إحياء الإتفاق النووي.. بين واقعيّة رئيسي وجاهزيّة بايدن
Iranian presidential candidate Ebrahim Raisi looks on during a campaign rally in the capital Tehran on April 29, 2017. (Photo by ATTA KENARE / AFP)

الكلمة المفتاح للتسوية بين إيران وأميركا، تتويجاً للمفاوضات النووية في فيينا، هي الآن بيد المؤسسة الدينية الحاكمة في طهران؛ فقد استقر تنافس مراكز القوى في إيران على دفع رجل النظام ابراهيم رئيسي إلى رأس السلطة التنفيذية، ليلاقي بإدارته الواقعية ملفات السياسة الخارجية، جاهزيّة الرئيس الأميركي جو بايدن لعقد تفاهمات تلبّي مصالح وحاجات الطرفين في الشرق الأوسط.

بات مرجحاً أن تفضي المفاوضات بين إيران والقوى الكبرى الست، إلى إعادة تفعيل “خطة العمل المشترك الشاملة” أو الاتفاق النووي الذي رأى النور في عام 2015 في خضمّ محاولة لوضع ضوابط دولية للبرنامج النووي الإيراني؛ وذلك تزامناً مع رفع الحظر الأميركي على إيران، أو على الأقل إزالة العقوبات الأشد فتكاً بالاقتصاد والمالية الإيرانيّين، وإيجاد آليات اختباريّة للتعاون والتنسيق في مقاربة الأزمات الإقليمية، بعيداً عن البحث في مشروع الدفاع الصاروخي الإيراني.

الشروط والضمانات

إذا صحّت هذه الفرضية، فإنّ لعبة “الغموض البنّاء” التي خيّمت على الديبلوماسية النووية في فيينا حتى الآن، تكون قد استهلكت وظيفتها مضافاً إليها سردية الشروط والشروط المضادة. وليس سراً أن الإدارة الأميركية الجديدة راهنت على العودة إلى الاتفاق النووي بشروطٍ جديدة تشمل مشروع طهران الخاص بالصواريخ الباليستية فضلاً عن نفوذها الإقليمي الذي يتصل بالموضوع الفلسطيني وتالياً بالأمن الإسرائيلي.

في المقابل، اعتبر الجانب الإيراني القادم إلى طاولة المفاوضات مزوّداً بقيمة استراتيجية مضافة منحته إيّاها اتفاقية التعاون الاستراتيجي مع الصين، أن ديبلوماسية بايدن التي يُشغلها تجاوز إيران سقف الاتفاق النووي عبر رفع درجة التخصيب إلى 60%، ليس أمامها سوى فرصة واحدة لإنقاذ الاتفاق الذي تحوم حوله هواجس تخطي العتبة السلمية: إلغاء جميع العقوبات الاقتصادية والمالية المفروضة على إيران من دون قيد أو شرط.

وتعني ترجمة الشروط الغربية التي يُفترض أن تلقى تحفظات صينية وروسية، ومنها طلب الحصول على ضمانات إيرانية للتأكد من إعادة البرنامج النووي إلى ما كان عليه في الثامن من أيار/ مايو 2018 (عندما تنصّل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من اتفاق 5+1)، الحد من ديناميّة السياسة الإيرانيّة وفصلها عن المحيط الإقليمي بحيث يسهل ضبط قدرتها المستقلة على التأثير في التوازنات والأجندة الدولية. وهنا تأتي أهمية التقاطع الإيراني مع روسيا والصين اللتين تعانيان وطأة النزوع الأميركي إلى التشدد في تطبيق سياسات الاحتواء وفرض العقوبات بحجة العمل للحفاظ على مبادئ الديموقراطية وحقوق الإنسان، فضلاً عن أهمية المحادثات السعودية – الإيرانية الموازية لمفاوضات فيينا، في الجهود الرامية إلى توفير بيئة إقليمية وفاقيّة تنزع من إسرائيل ومجموعات الضغط الصهيونية ورقة التهويل بـ”الخطر الإيراني”.

عقيدة بايدن

ويمكن القول في ظل أجواء “الحرب الهجينة” التي تشنّها الإدارة الأميركية الجديدة ضد الصين وروسيا، أن مفاوضات فيينا هي مثابة كشّاف لمدى نجاح محاولة بناء عقيدة توازن استراتيجيّة “أميركا أوّلاً” المتّبعة في عهد دونالد ترامب، وفيها مجموعة من الالتزامات القوية إزاء الحلفاء الأطلسيين وقوى آسيوية مثل الهند واليابان وأوستراليا، وذلك لتوسيع جبهة التحالف في مواجهة الصين وروسيا. وقد استدعى هذا التوجه الأميركي، العودة إلى اتفاقية باريس حول التغيير المناخيّ، وتقديم تطمينات إلى الشركاء في حلف شمال الأطلسي لتعويض الأضرار الكبيرة التي تسبّبت بها سياسات ترامب. أمّا الاندفاع نحو التعامل مع صعود الصين على المسرح الدولي بوصفه التهديد الرئيسي للتفوق الأميركي، فإنّه يتطلب، إلى التحول في العلاقة بالهند (وبالتالي المخاطرة بخسارة باكستان بعد الانسحاب من أفغانستان)، العمل لرفع مستوى الشراكة الأمنية مع اليابان والهند، وهي الحلقة الأقوى في استراتيجية الرئيس جو بايدن لاحتواء “التهديد الصيني”.

سياسة بايدن إزاء الشرق الأوسط وإيران، تواجه تحدي التوصل إلى اتفاق مع إيران بعيداً عن البحث في مسألة الصواريخ الباليستيّة، ولكن من دون إغلاق الباب أمام حوار استراتيجي حول النفوذ الإيراني الإقليمي المرتبط بأحزاب وقوى ناشطة في لبنان وسوريا والعراق وفلسطين واليمن

وإلى ذلك، فإنّ سياسة بايدن إزاء الشرق الأوسط وإيران، تواجه تحدياً مزدوجاً: في الوجه الأول التوصل إلى اتفاق مع إيران بعيداً عن البحث في مسألة الصواريخ الباليستيّة، ولكن من دون إغلاق الباب أمام حوار استراتيجي حول النفوذ الإيراني الإقليمي المرتبط بأحزاب وقوى ناشطة في لبنان وسوريا والعراق وفلسطين واليمن. ويبدو أن المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، شرعتا في البناء على هذا التوجه الأميركي المتسارع، وتعملان لتطوير قنوات اتصال موازية مع النظام الإيراني للتعامل مع أي تصعيد إقليمي، وسعياً إلى إيجاد إطار ناظم لتسوية الخلافات. وينأى هذا السلوك العربي عن التركيز الإسرائيلي على تخريب الديبلوماسية النووية بوسائل متعددة.

الوجه الثاني للتحدّي يتعلّق بفك الارتباط الأميركي بأولوية الشرق الأوسط في السياسة الخارجية، وتقليص التزامات واشنطن التقليدية في المنطقة، وذلك لمصلحة الاستدارة نحو أولوية المواجهة مع الصين. وفي هذه الحالة، لن يتأخر الحضور الصيني المتزايد في الشرق الأوسط، عن ملء الفراغ الناشئ عن الانسحاب الأميركي، لا سيما وأن الحاجات الصينية في حقل الطاقة من شأنها أن توفر لإيران السيولة النقدية الضرورية لكسر الحصار الأميركي، إضافة إلى استعداد الصين لتلبية مبيعات التسلّح الخليجية. ويمثّل موضوع مبيعات السلاح والتجهيزات العسكرية للسعودية ودولة الإمارات اختباراً حساساً لبراغماتية إدارة بايدن لجهة تجاوز الالتزام المعلن بقضية حقوق الإنسان والديموقراطية في السعودية.

إقرأ على موقع 180  خمسة أيام في بيجينغ 

الشرق الأوسط

ليس خافياً على أحد، أن توجّهات الإدارة الديموقراطية في واشنطن، تتعارض مع العديد من الخطوات التي أقدم عليها الرئيس ترامب في حقل السياسة الخارجية، لكن هذه الإدارة تلاحظ أن ثمّة مكتسبات عسكرية واقتصادية تحقّقت في مواجهة الصين وإيران بفعل العقوبات، ويمكن أن تُستخدم فعلاً الآن من أجل الحفاظ على آليات الردع والتفوق.

في الوقت نفسه، تُدرك إدارة بايدن أن ثمّة تحالفاً يتشكّل أمام عينيها بين الصين وروسيا باعتبارهما القطبين الناشطين في معارضة أجندة “تحالف الديموقراطيات” الرامية إلى احتواء موسكو وبكين في آنٍ معاً. وأكثر ما يقلقها في هذا المشهد، هو التصميم لدى روسيا والصين على التقدم لملء الفراغ في الشرق الأوسط. والمفارقة الصارخة أن الخصمين الصيني والروسي يفرضان حضوراً قوياً في حقل الديبلوماسية النووية لكونهما شريكين أساسيّين في معادلة 5+1، وأن من شأن نفوذهما في الشرق الأوسط أن يتوسّع في حال تصعيد الضغوط على إيران في لعبة التنافس بين القوى الكبرى.

Print Friendly, PDF & Email
ميشال نوفل

كاتب وصحافي لبناني

Download Nulled WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
free online course
إقرأ على موقع 180  شحذ سيوف في المنطقة.. وحفلة عناد في لبنان