وفاء أبو شقرا, Author at 180Post

bf.jpg

"يقول الكاتب الفرنسي الشهير François de la Rochefoucauld: الشمس والموت لا يمكن التحديق بهما! وربّما كان كاتبنا يعني بالشمس، الملك لويس الرابع عشر الملقَّب بـ"ملك الشمس" (والذي عاصره Rochefoucauld). أستذكر قوله اليوم، لأنّني أرى أنّه ينطبق كثيراً على حال الصحافيّين الاستقصائيّين الذين يُصرّون على التحديق في الشمس، عندما يقارعون السلطة. وعلى التحديق في الموت، عندما يَلِجون الأخطار".

one.jpg

في 2015، أشرفتُ على مشروع تخرّجٍ لأحد طلاّبي. كان فيلماً وثائقيّاً عن السجون السوريّة. ما زلتُ أذكر، كم عانت طالبتي وهي تتقصّى عن الموضوع. كادت تُصاب بالاكتئاب. كيف لا، وأحد أساتذة اللجنة الفاحصة لم يتمكّن من رؤية المَشاهد التي كانت تُعيد تمثيل عمليّات تعذيب السجناء. "لا أعرفُ يا دكتورة أيَّ عنوانٍ أختار"؛ فأجبتُها: "الداخل مفقود والخارج مولود".

wafaa.jpg

في العاشرة والنصف صباحاً، رنّ هاتفي. عندما لمحتُ الرقم على الشاشة، سرى الرعب في أوصالي. ماذا تريد تمارا في هذه الساعة، والمفترض أن تكون أثناءها في الصفّ؟! "ماما إنْتُو بالبيت؟". سألتني مُستفهمةً لتعود وتسأل، عمّا إذا كنّا نستطيع استقبال أهل رفيقها فادي القابعين داخل سيّارتهم في الشارع.

naser.jpg

كانت أولى التغطيات الصحفيّة التي سُمِح لي بـ"خوضها" وحدي، بعد ثلاثة أشهر من التحاقي بإذاعة "صوت الشعب". ومنذ الصباح الباكر، حملتُ مُسجّلي الصغير وقصدتُ مقرّ "لجنة حقوق المرأة" في بيروت. فإلى هناك، كان قد وصل للتوّ، وفدٌ نسائي من بعض دول أوروبا الشرقيّة (الاشتراكيّة سابقاً). جلتُ مع الوفد على أكثر من شخصيّة لبنانيّة. وحَطَطْنا الرحال، ظهراً، في منزل رئيس الحكومة (آنذاك) سليم الحص.

سلايدر.jpeg

في كانون الأوّل/ديسمبر 2009، حُكِم على الصحافيّة الروانديّة فاليري بيميريكي بالسجن المؤبّد. فبعد 15 سنة على إبادة 800 ألف شخص من أقليّة "التوتسي"، ثبّتت المحكمة على بيميريكي تهمة التحريض على القتل. وما زال كثيرون يذكرون صوتها مُلعلعاً في الإذاعة: "لا تقتلوا هذه الصراصير بالعيارات الناريّة، بل قطِّعوهم إرباً بالسيوف والمناجل".

وفاء.jpg

كان نهاراً ربيعيّاً من عام 1988. البلد يغلي على صفيحٍ ساخن. وأذكر، أنّ إذاعة "صوت الشعب" انتدبتني، يومها، لتغطية اللقاءات في دارة رئيس مجلس النواب (آنذاك) حسين الحسيني. فجأة، رأيتُ حرّاس الدارة يهرعون لاستقبال إحدى الشخصيّات. "هذا طلال سلمان"، همس باسمه بعض الصحافيّين المنتظرين (مثلي). "ومَن يكون هذا الرجل؟ نائباً؟"، سألتُهم بسذاجة "الطارئين" على عوالم يجهلونها!

عجوز-عالطريق.jpg

في أيّار/مايو الماضي، دعتني صديقتي إلى بلدة "مشمش" الجُبَيْليّة. في مدخل البلدة الوديعة، تنتصب صورة عملاقة لشابٍ وسيم. سرعان ما تتعرّف إليه. إنّه "جو نون". ذاك المغوار الذي حاول، مع رفاقه العشرة في الدفاع المدني، إطفاء الحريق الذي شبّ في العنبر 12 في مرفأ بيروت. دقائق قليلة، وأطفأ انفجار مروّع حياة "جو" ورفاقه. أشحتُ بنظري عن الصورة حزناً و.. خجلاً.

knowledge___niels_bo_bojesen.jpg

بيروت عاصمة الإعلام العربي للعام 2023. جاء هذا "التكريس" تضامناً مع العاصمة المنكوبة. تعاطفوا معها، لكنّهم غضّوا الطرف عن سقوطها صريعةً، مع كلّ الوطن، في يد عصابات الحُكم ومافياته. وتغنّوا بحرّيّاتها الممنوحة للرأي والتعبير والإعلام، لكنّهم تغاضوا عن الانتهاكات ومسلسلات القمع التي تطال صحافيّيها لتدجينهم. ترهيباً أو ترغيباً.

سلايدر-4.jpg

لا يستطيع أحدٌ في لبنان أن يتولّى أيّ منصبٍ في الإدارة العامّة، ما لم ينجح في اختبارٍ خاصّ. فهو مُلزَم بأن يحوز "شهادة حسن سلوك" من ركنٍ فاعل في السلطة السياسيّة والطائفيّة. شهادة، تقتصر على نيل رضى "هذا الركن" واطمئنانه إلى أنّ الطامح للمنصب، لن ينتهج سياساتٍ أو يتّخذ قراراتٍ يُمكن أن تُهدّد، يوماً، مصالح الركن المذكور.

photo_2023-04-05_12-53-34.jpg

أثناء تطبيقهم مهارة حلّ المشكلات، غالباً ما يسأل الأطفال أسئلة إشكاليّة مهمّة. مثل: "ما الفائدة من تعلّم هذه المهارة ونحن لا نحلّ ولا نربط؟ ولسنا أصحاب قرار؟ لا في أمورنا الشخصيّة البسيطة، ولا في مشكلات العالم المعقّدة". هل يسأل سياسيّو لبنان أنفسهم هكذا أسئلة، يا ترى؟ وماذا عن نوّابنا أبطال مسرحيّة "بيت عنيا" الهزليّة؟