حتى تكونَ حراً.. (3)

في كتابه الجديد، بعنوان “تأملات 2022 في الحرية والسياسة والدولة” لمؤلفه الفضل شلق (الدار العربية للعلوم ـ ناشرون؛ 2023)، يسرح الكاتب في حقل سياسي فكري مترامي الأطراف. يناقش قضايا الحرية والهوية والثورة والثورة المضادة والإستبداد، كما تشي عناوين هذه المقالة.

يتعرّض المرء لضغوطات خارجية عديدة. يفرضها النظام الاجتماعي السياسي. مثل الفقر، الجهل، هوية المجتمع، القانون، والتسامح.

الفقر والجهل، ويضاف إليهما الخضوع وانتشار الأمراض، هي أثقال تنوء على كل مواطن. وهي أمور يفرضها النظام الاجتماعي-السياسي على الناس كي تُشلُ حركة فكرهم، ولكي يعتمدوا على الغير من أجل خدمات لا تتاح تلقائياً من الدولة، بل من وسطاء بين الدولة والمواطن المصاب، ظناً أن هذه الأمور تزيد تبعية المواطن للوسيط الذي يكون عادة من الزعماء والوجهاء.

لدينا في لبنان طوائف مكرسة للوساطة، لتصير من أمور الضرورة التي تدفع المصاب الى التبعية وفقدان استقلاليته وجوانيته، أو إضمار ما لا يظهر. يفقد الإنسان المصاب جوانيته ويصاب ضميره نتيجة الحاجة الى آخرين، ربما يفرضون عليه آراءً أو سلوكاً غير ما كان يريد. يصاب باليأس والقنوط وانعدام الأخلاق. ويُعمم هذه الصفات على الآخرين كي يكون الأمر عزاءً له أو تعويضاً عما فقده. يضطر الى إبداء آراء لم تكن هي مما أنتجته روحه، ويتخلى أحياناً عن روحه. يبيعها للشيطان. الوجه الآخر لذلك هو الحرمان من إبداء الرأي. إن التقديمات الاجتماعية ليست منة، وليست إحساناً؛ يجب أن تكون المساعدات الاجتماعية للخلاص من الفقر والمرض والجهل من واجبات الدولة، وأن تكون تلقائية. تخليص الفرد من الضغوط الخارجية أمر ضروري لتحريره من أعباء يمكن أن تشل ضميره، وأن تعطّل تفكيره، وتُقعده عن التمرّد والمبادرة. عندما تكون إحساناً فهي لا بد وأن تربطه بمن أحسن إليه.

الفقر والجهل

أهم العوائق السياسية في وجه حرية إبداء الرأي هي السلطة السياسية. وهي غالباً ما تحسب كمؤشر على التمييز بين نظام الحرية ونظام الاستبداد. إبداء الرأي هو المشاركة كمواطن في نظام غير استبدادي؛ تخلق الظروف الجسدية والمعنوية التي تمنع الفرد من أن يكون ذا رأي. وهكذا يكون سوء توزيع الثروة، وخلق الهوة في المداخيل وصولاً الى  إفقار الناس؛ والفقر يجر معه المرض، ويخفّض القدرة على التعلّم. فيفقد الفرد استقلاليته، ويعجز عن أن يكون مواطناً. الصحة الجيدة ليست ترفاً، بل هي ضرورة إنسانية. كذلك التعلّم للخلاص من الجهل. الفقر آفة كبرى في كل المجتمعات. هو السبب الأساسي في أن يكون المجتمع عبئاً على الفرد.

لا يقتصر الأمر على الفقر والجهل والمرض بل على أوضاع اجتماعية عامة تفرض على الفرد قيوداً تشل تفكيره. ضغط المجتمع على الفرد يمكن أن يضاهي الضغط السياسي. ومن المؤكد أن سلطات الاستبداد، وحتى في نظام ديمقراطي، تستخدم الأفكار الاجتماعية، ومنها الدينية، للضغط على جوانية الفرد، ومنع عقله من التفكير بعقلانية، وجره الى الانسياب قسراً مع تيارات عامة لا يوافق عليها أصلاً، بل ينجرف في سياقها.

تعدد الهويات

كل إنسان متعدد الهويات. التعددية ليست مقتصرة على المجتمع في انقساماته الى طوائف، وعائلات، وعشائر، وانتماءات أولية أخرى. وغالباً ما تعلو هوية على الهويات الأخرى (كالطائفية). فتفرض نفسها على جميع أبناء الهوية الواحدة. فيصيروا سجناء فيها. ولا نغفل الانتماءات الأخرى، كالانتماء الى المنطقة أو المهنة أو غيرهما. وهناك من يرفع قضية أو قضايا وطنية (كالمقاومة)، ويجعلها معياراً لتصنيف الناس بين أوفياء وخونة. وغالباً  ما تتشكّل جماعات منغلقة على نفسها حول هذه الهويات والانتماءات، فتتحوّل التعددية من الرحابة والتسامح الى إنكار التيارات الأخرى، والحؤول دون الحوار والنقاش بينها. فيبطل الحوار وتفشل السياسة، وتمنع التسويات، ويصير العيش معاً مستحيلاً دون تهدئة. ليس الحل في التهدئة وخفض مستوى التوترات بل انفتاح الانتماءات على بعضها واختلاط الهويات، وصولاً الى اندماجها، وتشكيل سوبر هوية. هوية انفتاح لا انغلاق مرة أخرى. هوية قابلة للتغيير والتطوّر حسب متطلبات النقاش العام والحوار المفتوح.

المجتمع المفتوح لا يمنع ارتداء المرأة الحجاب أو تزيّن أخرى بعلامة الصليب، أو الانتماء للمقاومة أو للسيادة، بل يسمح بالعيش سوية دون أن يشكّل ما عند الواحد منا استفزازا للآخرين. المجتمع المفتوح هو مجتمع تسامح يكون الغير مقبولاً كما هو. التسامح ليس منة على الغير بل حفاظاً على النفس من الابتلاء بالضيق تجاه الآخرين

غير مقبول أن يدان فلان أو فلان بتهمة الخروج على الدين، إذ أيد الزواج المدني الاختياري، أو يخوّن فلان أو فلان إذا انتقد المقاومة، أو يُعتبر فلان أو فلان ضالاً إذا رفع مفهوم السيادة، لسبب أو لآخر.

كل ذلك ممكن في مجتمع مفتوح يسود فيه التسامح، انطلاقاً من افتراض أن كل طرف حقيقته جزئية، وأن لا فريق يمتلك الحقيقة الكاملة، وأن يعترف كل فريق بأنه ليس وحده المهمّش. فكل المجتمع مهمّش لصالح السلطة والطبقة العليا. المجتمع المفتوح لا يمنع ارتداء المرأة الحجاب أو تزيّن أخرى بعلامة الصليب، أو الانتماء للمقاومة أو للسيادة، بل يسمح بالعيش سوية دون أن يشكّل ما عند الواحد منا استفزازا للآخرين. المجتمع المفتوح هو مجتمع تسامح يكون الغير مقبولاً كما هو. التسامح ليس منة على الغير بل حفاظاً على النفس من الابتلاء بالضيق تجاه الآخرين. التسامح حماية للذات.

المجتمع المغلق يؤدي الى أنفس فردية مغلقة تدور حول نفسها، فتمتلئ بالأحقاد على الآخرين والشكوك بهم؛ الاعتقاد أن الآخرين يتآمرون علينا إما للتغلّب أو لسلب ما لدينا. وهل الطائفية إلا جماعة مغلقة تتقدّم فيها مصلحة الطوائف على كل مصلحة وطنية عليا؟

عصر جديد؟

ليس المطلوب التخلي عن انتماءاتنا الطائفية والعشائرية، بل الحوار في ما بينها وصولا، ليس بالضرورة الى الاندماج، وكل اندماج قسري مرفوض وخطير، بل وصولاً الى تقبّل الآخرين كجزء من طبيعة مجتمعنا، وفي النهاية جزء منا. التعددية في كل مجتمع مفتوح لا تلغي الأنا والآخر، بل تفرض تعايشهما ليصير الأنا مقتنعاً انه هو أيضاً آخر. في المجتمع المفتوح يستطيع كل واحد أن يخرج جوانيته الى العلن. فلا يضطر الى النفاق بإضمار غير ما يعلن. كل ما يُضمر ولا يعلن، فيه نوايا شر تجاه الآخرين. المجتمع المفتوح يفترض نسبية الحقيقة. من يعتقد أنه على جانب الحق والحقيقة المطلقة لا يستطيع أن يكون منفتحاً، ولا أن يعيش في مجتمع مفتوح، ولا أن يحاور ويناقش؛ هو مضطر للنفاق، واستبطان غير ما يظهر.

المجتمع المفتوح سمة النظام الليبرالي السائد قبل النيوليبرالية التي صعد نجمها في السبعينيات الماضية، واشتدت وقاحتها بعد عام 1979، حين بزغت الثورة الإسلامية في إيران، وغزا الاتحاد السوفياتي أفغانستان، ما أوصله للسقوط والتفكك عام 1989، واحتلال مكة عام 1978، وتوقيع اتفاق كامب دايفيد بين مصر واسرائيل، وبعدها سقوط العلمانية، وصعود الدين السياسي في تركيا، وانطلاق حرب الخليج الأولى ثم الثانية، مما أدى الى تدمير العراق، ثم الثورة المضادة بعد ثورة 2011، والتي أدت الى تدمير المشرق العربي. وامتد التدمير الى معظم المغرب العربي.

توقّع رونالد ريغان ومارغريت تاتشر بزوغ عصر جديد من العولمة النيوليبرالية؛ عالم يحكمه قطب أمريكي واحد تنتصر فيه النيوليبرالية وتتحمّل الامبريالية وأتباعها العبء الجديد للرجل الأبيض، وهو تعميم الديمقراطية حول العالم. وتعميم ما سموه حقوق الإنسان في عصر المنظمات غير الحكومية في البلدان التي كانت عالماً ثالثاً، بينما تتولى حكومات القطب الواحد الحرب ضد الإرهاب لوضع الناشزين كلٍ في نصابه.

نهاية التاريخ!

أيضاً أعلن كبار مثقفي النيوليبرالية، خاصة بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، نهاية التاريخ. إذ بدأت مرحلة انتشار الديمقراطية وبناء الأمم والأوطان في كل العالم الذي وصفه مثقف كبير آخر (أميركي) ببزوغ حرب الثقافات. فكانت الحرب السياسية على العالم، ثم الحرب الثقافية الدينية على بقية العالم، إذ رُسِمَ العالم لا حسب الدول، بل حول الأديان-الثقافات. وهذه عنصرية جديدة صار لها جذور جديدة في الغرب الرأسمالي، كما ظهر على طرفي السياج في الحرب التي شنتها روسيا ضد أوكرانيا. بلغ الغرب أقصى حدود الافتتان بنفسه، فهو قد ألغى مؤسسات الطبقة العاملة في بلاده، واستخدم العالم الذي كان ثالثاً من أجل العمل المأجور، بمعنى آخر هذه ليست عودة الاستعمار الى بلدان أسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، بل عودة العبودية، عبودية من نوع جديد، الى هذه البلدان التي أصبحت مجرد شغيل بأجر زهيد عند الغرب الرأسمالي المعوّلم.

إقرأ على موقع 180  ضفتا المتوسّط بين الوصل.. والفصل

للفاشية الغربية الرأسمالية أخ أصغر هو الأصولية الإسلامية التي تصول وتجول من 11 أيلول في قلب النيوليبرالية الى داعش في المشرق العربي، ثم المغرب العربي (ليبيا)، وصولاً الى أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

النيوليبرالية حركة عالمية، بمعنى أنها تحتاج الى عدو في مناطق أخرى من العالم. وقد وجدت في الإسلام السياسي ضالتها. فهي تعيد استخدامه في أفغانستان، وتستخدم أخوات الطالبان الإسلامية في المناطق الأخرى من العالم. عالم يحكمه المال والسلاح. مركز الأول نيويورك ومؤسسة سويفت التي وضعت في بلجيكا حلف الناتو، ولا يمر تحويل من بلد الى بلد في العالم، إلا وله سجل في سويفت. نظام مالي لم يعد يحميه اقتصاد الغرب الرأسمالي بل الجيش الأميركي الذي يساوي في تمويله وعتاده وميزانيته ضعف جميع جيوش العالم الأخرى مجتمعة.

الطبيعة والتوازن

إن الحداثة والفردية الليبرالية اللتين أنتجتهما الثقافة الليبرالية الغربية في مأزق لم يعد ممكنا الخروج منه إلا بالقضاء على الرأسمالية بشكلها المعاصر. النيوليبراليىة التي تأخذ العالم نحو نهاية حتمية غير مبالية بالتغيير المناخي، وهي سببه، وانهيار البيئة، الى جانب انهيار المجتمعات البشرية عن طريق الفقر والمرض والجهل. لقد ضاقت الرأسمالية النيوليبرالية ذرعاً بالوجود البشري، فتنشر الهلع في أنحاء العالم عن طريق الأوبئة والحروب. وكلها أوبئة عالمية وإن تموضعت، وحروب عالمية وإن تموضعت. وقد نجحت النيوليبرالية في تشتيت العالم والتعمية على ذهن الناس بإيجاد أعداء إرهابيين، ثم دول مسلحة نووياً (روسيا) تشن الحروب يمنة ويسرة من جورجيا الى كازاخستان الى أوكرانيا. هي حرب النيوليبرالية ضد البشرية؛ أدواتها السلاح، والمال، والفاشية، والأصولية الدينية، وحروب الثقافات، ومنظمات غير حكومية، تعتقد أنها تعمل للخير عن طريق الإحسان، وتعمل لحقوق الإنسان عن طريق المحاكم (محكمة الجزاء الدولية والمحاكم الدولية الخاصة)، والقضاء الذي يعزل العاملون في مؤسساته من تركيا الى تونس وغيرهما من البلدان، وعن طريق العقوبات التي تفرض على بلدان أخرى لأهداف سياسية. فكان النظام الأميركي هو قاضي القضاة العالمي.

الخلل الذي يصيب الطبيعة صحيح. لكن الطبيعة منذ أقدم العصور أصابها خلل بعد الآخر. بالأحرى الخلل متواصل. والطبيعة تعرف كيف تعيد توازنها وإلا تتحوّل الى طبيعة ذات مواصفات أخرى. وهي تبقى جزءاً من المجرة الشمسية، وهذه جزءاً من الكون. الخلل الذي يصيب الطبيعة الأرضية الآن لا يمكن إعادة التوازن بعده.

أما الخلل الذي يصيب البشرية، فهذا يؤذن بنهايتها إلا إذا جرى القضاء على النظام السياسي-الاجتماعي-الاقتصادي الذي يسود العالم مع الايديولوجيا التي تبرر له وتجعله طبيعياً. للنظام الرأسمالي بداية، كانت منذ حوالي خمسة قرون، وستكون له نهاية. والذين جعلوه طبيعة بشرية لم يدركوا، أو أدركوا ولم يعترفوا، بأن هذا النظام لن ينتهي إلا مع جر البشرية جمعاء معه الى الهلاك. كي لا يحدث ذلك هناك حل واحد أمام البشرية في سبيل البقاء، ألا وهو العمل من أجل القضاء على هذا النظام والانتقال الى نظام أخر إنساني قائم على التعاون البشري. التعاون من أجل البقاء.

يتحدث الكثيرون من اليسار مرة أخرى عن أزمة الرأسمالية، علما بأنها قائمة على الأزمات المتوالية منذ بدايتها. لكنها نجحت في تجاوز أزماتها ولو على حساب الإنسانية. الأزمة الأخيرة هي في بعض جوانبها مالية، لكنها أزمة ناتجة أيضاً عن سلاح الدمار الشامل، بما في ذلك النووي، إضافة الى الأوبئة وحروب الإبادة، والفاشيات القومية والدينية المنتشرة في جميع أصقاع الأرض.

الإستبداد

الأزمة الأخطر هي الفقر. إذ يمتلك واحد بالمئة من سكان الأرض ما يوازي أكثر من 50% من ثروات العالم، في وقت تهبط الطبقة الوسطى الى الزوال، ويعم الفقر الذي يؤدي الى المجاعات. هي أزمة الوجود البشري. ما عاد ممكناً بقاء البشرية، إلا بعد محو الفقر وإزالة احتمالات المجاعة، وإزالة حروب الإبادة التي تُشن بواسطة المجاعات، لا بالسلاح وحده، ولا بالوباء وحده.

التمرّد على المجتمع ضروري أيضاً من  أجل تنامي الحرية، وتنامي المجتمع أيضاً. فكثير مما هو سائد في المجتمع من معرفة يفقد كونه صحيحاً مع اكتشافات معرفية جديدة. المجتمع يتطوّر بالخروج عن المألوف. المجتمع الذي يبقى على المألوف دون تطوّر وتمرّد في داخله يصاب بالركود

استلبت الرأسمالية من الإنسان كل مقومات الوجود. صادرت كل الحقوق ولم تبقِ إلا حق الوجود. فالعامل ضروري لعملية الإنتاج. ألحقته الراسمالية بالماكينة التي يعمل عليها؛ بدل أن تكون أداة يعمل عليها العامل، صار ملحقاً بها. صار مستلباً بالكامل. مجرداً من حقوقه، إلا حق الوجود. استعبدت العامل وهو يعمل حراً. ألا يعمل بموجب عقد مع رب العمل؟ وهو حر في أن يقبل العقد أو لا يقبل، لكنه في اللحظة التي يدخل بها ساحة العمل، يصبح أشبه بالعبد الذي ينفّذ أوامر سيده بالكامل وإلا طُرِدَ أو عوقب. هو حرٌ في أن يقبل عقد العمل أو لا يقبل، لكنه إن لم يقبل يصير مشرداً. وللتشرد عقوبات. هو حر في أوقاته خارج نطاق العمل لكن تحكمه الضرورة إذ لا يبقى لديه ما ينفقه على الرفاه. فالراتب يكفي لوأد الحاجة فقط. هو حر في إبداء الرأي، لكن إرهاقه في العمل لا يبقي له الوقت للتفكير لتكوين الرأي. ما أعطي العمال كماً من المال يفوق الحد الأدنى إلا في القرن التاسع عشر مع توسّع الامبريالية على حساب الشعوب الأخرى، ومن أموالهم المنهوبة. ثم في القرن العشرين خوفاً من النظام السوفياتي. عندما سقط النظام السوفياتي وصار العالم ذا قطب واحد، قُمعت الحريات تحت عنوان النيوليبرالية، وانتشرت الفاشيات، وزاد منسوب العنصرية، وازدادت الحروب. حرب أوكرانيا واحدة من حروب الفاشيات. الحرب على العرب بعد ثورة 2011 واحدة من الحروب المضادة ضد العرب.

الحوار الدائم

الحرية حتى في الغرب المتقدم تبقى مثالاً أعلى. يوتوبيا رسمتها النضالات المتتالية للشعوب. والامبريالية التي تمارسها بلدان المركز الامبريالي تبقى أبعد منالاً. إذ لا تتحالف، أو لا تدعم، أو لا تغض الطرف، إلا عن بلدان يحكمها الاستبداد. إن التحرر الوطني لا يعني أكثر من تحرر البلد، أو المجتمع، من الحكم الأجنبي الإمبريالي المباشر. أما الحرية داخل المجتمع، حرية الفرد من الاستبداد وتحكّم المجتمع، فهي ذات أولوية لدينا. وفي ذلك معضلة سوف نتطرّق إليها في الفصل التالي.

الحرية فردية. هي داخل المجتمع. من أجله وضده في آن معاً. لا يكون المرء حراً إذا لم تنبع أفكاره من ذاته ومن ضميره. هي داخل المجتمع لأن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، لا يستطيع أن يعيش لوحده. ولا أن تكون تربيته على يده وحسب. ولا يحرز المعرفة، كل معرفته من تجاربه وحسب، بل مما يُربى عليه من تراكم التجارب والمعارف في المجتمع. والقصص عن حي بن يقظان (وهناك أربعة منها في تراثنا) وعن روبنسون كروزو، وكيف أخذ كل منهما المعرفة من تجاربه الشخصية في جزيرة معزولة، هي قصص لا تعبّر عن واقع بل يوتيوبيا لا تتحقق في الواقع. يأخذ الفرد معرفته مما تراكم لديه من المجتمع. يصير بالمعرفة حراً. لكن التمرّد على المجتمع ضروري أيضاً من  أجل تنامي الحرية، وتنامي المجتمع أيضاً. فكثير مما هو سائد في المجتمع من معرفة يفقد كونه صحيحاً مع اكتشافات معرفية جديدة. المجتمع يتطوّر بالخروج عن المألوف. المجتمع الذي يبقى على المألوف دون تطوّر وتمرّد في داخله يصاب بالركود. والتسامح مع الرأي غير المألوف، أو الخارج على المألوف، فيه حفاظ على سلامة المجتمع؛ المهم أن يكون الحوار دائماً.

Print Friendly, PDF & Email
الفضل شلق

مثقف وكاتب لبناني

Download Premium WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  في رحاب جمهوريّة "السوشيل ميديا"!