تجليات عشوائية لنجمة زرقاء.. وعقول بيضاء!

نعرض عليكم اليوم، ومضات غير ذات مغزى، وبنية صافية كلون الأزرق السماوي وقلب أبيض لا يحمل أهدافاً من وراء ما يعرضه من تجليات، لنجمة زرقاء، تظهر في سماوات مختلفة، وفي ظروف متعددة وبأشكال متنوعة..

نعم هي تجليات منظمة، ولكن دعونا نعرضها بشكل عشوائي، لنقنع أنفسنا بأن التجليات نفسها قد تمت بشكل عشوائي لكي نريح أنفسنا من هموم مواجهة الحقائق، وندع لعقولنا المتعبة مساحة من الإنكار المريح.

لنمنحك المزيد من الاطمئنان، لن نعود كثيراً إلى الوراء، مع وعد بإبقاء التجليات خفيفة الظل وحصرها في إطار الترفيه والثقافة الشعبية فقط، تاركين القياس لأهل القياس. 

هلموا بنا إلى عالم التجليات العشوائية للنجمة الزرقاء:

تجلي رقم ١

في 1 إبريل/نيسان 2004، قام ملك البوب الراحل مايكل جاكسون بزيارة متفق عليها مع عضوة مجلس النواب الأمريكي، المخضرمة شيلا جاكسون لي، والتي تحجز مقعدها كنائبة عن الدائرة الانتخابية الثامنة عشر بولاية تكساس لصالح الحزب الديمووقراطي منذ عام 1995.

وكان سبب الزيارة هو استجلاب قبس من الضوء الذي يحيط بالنجم ليسلط على قضية محاربة مرض الإيدز في دول أفريقية عدة تم دعوة العديد من نواب الشعب فيها إلى هذا الاجتماع.

وأثارت هذه الزيارة للنجم الأنجح في تاريخ الموسيقى ردة فعل واستقبال على مستوى رئاسي في أروقة كابيتول هيل، حتى أن بعض النواب الأمريكيين والأفريقيين كانوا ينتظرون بكاميرات في أيديهم وأوراق أوتوجراف في جيوبهم لكي يستغلوا هذه الفرصة النادرة للحصول على لقطة مع أو توقيع يسوى الكثير من مايكل جاكسون. 

لكن وسط هذا المشهد، والحضور الدولي لممثلي دول عديدة، والقضية الصحية الهامة التي عقد الاجتماع بصددها، اقتحم أحد الأشخاص المشهد ووضع في يد مايكل جاكسون علم دولة ما ليجد المطرب نفسه يلوح به، وتلتقط صورة طغت في أهميتها من حيث التغطية الإعلامية على كل ما حمله هذا الاجتماع السياسي/الفني/الأمريكي/الأفريقي من معنى وهدف. لأن ذلك العلم كان ببساطة علم إسرائيل

تجلي رقم ٢

في 17 يونيو/حزيران 2006، وفي إطار منافسات بطولة كأس العالم 2006 بألمانيا، كان منتخب غانا يلعب مباراة قوية ضد منتخب جمهورية التشيك المدجج بنجوم ذوي أسماء ثقيلة مثل حارس المرمى بيتر تشيك، لاعب الوسط الشهير بافل نيدفيد والمهاجم القوي ميلان باروش. وبالرغم من ذلك فقد نجح المنتخب الأفريقي في التغلب على التشيك بنتيجة 2 – 0 بهدفين لنجمي الفريق أسامواه جيان وسولي مونتاري.

كانت مباراة محتدمة بين ممثلين لقارتي أفريقيا وأوروبا، بلغت شدة المنافسة فيها حد استقبال لاعبي غانا لستة كروت صفراء، وإشهار الكارت الأحمر ليطرد اللاعب التشيكي توماش أويفالوشي بعد عرقلته لأسامواه جيان داخل منطقة الجزاء، ليحتسب الحكم ضربة جزاء يحرز منها اللاعب الغاني أحد هدفي الفوز.

لكن وسط هذا المشهد الكروي الرائع، حدث شيئٌ اضطر إتحاد كرة القدم الغاني لإصدار تصريح باعتذار عما بدر من أحد لاعبي غانا ويدعى جون بانتسيل، راجين كل الغاضبين التغاضي عما فعل بعذر السذاجة. فالمدافع الغاني جون بانتسيل الذي يرتدي قميصاً رقمه ١٥، كان يتوجه بصحبة زملائه إلى حيث يجلس حشد من الجمهور الغاني بعد كل هدف ومع نهاية المباراة أيضا، ولم يكن يرفع علم غانا، بل كان يرفع علم.. إسرائيل!

تجلي رقم ٣

في 12 يونيو/حزيران 2015، انطلقت دورة الألعاب الأوروبية الأولى، في مدينة باكو عاصمة جمهورية أذربيجان. وهي دورة متعددة الرياضات تم تنظيم أول نسخة منها تحت رعاية اللجنة الأولمبية الأوروبية في العاصمة الآذرية، واستمرت حتى 28 يونيو/حزيران 2015، وحصلت فيها روسيا الاتحادية على المركز الأول في عدد الميداليات.

اشترك في هذه الدورة 50 دولة متنافسة في 30 رياضة مختلفة، وقد قررت اللجنة المنظمة للبطولة في العاصمة باكو أن تقوم بعرض أعلام الدول الخمسين المشاركة في الدورة الواحد تلو الآخر بشكل ضوئي على مجمع  ناطحات سحاب مكون من ثلاث بنايات متلاصقة تشتهر باسم “أبراج الشعلة”. وهي الأبراج الثلاث التي تطل على الساحل الجنوبي الشرقي لأذربيجان على بحر قزوين، على مقربة من مبنى وزارة الدفاع ومقر البرلمان الآذري.

وبتاريخ 30 يونيو/حزيران 2015، أي بعد يومين من انتهاء فعاليات دورة الألعاب الأوروبية “باكو 2015”، نشر الحساب الرسمي للقنصلية الأذربيجانية في مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، تغريدة تحمل صورة لأبراج الشعلة وهي تعرض علم إحدى الدول التي شاركت في هذه الدورة الرياضية، وكانت تلك لقطة فوتوغرافية مسائية للأبراج الشاهقة لحظة عرضها لعلم.. إسرائيل!

تجلي رقم ٤

في شهر مايو/أيار 2018، تم إطلاق حملة عالمية لجمع التوقيعات ورسائل الود والأمنيات الطيبة من أكثر من 200 ألف شخص، قاموا بخطها بأيديهم على حوالي 5000 علم، تم توزيعها في ثم جمعها من دول متعددة حول العالم منها الولايات المتحدة، الهند، روسيا، كوريا، اليابان، البرازيل، إيطاليا، رومانيا، الدنمارك، ساحل العاج وغيرها، ليتم إهدائها إلى مكان يدعى”جبعات هتخموشت”، للاحتفال بمرور 70 عاماً على مناسبة معينة.

وكان من المخطط لهذه الأعلام الموقعة التي تم جمعها عبر تنظيم العشرات من التجمعات التي تنوعت في وسائل تنظيمها من دولة إلى أخرى، أن يتم حفظها في كبسولة زمنية، تظل محفوظة لمدة 30 عاماً أخرى، أي لا تفتح إلا بحلول عام 2048، حيث سيكون الاحتفال وقتها بمناسبة مرور 100 عام بدلاً من 70 على إنشاء دولة.. إسرائيل!

فمعنى “جبعات هتخموشت” هو تلة الذخيرة، المكان الذي دارت به معارك شرسة بين الجيش الأردني والجيش الإسرائيلي في حي الشيخ جراح بمدينة القدس، في 6 يونيو/حزيران 1967، والتي تكبدت فيها كتيبة الحسين الثانية خسائر أدت إلى الهزيمة. وتلك الأعلام التي جمعت عليها كل هذه التوقيعات من مختلف دول العالم لتحفظ لثلاثين سنة قادمة حتى 2048، هو بالطبع علم.. إسرائيل!

تجلي رقم ٥

إقرأ على موقع 180  إنتحار المنطق في مقايضات التطبيع

في 4 يونيو/حزيران 2021، انتشرت أخبار في مختلف وسائط الإعلام عن سحب بيت أزياء لوي فيتون لأحد منتجاته من موقعه الإلكتروني الرسمي وأرفف منافذ البيع للماركة ذات الانتشار العالمي الواسع.

كان هذا المنتج هو وشاح أو كما يشتهر بالعامية بإسم “الكوفية”، وقد قام بيت أزياء لوي فيتون بالدعاية لهذه الكوفية بوصفها بأنها ذات نقوش ثنائية اللون مستوحاة من الكوفية الفلسطينية التي أصبحت تمثل رمزاً بصرياً للمقاومة الفلسطينية، بتصميمها المميز بألوانه المونوغرامية بالأبيض والأسود.

وكانت أسباب الهجوم الذي تلقاه لوي فيتون، تتلخص في أن إصدار مثل هذا الوشاح يمثل متاجرة بمعاناة الشعب الفلسطيني عبر تقليد قطعة رمزية ارتبطت بقضيته وهويته، وتوشح بها زعيمهم الراحل ياسر عرفات حتى في لحظة حصوله على جائزة نوبل للسلام عام 1994. كما مثلت كوفية لوي فيتون ما أطلق عليه البعض “الإستيلاء الثقافي”.

والسبب في ذلك في الحقيقة هو في تفصيلة محددة، وهو أن اللون الأسود الذي يتعانق ويتراص مع اللون الأبيض ليصنع نقشة الكوفية الفلسطينية الشهيرة، استبدل في كوفية لوي فيتون باللون الأزرق، لكي يمثل مع اللون الأبيض ألوان علم.. إسرائيل!

لنكتفِ بهذا القدر من العشوائية، فإن بدا لكم ما عرض غير ذي أهمية، فلا لوم عليكم. أما إن بدا لكم ذا مغزى، فلا لوم عليكم أيضاً. ففي جميع الحالات، تتفوق قوة خداع الذات والإنكار على استنباط المعاني والأفكار.

على وعد بحلقات لا نهائية لتجليات يصعب حصرها للنجمة الزرقاء التي تبرك على مساحات شاسعة من العقول.. البيضاء!

Print Friendly, PDF & Email
تامر منصور

مصمم وكاتب مصري

Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  عقوبات أميركا و"ثقب" مرفأ بيروت.. والمصارف!