة التجارية مرة أخرى، فكلما أصبحت ميانمار أكثر عزلة، كان ذلك أفضل للاستغلال الصيني.
وخلال أكثر من عقدين، شهدت دولة ميانمار تدهوراً للأوضاع الاقتصادية، وحملات عسكرية مروعة، وانتفاضة أعقبتها حملة قمع أخرى، وإعصاراً مدمراً، لكن ظلت الصين أقوى داعم للمجلس العسكري. بعد ذلك، مدفوعًا جزئيًا بالحذر من هيمنة الصين، بدأ الجيش إعادة دخول محسوبة إلى العالم الأوسع. أدرك الجنرالات أنه “كلما زاد عزلهم ، زاد اعتمادهم [على الصين] وكلما زاد تأثير الصين على بلادهم”.
عندما فاز حزب سو تشي بأغلبية ساحقة، اتضح أن الصين يمكن أن تعمل بشكل جيد للغاية مع حكومة الرابطة الوطنية من أجل الديموقراطية، وربما أفضل حتى من العمل مع الحكومة العسكرية. تحولت رمز الديمقراطية الغربية سو تشي إلى حليف غير متوقع للحزب الشيوعي الصيني
بحذر، بدأت الصين في التكيف، كما يشير يانغ هولان، وهو دبلوماسي وأصبح سفيرًا للصين في ميانمار في عام 2013، ففي ذلك العام، تبنت الشركات الصينية في ميانمار شعار “افعل أكثر، وتحدث أقل”، وهو ما أثار غضب الكثيرين مِن المواطنين. بدأت بكين، التي ربما شعرت أن شعبية سو تشي الهائلة ستترجم إلى فوز في الانتخابات بعد عامين، بمغازلة أعضاء حزبها حيث دعت مسؤولي الرابطة الوطنية من أجل الديموقراطية للقيام (حزب سو تشي) بجولات على مستوى البلاد. وأجرت بكين أيضًا توعية عامة، معظمها حول مشاريع مثيرة للجدل للغاية، وعلى الرغم من أنها ليست دائمًا الأكثر تطورًا أو نجاحًا، إلا أن هذه الجهود كانت بمثابة تغيير في التكتيكات. وعندما فاز حزب سو تشي بأغلبية ساحقة، اتضح أن الصين يمكن أن تعمل بشكل جيد للغاية مع حكومة الرابطة الوطنية من أجل الديموقراطية، وربما أفضل حتى من العمل مع الحكومة العسكرية. تحولت رمز الديمقراطية الغربية سو تشي إلى حليف غير متوقع للحزب الشيوعي الصيني.[2]
المفارقة أن حماسة الرابطة الوطنية من أجل الديموقراطية للتعاون مع الصين لم تقابلها حماسة من المجلس العسكري. وبرغم أن الصين هي أكبر مورد للأسلحة إلى ميانمار، إلا أن الجيش يشتبه في تورط بكين في العديد من النزاعات الداخلية في البلاد. هذه القضية شخصية بشكل خاص بالنسبة لمين أونغ هلاينغ، زعيم المجلس العسكري والقائد العام للقوات المسلحة في ميانمار، الذي قاد في عام 2009 القوات على طول الحدود الصينية ضد مجموعة متمردة من أقلية عرقية صينية، مما دفع عشرات الآلاف عبر الحدود إلى الصين، لكن، عاد زعيم المجموعة إلى الظهور بعد خمس سنوات في صحيفة جلوبال تايمز الصينية الحكومية، مما أثار تكهنات بأن بكين توفر ملاذاً له ولقواته، الذين شنوا هجمات جديدة ضد ميانمار.
استاء مين أونغ هلاينغ من دور الصين في المنظمات المسلحة العرقية في ميانمار. وتم وصفه بأنه لم يكن ودودًا ابدًا مع الصين، حيث تمتد الشكوك إلى أبعد من مجرد رأي شخصي لجنرال عسكري واحد، بل اعترض جنرالات الجيش العام الماضي إلى الزعيم الصيني شي جين بينغ بشأن تمويل الصين للجماعات المتمردة، وهو الاتهام الذي نفاه شي.
ومع ذلك، هناك نقاط اتفاق، بين الصين والمجلس العسكري لكن برعاية سو تشي، وذلك عندما كانت ميانمار تتلقى انتقادات شديدة من دول أخرى بشأن معاملتها لأقلية الروهينجا في ولاية راخين. فقد دعمت الصين رواية الزعيمة الميانمارية والتي اعتبرت بأن المزاعم مبالغ فيها وأن السلطات كانت تستجيب لها، كونها تهديد إرهابي (على الرغم من الأدلة الدامغة على عكس ذلك). قالت سو تشي خلال رحلة إلى الصين في عام 2017: “ميانمار تقدر تفهم الصين لقضية راخين، وهي قضية معقدة وحساسة”. وقفت بكين، إلى جانب ميانمار في الأمم المتحدة، لكن موقف سو تشي جعل الولايات المتحدة تتردد في إعلان أن أزمة الروهينجا إبادة جماعية خوفًا من دفع متزايد لميانمار نحو الصين.
هذا الافتقار إلى “الحكم الأخلاقي”، مِن قبل سو تشي أتاح لبكين انفتاحًا اقتصاديًا. في آذار/ مارس 2018، شهدت غرفة الاجتماعات في فندق فخم في يانغون إجتماعا لـــ 80 من رجال الأعمال الغربيين والمحليين والسيدات المهتمين بسمعة ميانمار الدولية ومناخها الاقتصادي، حيث حثت الرابطة الوطنية من أجل الديموقراطية الحضور مِن أجل الخروج للعالم وإخبارهم بالقصة الإيجابية عن ميانمار لتعزيز صورة البلاد.
وكان من بين الحاضرين هنري تون، الذي تعمل شركته على نطاق واسع في قطاع الطاقة في البلاد. وفي وقت لاحق، أعلن تون أنه في اجتماعات مع كبار المسؤولين وأعضاء الرابطة الوطنية من أجل الديموقراطية، تم تشجيعه على متابعة الصفقات مع الشركات الصينية، بدلاً من الشركات الأوروبية أو الأمريكية. وأوضح المسؤولون أن الصفقات المبرمة مع الشركات الغربية يمكن أن تنهار إذا تعرضت الشركات للفزع من العقوبات أو التهديد بها. وقال إن وجهة النظر هي أن “الضامن الوحيد الذي يلجأ إليه هو الصين”.[3]
وقعت حكومة سو تشي “الديموقراطية” في ذلك الوقت عقودًا “شديدة السرية” [4]لعشرات المشاريع كجزء من الممر الاقتصادي بين الصين وميانمار، وهي خطة اتصال كبيرة تهدف إلى ربط الصين بالنقاط الاستراتيجية عبر ميانمار. وهذه المشاريع، التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، تواجه الآن تأخيرات على الأرجح مع احتجاجات وحركات عصيان مدني في البلاد تهدف إلى تعطيل العمليات والخدمات الحكومية. وتبرز التوترات والفرص بين ميانمار والصين بشكل خاص في ولاية كاشين، حيث يسود قطع الأشجار وتعدين اليشم بدرجات متفاوتة من الشرعية وتنتشر الغنائم عبر الحدود. تسبب نزاع حدودي مع الصين في الآونة الأخيرة والتوسع المستمر في مزارع الموز التي تديرها الشركات الصينية في إثارة الذعر. وشعر الكثيرون في كاتشين أن حكومة سو تشي “تبيع البلد بأكمله” للصين.[5]
حتى بعد الإنقلاب، تشير ساندار مين، عضو الرابطة الوطنية من أجل الديموقراطية، التي أمضت ثلاثة أشهر في الصين تدرس مبادرة الحزام والطريق، وهي الآن عضو في الحكومة الموازية التي شكلها الحزب في أعقاب الانقلاب، أن بكين يجب أن تعترف فقط بالحكومة المنتخبة التي تمت الإطاحة بها. وقالت إن الصين وميانمار “لا يمكنهما الهروب من بعضهما البعض، لذا إذا كانت الصين جارة جيدة حقًا، فقد حان الوقت الآن لإثبات ذلك”، مما يثير مرة أخرى تساؤلات حول حركة الجيش هل هي ضد أم مع بكين؟
[1] https://www.theatlantic.com/international/archive/2021/02/what-myanmars-coup-means-china/618101/
[2] https://www.theatlantic.com/international/archive/2021/02/what-myanmars-coup-means-china/618101/
[3] https://www.theatlantic.com/international/archive/2021/02/what-myanmars-coup-means-china/618101/
[4] https://www.theatlantic.com/international/archive/2021/02/what-myanmars-coup-means-china/618101/
[5] https://www.theatlantic.com/international/archive/2021/02/what-myanmars-coup-means-china/618101/