لماذا تضع نقودك في المصرف؟ أسئلة الحريّة الفردية والعدالة الاجتماعية (2)

في الحلقة الأولى من هذه المقالة، خلصت إلى أننا نعيش في ظل نظام اقتصادي ومالي ونقدي وإجتماعي يؤدي بنا إلى توزيع غير متوازن للثروات؛ وإلى عقلية فردانيّة-عدائية مهيمنة. في هذا الجزء الثاني والأخير، دعوة لأصحاب الرأي، ولا سيما جمهور اليسار، للتفكير بطريقة غير تقليدية في كيفية الخروج من الواقع الإقتصادي والمالي والمعيشي المأزوم في لبنان حالياً.

لا بد من المرور ببعض المفاهيم والمدارس الأساسية حول قضية التوزيع هذه، وبشكل مبسّط طبعا – وربما كاريكاتوري في بعض الأحيان – بهدف إيصال لبّ الأفكار. ففي البداية إذن – المبسّطة: كان “الانفجار الرأسمالي”، الذي كان بدوره نتيجة لتطور المادة المتجلّي في تطور وسائل الإنتاج (حسب كارل ماركس؛ ت. ١٨٨٣). أو، كما حاول أن “يؤوّل” الفيلسوف وعالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر (ت. ١٩٢٠)، كان بالأحرى نتيجة واضحة لنشوء فهم معيّن للبروتستانتية-الكالفينية (راجع كتاب فيبر الشهير: الأخلاقيات البروتستانتية والروحية الرأسمالية).

بالمناسبة، فقد سمح جان كالفين (Jean Calvin؛ ت. ١٥٦٤) بالفائدة (أو “الربا”) في بدايات القرن السادس عشر، في فتوى شهيرة حول هذه القضية (على أن يكون سعر الفائدة منخفضا نسبيا). ومع هذه الفتوى، وخصوصا مع تعميم نظرية القَدريّة البروتستانتية – خصوصا فهم شعبي معيّن لها ضمن الجماعة “الرافضيّة” المسيحية – قامت، على مراحل، وعلى امتداد عقود وقرون من الزمن، طبقة جديدة هي طبقة الرأسماليين. مع التبسيط، يمكن القول، خصوصا مع ماكس فيبر: إنّ الفرديّة (المرتبطة بفهم معيّن للعقيدة القَدرية البروتستانتية بشكل خاص) قد هيمنت على هذه الطبقة الجديدة، التي أمست تجمّع وتركّز الموارد الطبيعية (خصوصا في أميركا المكتشفة حديثا) وعوائد الإنتاج، حولها.

إذن، وبطريقة مبسّطة أيضاً: إنّ نشوء طبقة الرأسماليين – وبالتالي ظاهرة التراكم الرأسمالي – في أوروبا الغربية وأميركا، ترافق – “على الأقل”، لكي لا ندّعي السببية  بتسرّع – مع هيمنة لمنظومة أخلاقية-سلوكية “فرديّة” ذات أصول بروتستانتية-كالفينية على الأرجح (حسب مدرسة ماكس فيبر التي حاولت بذلك نقض نظرية كارل ماركس حول الحتمية التاريخية وتطور وسائل الإنتاج). وبحسب هذه المنظومة الفردية (وقد أمست بطبيعة الحال: “فردانيّة”) التي نشأت إذن على امتداد عقود وقرون من الزّمن، فإنّ مصير الإنسان “فردي” في الدنيا وفي الآخرة (على طريقة: “لا تزر وازرة وزر أخرى” لكن من زاوية بروتستانتية قَدَريّة). وتدريجيا، أصبحت قيمة الحرية الفردية غالبة في هذه الأوساط (راجع مثلا فكر الفيلسوف الأمريكي الكلاسيكي: رالف والدو إميرسون؛ ت. ١٨٨٢). وانطلاقا من هنا، وبالتدريج، نشأت المدرسة الأيديولوجية الرأسمالية-الليبرالية التي استندت رويدا رويدا على نشوء المدرسة الكلاسيكية في الاقتصاد التي أسست بدورها – مع الماركسية – علمَ “الاقتصاد السياسي” (الذي هو جدّ كلّ العلوم الاقتصادية والمالية الحالية واقعاً). ومن أعلام هذه المدرسة الكلاسيكية أسماء على غرار آدم سميث (ت. ١٧٩٠)، ودايفيد ريكاردو (ت. ١٨٢٣)، وجون ستيوارت ميل (ت. ١٨٧٣) وغيرهم. وكما أوضحنا في مقال سابق (٤ أيلول/سبتمبر ٢٠٢١)، فإنّ الفكرة المركزية لدى هؤلاء هي أنّ الحفاظ على الحرية الفردية في الاقتصاد يؤدي في النهاية إلى تحسّن ظروف الأفراد ككلّ (راجع مقال سابق للمؤلف حول المدارس الليبرالية، وحول الفرديّة والفردانيّة).

قامت المقاومة والثورة الماركسيتين على فكرة تتخطّى المعركة مع الحرية الفردية نحو معركة تبتغي اقتلاع الملكيّة الخاصة من أساسها في نهاية المطاف

غير أنّ هذه الفكرة المركزية الأخيرة ومشتقاتها هي التي أدّت، حسب فهم المدرسة الماركسية الناشئة، إلى التوزيع “الظالم” للثروات، وإلى استغلال وسحق الطبقات العاملة والكادحة، لا سيما خلال فترة انفجار الثورة الصناعية (راجع رواية Germinal لإيميل زولا للحصول على لوحة فنية معبّرة عن هذا الكفاح). وبالتالي، فقد قامت المقاومة والثورة الماركسيتين على فكرة تتخطّى المعركة مع الحرية الفردية نحو معركة تبتغي اقتلاع الملكيّة الخاصة من أساسها في نهاية المطاف. هذا وتنظر المدرسة الماركسية بارتياب إلى الأفكار الدينية لا سيما منها القَدَرية والحتميّة، والتي تبرّر – بشكل أو بآخر، حسب فهمها – وجود الظلم الاجتماعي واستغلال الطبقات الفقيرة والضعيفة. من هنا، صوّب ماركس، بالإضافة إلى كثير من مفكّري ما يسمى اليوم بالتيار الشيوعي-الاشتراكي-اليساري على الملكية الفرديّة الخاصّة من أساسها، ولو بنسب متفاوتة. وقد وضع الماركسيون “العمل” في قلب نظريتهم عن التوزيع، حتى أصبحت قيمة السلعة المنتجة تقاس حسب كمية العمل المبذول فيها، لا حسب لعبة العرض والطلب (يبقى المرجع الأهم في هذا الإطار، هو كتاب رأس المال لشيخ الشيوعية الأكبر: كارل ماركس).

أرادت الماركسية (وهي النموذج-المثالي اليساري الأكثر راديكالية على الأرجح) نسف “التوزيع الرأسمالي” للإنتاج والعائد من أساسه، قبل أن تركّز على “إعادة التوزيع”. وهذه نقطة قذ نسيناها اليوم ربّما. وبالمناسبة، لا يتقبّل العقل الماركسي فكرة “ربح” رأس المال من أساسها، ويذهب، في الأعم الأغلب، إلى اعتباره مسروقا من حصة العامل: العمل حصرا، لا الملكيّة، هو أساس التوزيع ما-قبل الإنتاج وأساس التوزيع ما-بعد-الإنتاج، وهو أساس نظرية القيمة.

وفي مقابل الردود الماركسية والاشتراكية (ثم الكينيزية من اسم عالم الاقتصاد البريطاني جون ماينارد كينز؛ ت. ١٩٤٦ م)، استحدثت الرأسمالية-الليبرالية ردودا أكثر تطوّرا، تجلّت من خلال طروحات مدرسة فيينا كما شرحنا في المقال السابق (راجع: لودفيغ فون مايزس وفرايدرخ حايك)، أو من خلال مدرسة إيرفينغ فيشر (ت. ١٩٤٧) حول الفائدة والأسعار ودور السوق، بالإضافة إلى السياسة النقدية. ثم تجلّت من خلال طروحات أعلام كجوزيف شومبيتر (ت. ١٩٥٠ م) حول الريادة والابتكار في تبرير العائد الرأسمالي، أو كفرانك كنايت (ت. ١٩٧٢) حول دور المخاطرة في تبرير ذلك العائد (أو الربح). ولم تنته هذه الردود الرأسمالية-الليبرالية طبعا مع مدرسة شيكاغو وشيخها الأكبر ميلتون فريدمان (ت. ٢٠٠٦)، وهو أبو المدرسة المحافظة (المسمّاة ب”الكميّة”) في السياسات النقدية المعاصرة (وقد تأثرت بأيديولوجيته كثير من المصارف المركزية حول العالم، ومنها “مصرف لبنان”).

ومع سقوط الاتحاد السوفياتي في أواخر القرن المنصرم، شهد العالم احساسا عاما بفوز المدرسة الأيديولوجية الرأسمالية (الليبرالية والنيو-ليبرالية والكينيزية)، نهائيا، على خصومها، لا سيّما منهم الاشتراكيين والشيوعيين. ويمكننا الملاحظة بأنّ المعارضين لها قد انكفأوا بعدئذٍ، بشكل أو بآخر، عن مناقشة الأصول (أي أصل نظرية التوزيع) إلى مناقشة الفروع (وعلى رأسها نظريات “إعادة التوزيع”)، مما ترجم بنشوء مدارس يسارية واشتراكية جديدة على غرار الحزب الاشتراكي الفرنسي (الحزب “الزهري لا الأحمر”)، أو تيار الديمقراطية-الاجتماعية ذي الانتشار الواسع في عالمنا المعاصر. وكذلك، فقد انضم كثير من اليساريين إلى “التيّار الأخضر” المدافع عن البيئة، ممرِّرا أفكاره اليسارية عبره، كما حصل ويحصل على الساحات السياسية في دول أوروبا الغربية مثلا (راجع ظاهرة حزب “الخُضر” في فرنسا، ورجل كنيكولا هولو أو امرأة كإيفا جوليي وغيرهم على سبيل المثال..).

العودة إلى أصل نظرية التوزيع ضرورية، ولا مهرب منها، في سبيل حلّ الإشكاليتين السابقتين، والفكرة التي ندافع عنها تستند إلى مبدأ تغيير العلاقة التعاقديّة بين العمل ورأس المال من أصلها، مع الدعوة مثلاً إلى الأشكال التشاركية-التعاونية وإلى تعميمها على الأدوات المالية والتأمينية

إذن، مع التبسيط مجدّدا: فقد انتقلت المعركة الفكرية والأيديولوجية من مستوى “أصل نظرية التوزيع”، إلى مستوى “نظرية إعادة التوزيع (والسياسة الضرائبية)”، وكأنّ هنالك اجماعا ضمنيا قد حصل حول: (١) فوز المدرسة الرأسمالية-الليبرالية في الصراع الفكري-الاقتصادي العام مع الاشتراكية والشيوعية وغيرها من المدارس المخالفة؛ (٢) ضرورة حصر المعركة ضمن نطاق سياسات إعادة التوزيع لاستحالة الذهاب أبعد من ذلك في سبيل تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية.

إقرأ على موقع 180  عندما نمنا لأوّل مرّة من دون بيروت!

غير أنّ الرأسمالية (النيو-ليبرالية خصوصا)، وبدعم من الطبقات الأكثر ثراء بطبيعة الحال، قد طوّرت – برأينا – أدوات هندسة مالية معقّدة لتخطّي هذه الموجة “المقاوِمة” الأخيرة أيضا. وهي أدوات – ماليّة وتأمينية بشكل خاص – تسمح فيما تسمح به: بنقل “الخطر” بين الأطراف الاقتصادية ضمن فلسفة معيّنة (راجع الفقرات التالية). فيصبح “الخطر” المرتبط بسلعة ما أو بأصل اقتصادي ما: “سلعة” يمكن بيعها (مع تعدّد أشكال هذا البيع كما سنرى). وهذا ما يؤدي، بطبيعة الحال، إلى وجود فئة من اللاعبين الاقتصاديين تحصل على عوائد.. مع التخلص – قدر الإمكان – من الخطر. ومن السهل – مع التبسيط الشديد أيضا – ملاحظة كيف أنّ هكذا أدوات قد تؤدي في نهاية المطاف إلى تعميق عدم التوازن في توزيع الثروات والعوائد: بالطبع، وبشكل هو أكثر باطنية وأقل ظهورا.. لذلك، فنحن نعتبر، مع كثير من الباحثين، أنّ العودة إلى أصل نظرية التوزيع ضرورية، ولا مهرب منها، في سبيل حلّ الإشكاليتين السابقتين، بدل التلهي – حصرا – بقضايا السياسات الضرائبية. والفكرة التي ندافع عنها تستند إلى مبدأ تغيير العلاقة التعاقديّة بين العمل ورأس المال من أصلها، مع الدعوة مثلاً إلى الأشكال التشاركية-التعاونية وإلى تعميمها على الأدوات المالية والتأمينية (ربما بالتدريج بداية..).

المشاركة والتعاون على الخطر، بدلاً من بيعه

لكي نفهم هذه الأطروحة “التشاركية-التعاونية” بشكل أعمق، فلنناقش بعض الأسئلة المتعلقة بالمصارف والأسواق الماليّة والتأمينيّة. ولنبدأ من أبسط الأنشطة التمويلية، ومنها القرض مقابل فائدة مضمونة مثلا. عند علماء الاقتصاد الكلاسيكيين والنيو-كلاسيكيين، مسألة أن ينال رأس المال النقدي (Le capital monétaire) أجراً مضموناً مقابل الزمن.. مسألة مقبولة ولا اشكال عليها إطلاقا. لكن من وجهة نظر مفهوم “نقل الخطر”، فالواقع أنّ من يُقرِض يحصل على ضمان رأس ماله وضمان فائدته (أي: أجره)، في حين يتحمّل المقترِض خطر رأس المال (التجارة وسعر السوق بشكل خاص). ومن زاوية النظرية المالية المعاصرة، يمكننا القول إنّ المقرِض قد “نقل” خطره، عمليّا، إلى المقترِض: فبدل أن يستثمر رأس المال بنفسه على أساس الربح والخسارة، قايض هذين الأخيرين بربح ثابت ومضمون؛ أي أنّه قايض غير اليقيني باليقيني. ما يحصل، من هذه الزاوية، عند حصول القرض: هو نوع من مقايضة غير اليقيني باليقيني (والعكس). في حين أنّ البديل البديهي هو أن يستثمر المقرِض رأس ماله النقدي – بنفسه – في مشروع على أساس الشركة مثلا: فيربح مع شريكه أو يخسرا معاً. كما يتبيّن من هذا السؤال البسيط، فالقضية، إذن، ليست قضية عابرة بالمعنى المفاهيمي أبدا، بعيدا عن الأحكام القيمية الإيجابية أم السلبية: فالخياران مختلفان جذريا على مستوى مفهوم “نقل الخطر”.

ما الذي يمنع تطبيق العقلية والنظام التشاركيّين بدل العقلية والنظام التنافسيّين-العدائيّين السائدَين حاليا؟ لماذا لا نعمّم تجربة المصارف التشاركية والتأمين التبادلي-التعاوني (Mutualistes)، خصوصا في بلد مأزوم اقتصاديا واجتماعيا كلبنان

فيبدو أنّ هنالك خيارين أساسيين حقيقة مع “نقل الخطر”: إما أن يتم نقله على أساس “بيعه مقابل المضمون”، أو على أساس “مشاركته ربحا أو خسارة”. وكما يعلم اختصاصيو نظرية الألعاب والنظرية المالية: فالتموضعان مختلفان جذريا، إذ أنّ الأول يضع المتعاقدَين في موقف تنافسي-عدائي (Strictly-competitive games) في أكثر الأحيان، في حين يضعهما الثاني في موقف تعاوني (Cooperative games) حكما، في أكثر الأحيان. ومن السهل استنتاج الفوارق الانسانية والاجتماعية والنفسية بين التموضعين. ومن السهل استقراء الفوارق الممكنة من خلال تعميم الأول أو من خلال تعميم الثاني: اقتصاد تنافسي-عدائي في مقابل اقتصاد تشاركي-تعاوني. ومن السهل أيضا استقراء الفوارق المرجَّحة فيما يخص توزيع الثروة والعائد، انطلاقا من أساس فلسفة التعاقد والتبادل بين الطرفين.

ومن هنا يمكن طرح سؤال آخر، هذه المرّة في ما يخص العمل المصرفي: لماذا “تضع” نقودك في البنك؟ عادة، إمّا نضع نقودنا بهدف حفظها، أو بهدف استثمارها. في الحالة الأولى، نتوقع أن يكون رأسمالنا مضمونا، لكن لماذا نتوقع الضمان، حُكماً، في الحالة الثانية أيضا؟ من قال أنّ الاستثمار من خلال البنك يجب أن يكون مضمونا حُكماً؟ من جعل كل استثمار من خلال البنك مضموناً عمليّاً؟ مجدّدا، نعود إلى فكرة النقاش حول نظرية التوزيع ما-بعد-الإنتاج، فهنا جوهر القضية، لا في مكان آخر..

لماذا لا يكون الخيار هو أن تضع نقودك في البنك: إمّا على أساس الوديعة المضمونة (ولا تكسب مقابلها أجراً مضموناً لكي تتجنب تموضع بيع الخطر والتنافس-العدائي السالف الذكر)، أو على أساس الاستثمار المبني على المشاركات (مثلا: على أساس أسهم في مشاريع أو شركات أو صناديق استثمارية تشاركية)؟ لماذا لا يكون البنك كالصندوق التشاركي الاستثماري (Mutual fund)، فيكون الإيداع-الاستثماري على شكل أسهم: بتعبير آخر، يُصبح المودع-المستثمر في البنك شريكا في البنك؟ كما نرى، فطرح التساؤلات من هذه الزاوية يبيّن بشكل واضح كيف أنّنا قد نسينا نقاش “التوزيع” لمصلحة نقاش “إعادة التوزيع”. هل هناك من/ما يمنع طرح هذه الأسئلة؟ لماذا يتوجّب أن يكون التعاقد بين العمل ووسائل الإنتاج الأخرى مبنيا على مفهوم “بيع الخطر” بشكل رئيسي؟

حتّى في التأمين على المخاطر، لماذا يتوجّب تعميم مفهوم التأمين التجاري (“أبيعك” خطري مقابل دفع أجر معلوم) بدل تعميم مفهوم التأمين التشاركي-التعاوني (أتشارك أو أتعاون معك على خطري وخطرك؛ راجع مفهوم التأمين التبادلي L’assurance mutualiste)؟ النقاش طويل، والأدوات المالية والتأمينية (راجع مثلا مفهوم المشتقات المالية والإئتمانية Financial and credit derivatives) قد تكون أكثر تعقيدا مما طرحناه من أسئلة، لكنّ الأصل بسيط تماما كالأمور الأهم في هذه الحياة: لماذا لا نعود إلى النقاش حول التوزيعين الابتدائي والثانوي؟ ما الذي يمنع تطبيق العقلية والنظام التشاركيّين بدل العقلية والنظام التنافسيّين-العدائيّين السائدَين حاليا؟ لماذا لا نعمّم تجربة المصارف التشاركية والتأمين التبادلي-التعاوني (Mutualistes)، خصوصا في بلد مأزوم اقتصاديا واجتماعيا كلبنان؟

الأسئلة ليست جديدة بالطبع (راجع أعمال السيد محمد باقر الصدر في اقتصادنا والبنك اللاربوي، وأعمال محمد عمر شبرا، وسامي السويلم، ورفيق يونس المصري، وعدنان عويضة، والتيار التشاركي-التعاوني في الغرب وخصوصا في فرنسا، وأعمال تيار المالية “الأخلاقية” Finance éthique et coopérative وغيرها..).. لكن الجديد ربّما هو دعوة ليبراليّي واشتراكيّي لبنان إلى هذا النقاش، في خضمّ هذه الأزمة الاقتصادية والماليّة والمصرفيّة التي نعيشها.

(*) راجع مقالة المؤلف: إلى يساريي لبنان.. هل تبننيا “إعادة التوزيع” ونسينا “التوزيع“؟ (1)

Print Friendly, PDF & Email
مالك أبو حمدان

خبير ومدير مالي، باحث في الدراسات الإسلامية، لبنان

Free Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  "كوفيد-19" يعيد رسم الجغرافيا السياسية للعولمة