الثقة عملة لبنان الصعبة النادرة.. وليس الدولار

هل تتحمل حكومة نجيب ميقاتي ارتفاعاً اضافياً في سعر صرف الدولار؟ وماذا في جعبة "النجيب" لمواطنين فقراء يتوقون بلوعة الى ارتفاع ما في قدرتهم الشرائية المنهارة حتى 90 في المائة؟ وما  بحوزته للتأثير في العوامل الداخلة في معادلات تحديد سعر العملة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي للمديين القصير والمتوسط؟

أسئلة سعر صرف الليرة يختصرها الانتهازيون حاملو عملة العم السام بواحد فقط: “نبيع مما لدينا أم نكنزه بانتظار أسعار أفضل لأن حكومة ميقاتي ستفشل”؟

جديد رهان الفشل او النجاح هو قرب انتهاء دعم البنزين المتوقع بعد أيام قليلة. فاذا بقي الاستهلاك على حاله – وهذا مستبعد جداً – فان مستوردي البنزين بحاجة الى ما بين 2.7 و3 ملايين دولار يومياً، تضاف اليها قيمة مماثلة لاستيراد المازوت لزوم مولدات كهرباء الأحياء اذا لم تؤخذ في الحسبان كميات المازوت الإيراني (القليلة حتى الآن) التي تدخل البلاد، واذا افترضنا ان مؤسسة كهرباء لبنان لن تحصل على سلفة خزينة “حرزانة” لتشغيل معاملها المهددة بالانطفاء بعد ايام قليلة أيضاً بسبب نقص الفيول. مع التذكير بأن النفط العراقي لا يفي الا بـ 4 ساعات تغذية كهرباء يومياً (قابلة للزيادة لكن على حساب أمد الإستفادة من الهبة العراقية)، واستجرار الكهرباء من الأردن والغاز من مصر دونهما عقبات وروتين ومشاكل تمويل لم تحسم كلها بعد. وما حسمها جذرياً الا على حساب المواطن المدعو قريباً الى استحقاق خفض دعم تعرفة الكهرباء كما يريد الممول (البنك الدولي).

تعويلان ينقذان الموقف قليلاً في المدى القصير. الأول، والمرجح بقوة، هو انخفاض استهلاك مادة البنزين التي ارتفع سعرها 700 في المائة في سنة وسيرتفع أكثر مع الغاء الدعم نهائياً. والثاني قائم على رهان زيادة خروج الدولارات من خزائن البيوت والشركات الى أسواق الصرافة وشراء المحروقات، وهذا متعلق بمنسوب الثقة سلباً أم إيجاباً.

القصيد طويل لكن غاية الشاعر بيت واحد هو: عليكم بصندوق النقد يا سادة يا كرام شاء من شاء وأبى من أبى، فلا مشاريع الاتجاه شرقاً واقعية ولا الشحادة وحدها تنقذكم من براثن الفقرالاجتماعي والتقهقر الاقتصادي!

اذاً، العملة الشحيحة هي الثقة قبل الدولار. الثقة بميقاتي وحكومته والطبقة السياسية، وبرامج طوارئ الانقاذ والاصلاح المالي والاقتصادي، وصبر المودعين وتضحياتهم والمواطنين في تقشفهم المزري، والثقة بالمجتمع الدولي عموماً وصندوق النقد الدولي على وجه التخصيص.

فالدولار متوفر بنحو 12 مليار دولار سنوياً على الاقل (تغطي الاستيراد بسهولة في دورة اقتصادية طبيعية) من تحويلات المغتربين ومساعدات اللاجئين والتمويل الأجنبي لمؤسسات المجتمع المدني (إن جي أوز) الى جانب مصادر دولارات مثل السياحة والصادرات فضلاً عن بعض القروض والمساعدات الانسانية للصحة والتعليم وقطاعات أخرى.

فندرة الثقة او انخفاض سقف توقعات هبوط سعر الدولار متعلق بهزال التركيبة الحكومية، مع استمرار تناكف القوى السياسية والطائفية وجوعها الدائم للتحاصص بالفساد، وعدم توقع انجاز برنامج اصلاحي سريعاً، والخوف من تأخر دوران عجلة الانقاذ، وشبه انعدام قدوم مساعدات من المجتمع الدولي الا بعد حين وبشق الأنفس، وعدم استفادة لبنان بعد من اي تطور جيوسياسي اقليمي ودولي ايجابي ممكن.. والأهم مما سبق، قلة الثقة بامكان حصول اتفاق سهل وسريع مع صندوق النقد الدولي، الممر الإلزامي لأي حزمة قروض ومساعدات مشروطة بالاصلاحات الصعبة. فالقصيد طويل لكن غاية الشاعر بيت واحد هو: عليكم بصندوق النقد يا سادة يا كرام شاء من شاء وأبى من أبى، فلا مشاريع الاتجاه شرقاً واقعية ولا الشحادة وحدها تنقذكم من براثن الفقرالاجتماعي والتقهقر الاقتصادي!

بانتظار المعجزات، تجاوز مواطنون قطوع الغاء دعم السلة الغذائية وخفضوا استهلاكهم الى الحد الأدنى من سد الرمق، ويتكيفون بالتي هي أسوأ مع صعود سعر الرغيف وشح الدواء، ويعيشون آناء العتمة بصبر غريب، وها هم اليوم امام استحقاق كره السيارة وكلفتها مع الارتفاع الجنوني في سعر البنزين. صحيح انهم لن يثوروا، لكنهم لن يعملوا ولن ينتجوا كما يجب، فينهارالاقتصاد أكثر. وما الاضرابات في القطاع العام أو الحضور بالحد الأدنى الى الدوامات الا دليل مأزق لا خروج منه قريباً للدولة ولنحو 80 في المائة من السكان طالما سعر صرف الليرة منهار بنسبة 90 في المائة عما كان قبل سنتين.

وبالعودة الى ارتباط سعر الدولار بغلاء البنزين، يمكن القول أن الليرة لا تتماسك نسبياً إلا اذا خرجت دولارات أكثر من الخزائن الخاصة الى سوق القطع، واذا اعتمد مستوردو المحروقات على بعض دولاراتهم في البنوك الخارجية (المراسلة)، أو إذا استمر مصرف لبنان في تأمين الدولارات للمستوردين على سعر المنصة بين 14 و16 الف ليرة للدولار.. شيء من هذا وبعض من ذاك يمكن أن ينقذا الموقف إلى حين. أما اذا لجأ المستوردون الى سوق القطع لتأمين دولارات استيراد المحروقات فان سعر الليرة سيتأثر حتماً، كذلك اذا أصر مصرف لبنان على “تقتير” صرف دولارات من لدنه التزاماً منه بما تبقى من حقوق سائلة للمودعين لم تعد تتجاوز حالياً إلا 12 أو 13 في المائة من قيمتها الأصلية بالدولار، وأقل من ربع قيمتها على سعر 3900 ليرة للدولار كما يجري الآن تسييلها بالقطارة الشحيحة.

إقرأ على موقع 180  إما الدولة أو الموت على وجه الجدار

ولكل خيار تبعات وتداعيات. استمرار مصرف لبنان بتأمين الدولارات يعني ذوبان الاحتياطات أكثر، وهذا سلبي للمودعين والجهاز المصرفي وميزان المدفوعات وبالتالي يؤثر سلباً في الليرة لاحقاً. في مقلب المستورد، فدافعه الربح فقط، لذا سيقتنص المناسب له بين استخدام دولاراته في الخارج أو طلبها من مصرف لبنان او سوق القطع والصرافة. سيختار الأربح له حتماً ولا عزاء لليرة وحامليها.

في الأثناء، تطرح اسئلة من نوع: لماذا لا تستعجل حكومة ميقاتي اقرار قانون ضبط التحويلات (كابيتال كونترول)، مع الأخذ بملاحظات صندوق النقد عليه؟ ذلك القانون يحد من تسرب الدولارات الى الخارج ويحسن ميزان المدفوعات وبالتالي يستفيد سعر صرف الليرة.

ولماذا لا تستعجل حكومة ميقاتي تنفيذ قانون البطاقة التمويلية المسعفة لفقر نحو 750 الف اسرة بمتوسط 100 دولار شهرياً للاسرة الواحدة؟ صرف تلك المبالغ وبالدولار يريح سوق القطع.. والليرة نسبياً.

ماذا عن مبلغ حقوق السحب الخاصة الذي يزيد على 1.1 مليار دولار، ولماذا لا تستخدم هذه الأموال المحولة من صندوق النقد الدولي وفق معيارين: الأول، جدوى الصرف على قطاعات معينة من دون هدر وفساد. والثاني، رفد سوق القطع بدولارات تؤثر ايجاباً في الليرة؟

ثم لماذا لا يطلب رياض سلامة من اصدقائه وحماته الخارجيين استثناءات تخوله وضع اليد على سوق الصرافة والافادة من دولاراته. فالمعلوم ان هناك قيوداً تضع الصرافين اللبنانيين تحت مبضع عقوبات تبييض الاموال وتمويل الارهاب وفقا للتعريفات الاميركية التي تحول دون حرية فتح حسابات لكل الصرافين في المصارف. استثناء من هذا النوع، وللظرف القاهر، يسمح لمصرف لبنان اعادة تنظيم السوق السوداء في صالحه وصالح الليرة.

وبين الأسئلة أيضاً: ماذا عن مبلغ حقوق السحب الخاصة الذي يزيد على 1.1 مليار دولار، ولماذا لا تستخدم هذه الأموال المحولة من صندوق النقد الدولي وفق معيارين: الأول، جدوى الصرف على قطاعات معينة من دون هدر وفساد. والثاني، رفد سوق القطع بدولارات تؤثر ايجاباً في الليرة؟

والأجدى بما لا يقاس هو اسراع حكومة ميقاتي في تحديث خطة التعافي التي وضعتها حكومة حسان دياب، من دون التذاكي المشبوه على صندوق النقد كما فعل مصرف لبنان وجمعية المصارف ولجنة المال والموازنة النيابية العام الماضي. أمام حكومة ميقاتي سريعاً، وسريعاً جداً، استحقاق رسم خريطة طريق واقعية فعالة للخروج تدريجياً من قاع الأزمة، بعد توزيع الخسائر بين المصارف ومصرف لبنان والمودعين والدائنين والدولة، واجراء “هيركات” على الدين العام (سندات اليوروبوندز والليرة) وعلى الودائع الكبيرة، واعادة رسملة المصارف بنسبة 100 في المائة بعد تخفيض عددها واخراج الميؤوس منه، مع خطة لزيادة ايرادات الدولة بحسن استخدام اصولها وذهبها والسيطرة على مرافقها واداراتها منعا للتهريب الجمركي والتهرب الضريبي.. وهذا الانجاز المنتظر على أحر من الجمر، بعد اضاعة سنتين في ترقيعات مكلفة هنا وتدابير مدمرة هناك، يرفع منسوب الثقة بالليرة لا بل يحسن سعر صرفها مقابل الدولار كما تؤكد تقارير صندوق النقد ومؤسسات التصنيف الائتماني  العالمية والبنوك الاستثمارية الدولية.

للمديين المتوسط والبعيد، فان سعر صرف الليرة مرتبط ايضاً بالنموذج الاقتصادي الجديد الذي على لبنان اعتماده بعدما اورث النموذج السابق كوارث مالية واجتماعية واقتصادية وضعت لبنان بين الأوائل في قائمة الأزمات المالية العالمية منذ العام 1850 وفقاً للبنك الدولي. والنموذج الجديد المطلوب لا يقوم على جذب الدولارات بألاعيب مادوفية (مخطط بونزي الاحتيالي) وبالهندسات المالية البهلوانية والفوائد المرتفعة ومد اليد إلى القروض  ودولارات المودعين لدعم الليرة وسداد فواتير فيول كهرباء لبنان وتلقيم مزاريب الهدر والفساد والحشو الوظيفي.. بل بإرساء أسس محفزة للإستثمار لا سيما الأجنبي منه الجاذب للدولارات، ودعم القطاعات الانتاجية لزيادة الصادرات الجالبة للدولارات ايضاً، واعادة لبنان الى الخارطة السياحية العالمية الجاذبة للدولارات أيضاً وأيضاً، بالإضافة الى حسن استخدام المصل الدائم المتدفق من تحويلات المغتربين.

أما القول “بيعوا أو لا تبيعوا دولاراتكم” اليوم أو غداً فمحله سلة مهملات مخصصة لتحاليل مصلحية مضاربية آنية سرعان ما يكذبها تطور الأحداث لا سيما حقيقة العلاجات والاصلاحات المرجوة من حكومة ميقاتي.

يبقى تفصيل مهم مفاده ان امام هذه الحكومة ثلاثة اشهر لاحداث صدمة ايجابية، بعد ذلك تدخل البلاد في حمأة الحملات الانتخابية لتجديد المجلس النيابي، وفي هذا الاستحقاق ستصرف دولارات سخية لا محالة تساعد سعر صرف الليرة في محنته. رب ضارة نافعة: من يتق شر السياسيين يجعلون له مخرجاً كما يعدون دائماً.. ابتسم أنت في دولة لبنان الكليبتوقراطية!

Print Friendly, PDF & Email
منير يونس

صحافي وكاتب لبناني

Download Premium WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  الحزب.. كورونا والعميل