جدعون ليفي: إسرائيل ترتكب “محرقة” بتجويع الفلسطينيين
Palestinians wait to receive food from a charity kitchen, amid a hunger crisis, in Gaza City, July 23, 2025. REUTERS/Mahmoud Issa TPX IMAGES OF THE DAY

Avatar18025/07/2025
إسرائيل تستخدم التجويع كسلاح، وتُشرّعه، لأنه وسيلتها- إلى جانب الغارات الجوية والبرّية والحصار- لتنفيذ مشروع التطهير العرقي بحق الفلسطينيين في غزة. وهدفها تحويل القطاع إلى مكان غير صالح للحياة، تمهيداً لتسفير أهله. إسرائيل تُعيد صور المحرقة، بحسب ما يقوله جدعون ليفي في صحيفة "هآرتس" (*).  

تسير خطة إسرائيل، “تطهير قطاع غزة عرقياً”، على قدم وساق، وربما أفضل بكثير مما كان متوقعاً. ومؤخراً، أُضيفَ إلى الإنجازات الكبيرة التي حقّقها الجيش الإسرائيلي حتى الآن، بالقتل والتدمير المُمنهج، إنجازٌ آخر تعتبره إسرائيل مهماً، وهو: التجويع الذي بدأ يُؤتى ثماره.

المجاعة تفتك بعموم سكان قطاع غزة، وتنتشر بسرعة، وتحصدُ أرواحاً بأعدادٍ لا تقلّ عن أعداد الذين يُقتلون بالقصف. ومَن لا يُقتل في طابور الحصول على حصة طعام، هناك احتمال كبير لأن يموت مُجَوعاً.

يثبت سلاح التجويع فعاليته حتى فيما يتعلق بمؤسسة GHF، “مؤسسة غزة الإنسانية”، التي تُقدم نفسها على أنها قصة نجاح. هناك المئات من الفلسطينيين الذي قُتلوا عمداً بالرصاص أثناء انتظارهم للحصول على مساعدات توزعها هذه المؤسسة. ليس هذا فحسب، بل وهناك أيضاً مَن لم يتمكنوا من الوصول إلي أية مساعدات، فماتوا مُجَوَعين – معظمهم من الأطفال والرضّع. بالأمس فقط، مات عشرة أشخاص بسبب التجويع (و15 شخصاً في اليوم الذي سبقه)، بينهم ثلاثة أطفال ورضيع عمره ستة أسابيع. ومنذ بداية الحرب، بلغ عدد الوفيات بسبب التجويع 111 شخصاً، بينهم 80 طفلاً. والأعداد في تصاعُد يومي.

صور من الجحيم

إن الصور التي يخفيها عنكم الإعلام الإسرائيلي المُجرم؛ الإعلام الذي لن تُغفَر له قط تغطيته الفاضحة للحرب على غزة؛ يشاهدها العالم أجمع، لأن الجرائم تُرتكب أمام أعين العالم وعلى الهواء مباشرة. إنها صوَر لمسلمين، صوَر من المحرقة، وإخفاؤها يُعتبر إنكاراً لها: صور لأطفال رُضّع يعانون من التجويع والأمراض، وقد صارت أجسادهم هياكل عظمية، وعظامهم بارزة من تحت جلدهم. وصور لأطفال فارقوا الحياة  بعد أن فارقت أجسادهم الدهون والعضلات، وبقيت أفواههم مفتوحة على اتساعها، وعيونهم مسمّرة بنظرات جامدة.

إنهم يرقدون على أرضيات المستشفيات، وعلى أسرّة عارية، أو يُنقلون على عربات تجرها الحمير. هذه الصور آتية من الجحيم. وكثيرون في إسرائيل ينكرونها، أو يشكّكون في صحتها. وهناك من يفرح ويتفاخر برؤيتها، كما يفرح ويتفاخر بمشاهدة طفل يجوَّع. نعم، لقد وصلنا إلى هذه المرحلة.

أن يتحوُّل التجويع إلى سلاحٍ شرعي ومقبول لدى الإسرائيليين – سواء أكان بدعم علني، أو بلامبالاة قاتلة – هو المرحلة الأكثر شيطنةً في هذه الحرب التي تشنُها إسرائيل على غزة، وهي أيضاً أكثر مرحلة لا يمكن تبريرها بأيّ ذريعة، ولا يمكن تفسيرها بأي شكل من الأشكال. حتى وسائل الدعاية الإسرائيلية، التي لا حدود لها، تعجز عن التعليق على ما يجري.

التجويع زاد الحرب على غزة فظاعةً ورعباً وإجراماً.. والأسوأ من التجويع هو اللامبالاة المنتشرة بين الإسرائيليين

يجب علينا أن نتقبل حقيقة أن التجويع بات سلاحاً مشروعاً، وبأنه وسيلة أُخرى لتحقيق مشروع التطهير العرقي. مطلوبٌ منّا أن نستوعب الأمر، والنظر إلى كيف تسير الحرب من خلال هذا التفسير. ومثلما تستفيد إسرائيل من مقتل عشرات الآلاف بنيران طائراتها الحربية ودباباتها ومدفعياتها، هي أيضاً تستفيد من موت المئات تجويعاً. فبهذه الطريقة فقط يمكن تحويل غزة إلى مكان غير صالح للحياة. وبهذه الطريقة هي تريد أن توصل أهالي غزة إلى مرحلة يختارون فيها مغادرة القطاع “طوعاً”- أي تسفيرهم أولاً، إلى “المدينة الإنسانية”، ومن هناك إلى ليبيا، أو إلى جهة مجهولة.

تجويع مليوني إنسان

الآن، بات التجويع يفتك بالجميع؛ الصحافيون الفلسطينيون في غزة، الذين لم يُقتلوا بعد على يد الجيش الإسرائيلي، يقولون إنهم لم يضعوا شيئاً في أفواههم منذ يومين وأكثر. حتى الأطباء الأجانب يتحدثون عن طعامٍ تناولوه بالأمس – أو بالأحرى عن طعامٍ لم يتناولوه. قالت طبيبة كندية، تعمل في مستشفى “ناصر”، إنها، وطوال اليومين الماضيين، لم تتناول غيرقليل من العدس. وإنها لن تقوى على معالجة الجرحى والمرضى إذا بقيت على هذا الحال. ويبدو أن هذا الوضع أيضاً يناسب إسرائيل.

أمس، رافق فريق من قناة “الجزيرة” شاباً خرج للبحث عن طحين لأطفاله. بحث الشاب طويلاً، وأخيراً وجد كشكاً يبيع كيسَين من الطحين الإسرائيلي وزجاجة زيت. لكن ثمن الكيس الواحد مئات الشواكل. فعاد إلى حيث أتى، يداه فارغتان، وليس لديه أي شيء يمكن أن يسُدَّ به رمق جوع أطفاله، الذين باتوا في المرحلة الثانية من التجويع. وكما شرح فريق “الجزيرة” في الاستوديو، إذا دخل هؤلاء الأطفال في المرحلة الثالثة فيعني ذلك الموت المحتم.

سلاح التجويع جعل هذه الحرب الأكثر رعباً في تاريخ حروب إسرائيل، لا بل إنها الأكثر إجراماً أيضاً. لم يسبق لنا أن جوّعنا مليونَي إنسان بهذا الشكل. وما هو أسوأ من هذا التجويع: اللامبالاة المنتشرة بين الإسرائيليين. ففي اللحظة التي كان الطفل يوسف الصفدي، ابن الأسابيع الستة، يلفظ أنفاسه الأخيرة – لأن عائلته لم تتمكن من إيجاد بديل عن حليب الأم – كانت القناة 12- وعلى بُعد ساعة ونصف فقط بالسيارة- تبثُ برنامج “المطبخ الرابح”، وكانت نِسب المشاهدة عالية جداً.

إقرأ على موقع 180  فرنسيس – بايدن.. ولبنان "مرور الكرام"!

(*) المصدر: ترجمة مؤسسة الدراسات الفلسطينية“.

Print Friendly, PDF & Email
Avatar

Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  يائير نتنياهو.. النجم الصاعد إسرائيلياً!