إعادة إحياء النووي تتمته.. تفاهمات إقليمية

تتجه الأنظار إلى المفاوضات النووية فى فيينا لإعادة إحياء الاتفاق النووى المعروف بـ٥ زائد واحد مع إيران بعد خروج الولايات المتحدة منه مع الرئيس السابق دونالد ترامب. الجولة الثامنة من المفاوضات، والتى تشهد مفاوضات أمريكية إيرانية غير مباشرة، ستكون هى الحاسمة.

درجة التفاؤل بإعادة إحياء الاتفاق النووي، وليس بتطويره كما طرحت بعض الأفكار بهذا الشأن فى بداية المفاوضات التى انطلقت منذ أشهر عشرة تقريبا، هى الطاغية. فالطرفان المعنيان بذلك أساسا، وبرغم بعض العوائق التى تعبر عنها الشروط المتبادلة، والتى تبقى جزءا من عملية التفاوض «والأخذ والرد» ورفع سقف المطالب كما توصف عادة فى لعبة «عض الأصابع» فى المفاوضات، يرغبان بالعودة إلى الاتفاق. الأمر الأفضل من الذهاب إلى المجهول والدخول فى مسار تصعيدى، فى حال لم تتم عملية إحياء الاتفاق الذى يحظى بدعم الأطراف الأخرى الأعضاء فيه. غياب الاتفاق سيدفع إيران للعودة لتخصيب اليورانيوم بشكل تدريجى من حيث مستوى التخصيب، كما فعلت بعد الخروج الأمريكى منه. فقد انتقلت عملية التخصيب من مستوى لا يتعدى الـ٣،٧٥ حسب الاتفاق، إلى مستوى العشرين بالمائة وثم إلى الستين بالمائة. الأمر الذى يفتح الباب أمام احتمال الذهاب لاحقا إلى رفع التخصيب إلى مستوى التسعين بالمائة الأمر الذى يعنى بلوغ «العتبة النووية» أى قدرة إنتاج السلاح النووى فى فترة زمنية محددة قد تكون سنة أو أكثر إذا شاءت. يعرف ذلك تاريخيا «بالخيار اليابانى» أى تملك قدرة التحول إلى النووى العسكرى إذا شاءت الدولة المعنية ولكن دون أن يفترض ذلك بالفعل امتلاك النووى العسكرى.
من أهم المشاكل أو العوائق أمام التوصل إلى إعادة إحياء الاتفاق النووى والتى هى على طاولة المفاوضات موضوع رفع كل العقوبات الأمريكية كما تطرحه إيران. فى حين أن الموقف الأمريكى يصر على التمييز بين العقوبات المرتبطة بالاتفاق النووى ورفع هذه، مثل تحرير الأموال الإيرانية المجمدة بالعملة الصعبة بشكل أساسى ويساهم بالتالى فى تنشيط الاقتصاد الايرانى، كما أن الموقف الأمريكى يتحدث عن تعليق العقوبات وليس إلغاءها، مقابل الاستمرار فى إبقاء العقوبات الأخرى المتعلقة «بأفراد أو كيانات» إيرانية وبما يتعلق بمجال التسلح الإيرانى. فهذه كلها تتعلق بالسياسات والسلوكيات الإيرانية المرفوضة من طرف واشنطن. وهو بالطبع ما تحاول إيران العمل على إلغائه. كما طالبت إيران بالحصول على ضمانات بأن واشنطن لن تعود يوما إلى «خيار ترامب» الانسحاب من الاتفاق. وتقول الإدارة الأمريكية إنها لا يمكن أن تتجاوب مع هذا الشرط لاعتبارات تتعلق بالقوانين الأمريكية التى لا تسمح بالفرض على الرئيس الأمريكى قيودا مطلقة ومسبقة من هذا النوع. مشكلة تثيرها واشنطن من جهتها، تتعلق فى حال التوصل إلى إعادة إحياء الاتفاق بتفكيك إيران «لأجهزة الطرد» المتقدمة بشأن التخصيب النووى. الأمر الذى ترفضه طهران بغية الاستمرار فى تملك هذه الورقة الضرورية، فيما لو تراجعت واشنطن ضمن أى سيناريو مستقبلى عن الاتفاق كما حصل مع إدارة ترامب. كما أن هنالك على طاولة المفاوضات عملية إخراج اليورانيوم المخصب بدرجات تتخطى السقف الذى حدده الاتفاق النووى، الذى أشرنا إليه سابقا، من إيران. والحديث يدور حول احتمال «استقبال» موسكو لهذا اليورانيوم.

خلاصة الأمر أن التوصل إلى إعادة إحياء الاتفاق النووى أمر أكثر من ضرورى لاستقرار المنطقة ولنزع أكثر من فتيل انفجار موجود، ولكنه ليس بالأمر الكافى كما أشرنا إذا لم يتم التوصل إلى تفاهمات إقليمية بين الأطراف المعنية أساسا تقوم على أساس إعمال ما أشرنا إليه من قواعد ومبادئ تنظم العلاقات بين الدول فى الإقليم

المثير للاهتمام أيضا، وليس للاستغراب، الموقف الإسرائيلى المتابع عن قرب، وخاصة عبر واشنطن لهذا الأمر وفى فيينا مؤخرا. فالعقيدة النووية الإسرائيلية قامت على مبدأ أن إسرائيل وحدها تمتلك السلاح النووى فى المنطقة ضمن استراتيجية «الغموض البناء» أى عدم الإعلان عن ما تملكه من رؤوس نووية. وأن هنالك خطا أحمر لا تسمح بتخطيه، فيما لو حاولت أى قوة إقليمية الذهاب إلى «الخيار اليابانى» الذى أشرنا إليه، وأنها تتحرك بالتالى على هذا الأساس.
إيران تريد الاتفاق لأنه يحرر كما أشرنا قدرات مالية واقتصادية هامة وضرورية لتعزيز وتطوير الاقتصاد الإيرانى. ويساهم الاتفاق أيضا فى إعطاء قوة دفع لتطبيع العلاقات الإيرانية مع «الغرب». وتعتبر القوى الغربية أن هنالك أيضا ملفين خلافيين تجب تسويتهما مع إيران: ملف الصواريخ الباليستية البعيدة المدى التى تعتبر طهران أنها ليست على طاولة أى مباحثات مع القوى الغربية، وكذلك ملف الدور الإيرانى فى المنطقة كمصدر خلاف غربى إيرانى إلى جانب بالطبع أنه يشكل مصدر خلاف كبير إيرانى عربى. وهنالك محادثات ما زالت استكشافية من حيث عدم التوصل إلى نتائج ملموسة بين إيران وبعض القوى العربية فى هذا الخصوص، باعتبار أن هذه الأخيرة هى المعنية أساسا بهذا الدور الإيرانى، أكثر من القوى الغربية. ولا بد من التذكير بأن النجاح فى هذه المحادثات التى ما زال دونها الكثير من العوائق، بغية إقامة علاقات فى الإقليم على أساس المبادئ والقواعد المعروفة فى تنظيم العلاقات بين الدول وإدارة خلافاتها متى وجدت، أمر أكثر من ضرورى للاستقرار الإقليمى الفعلى والصلب.
خلاصة الأمر أن التوصل إلى إعادة إحياء الاتفاق النووى أمر أكثر من ضرورى لاستقرار المنطقة ولنزع أكثر من فتيل انفجار موجود، ولكنه ليس بالأمر الكافى كما أشرنا إذا لم يتم التوصل إلى تفاهمات إقليمية بين الأطراف المعنية أساسا تقوم على أساس إعمال ما أشرنا إليه من قواعد ومبادئ تنظم العلاقات بين الدول فى الإقليم.

إقرأ على موقع 180  بايدن لفريدمان: مصلحة أميركا بالعودة إلى الإتفاق النووي

(*) بالتزامن مع “الشروق

Print Friendly, PDF & Email
ناصيف حتي

وزير خارجية لبنان الأسبق

Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
free online course
إقرأ على موقع 180  أستذكرك.. الآن وغداً