جاء في بيان قرار المجلس الوزاري المصغر أنه تمت الموافقة على وقف إطلاق النار بالإجماع وفق “تصويت كل الجهات الأمنية – رئيس الأركان، ورئيس الشاباك، ورئيس الموساد، ورئيس مجلس الأمن القومي”. إنها محاولة مكشوفة للاختباء خلف إجماع الأطراف المهنية بدلاً من تبرير اعتبارات المستوى السياسي لوقف إطلاق النار. ولهذا علاقة بالتسريبات المقصودة في الأيام الأخيرة عن أن الجيش يضغط على نتنياهو لإنهاء العملية، وأن رئيس الحكومة لا يزال يفكر في ذلك.
لكن الأمر الأساسي جرى الاحتفاظ به من أجل التسريبات التي وصلت بعد دقائق معدودة من انتهاء الجلسة. فقد أفاد مراسل “هآرتس” يهونان ليز بأن أطرافاً شاركت في الجلسة قالت إن المعلومات الاستخباراتية التي زُودت بها العملية كانت “ركيكة” ولم تقدم “أهدافاً تغير الواقع”، بينما فشل سلاح الجو في تدمير شبكة الأنفاق الهجومية التابعه لـ”حماس” و”المترو” الشهير الذي كان إحدى المهمات المركزية للعملية. كما انتقد عدد من الوزراء فشل محاولات اغتيال مسؤولين كبار في “حماس”، واستمرار سقوط الصواريخ على إسرائيل حتى في الليلة الأخيرة من العملية. ونقلت وسائل إعلامية هجوماً شنته الوزيرة ميري ريغيف على رئيس الأركان أفيف كوخافي خلال الجلسة. وقيل إن ريغيف طالبت باستمرار العملية وكوخافي تحفظ عن ذلك (ريغيف أصدرت بيان تكذيب).
مَن يطرح هذه الحجج يعتمد بصورة أساسية على الذاكرة القصيرة للجمهور. أولاً، الادعاءات بشأن عدم وجود أهداف، وصعوبة تنفيذ الاغتيالات، وإطلاق الصواريخ حتى اللحظة الأخيرة، هذه الادعاءات تُطرح في كل عملية مشابهة في القطاع. وهي جزء من القيود المعروفة في المواجهة مع تنظيم مسلح يعمل في منطقة مكتظة بالسكان المدنيين. ثانياً، فقط قبل يومين أو ثلاثة أيام كرر رئيس الحكومة والناطقون بلسانه والمتملقون له الادعاء أن العملية الحالية تختلف عن غيرها، وبقيادة نتنياهو تتحقق إنجازات غير مسبوقة.
لقد صُوِّر كوخافي في أوساط نتنياهو كأعظم قائد يهودي منذ أيام بار كوخبا. كل هذا انتهى أمس عندما كان المطلوب إيجاد كبش فداء جديد بسرعة. هذه المرة المطلوب مرونة نادرة من هؤلاء المنتفعين في تقديمهم الحجج المتغيرة. ونتساءل كيف سيواجهون التحدي هذا الصباح
عندما كان بني غانتس رئيساً للأركان اعتاد التساهل مع نتنياهو في قرارات شبيهة لإنهاء جولة قتال وتحميل الجيش الإسرائيلي المسؤولية. يبدو أن كوخافي، الذي ربما يدرك أكثر الظروف السياسية المعقدة السائدة حالياً، هو أقل استعداداً للتطوع لهذه المهمة. حينها ما العمل من أجل الدفاع عن الصورة المجروحة والمكدومة لرئيس الحكومة كسيّد الأمن، أيضاً عندما يتواصل سقوط الصواريخ؟ يشددون على الاتفاق الكاسح على المستوى المهني ويتعمدون توجيه الافتراءات إلى أداء الجيش.
على ما يبدو النجاحات العملانية للجيش الإسرائيلي في القتال كانت محدودة وهي بالتأكيد لا تتلاءم مع أجواء النشوة التي أشاعها جزء من الجنرالات السابقين في الاستديوهات. “حارس الأسوار” هي عملية أُخرى من سلسلة عمليات محدودة في قطاع غزة، ليس هناك مَن يراهن فعلاً على أنها ستزيل التهديد الأمني الذي يشكله القطاع. لقد كان هناك إحباط قبلها وعلى ما يبدو سيكون هناك إحباط بعدها. لكن محاولة اتهام الجيش بوقف إطلاق النار هو تشويه سخيف للحقائق. العملية انتهت لأن البيت الأبيض نفذ صبره إزاء القصف الإسرائيلي في غزة. وهذا لا علاقة له بمسألة عدد منصات إطلاق الصواريخ التي دُمرت، وعدد المسؤولين الكبار في “حماس” الذين أُزيلوا من قائمة الأهداف.
ينهي نتنياهو العملية، تحديداً كما توقع مسبقاً، بخيبة أمل معينة. فالحريق الأمني الذي تسبب هو نفسه به من خلال الدعم الذي منحه للخطوات الاستفزازية للشرطة في القدس، أحبط مساعي تأليف حكومة التغيير التي سعت لإبعاده عن الحكم. لكن طريقه إلى تأليف حكومة جديدة لا يزال غير ممهّد. صفارة النهاية التي وضعته في حالة تعادُل مخيب للأمل مع “حماس” لا تحسّن مكانته لدى الجمهور. في هذه الأثناء هو يخوض مواجهة مع خصومه السياسيين (وفي مواجهة النيابة العامة) ويشن معركة تراجُع وتأجيل لا معركة هجوم هدفها الانتصار. وأمس انضم إلى خصومه أشخاص كثر.
في ظل كل هذه الاضطرابات هناك جانب مشرق واحد يتعلق بالأبواق. طوال الأسابيع الأخيرة أشادت هذه الأبواق بحكمة وبطولة رئيس الأركان كوخافي الذي أنزل ضربة قاصمة بالخصم الحمساوي برعاية نتنياهو. لقد صُوِّر كوخافي في أوساط نتنياهو كأعظم قائد يهودي منذ أيام بار كوخبا. كل هذا انتهى أمس عندما كان المطلوب إيجاد كبش فداء جديد بسرعة. هذه المرة المطلوب مرونة نادرة من هؤلاء المنتفعين في تقديمهم الحجج المتغيرة. ونتساءل كيف سيواجهون التحدي هذا الصباح”. (المصدر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية).