إحتفالية البخاري.. أقل من عادية لولا الإبراهيمي وفرنجية!

مرت إحتفالية الطائف في لبنان بهدوء. ما كان مرسوماً لها سعودياً أنجز بنسبة كبيرة، بإستثناء الثغرة التي تسبب بها غياب الرئيس حسين الحسيني، بسبب أوضاع صحية مُدعاة، لكن قرار السعودية المفاجىء بـ"الإحتفال" بإتفاق الطائف لمناسبة عامه الثالث والثلاثين، في قصر الأونيسكو يستوجب مراجعة ولو أنها سريعة.

أولاً؛ لولا حضور شخصيتين عربية ولبنانية، لكان يُمكن أن يُقال عن المنتدى أنه أقل من عادي، لكن حضور الموفد العربي وزير خارجية الجزائر الأسبق الأخضر الإبراهيمي، أعطى الإحتفالية صفة أكثر من لبنانية، وحبذا لو تنبه القيمون على الإحتفال بأنه كان يُمكن في حضرة إتفاق الطائف الإكتفاء بالنشيد الوطني اللبناني. كما أن حضور زعيم “تيار المردة” سليمان فرنجية أعمال المنتدى، أضفى طابعاً لبنانياً إستثنائياً على المناسبة، وإن بدا هذا الحضور، جزءاً من محاولة مشروعة يقوم بها الزعيم الماروني الشمالي لكسر “الفيتو” السعودي على وصوله إلى قصر بعبدا.

ثانياً؛ من يرصد كلمات السفير السعودي وليد البخاري يكاد يتيقن أن الرجل أقام المنتدى فقط لقول كلمة واحدة بأن فرنسا أكدت للسعودية “أنه لن يكون هناك أي نية أو طرح لتغيير اتفاق الطائف”، وهذا الأمر ربما يعكس بعض المناقشات التي جرت خلال الإجتماع الفرنسي السعودي الأخير في باريس، لكن القواعد الدبلوماسية في التعامل مع هكذا مواقف تقتضي القول إن البخاري ذهب أبعد مما يريد الفرنسيون الذي كان رئيسهم إيمانويل ماكرون قد تحدث صراحة في بيروت قبل عامين ونيف عن حاجة اللبنانيين إلى عقد إجتماعي جديد. كما كان لافتاً للإنتباه غياب السفيرة الفرنسية آن غريو وصديقتها سفيرة الولايات المتحدة دوروثي شيا عن الإحتفال برغم توجيه الدعوة إليهما من السفير السعودي شخصياً.

ثالثاً؛ كان لافتاً للإنتباه غياب المكون الشيعي اللبناني عن “المسرح”، وإقتصاره على تمثيل رسمي عادي جداً لرئاسة مجلس النواب بين الحاضرين، وكادت السفارة السعودية تذهب إلى حد وضع كرسي مستقل في الصف الأمامي المتقدم لرجل الدين الشيعي الشيخ عباس الجوهري بوصفه يُمثل هذا المكون اللبناني، وفي هذه الحالة، ثمة عطب لا يليق لا بالمملكة ولا بسفارتها في بيروت. واللافت للإنتباه، وعلى عكس ما قيل، أن الرئيس حسين الحسيني قرر مقاطعة المنتدى إنسجاماً مع موقفه الرافض لأن تحاول جهات لبنانية أو عربية أن تصادر الطائف وتدعي أبوته أو أمومته، حتى أن السيدة بهية الحريري حاولت سابقاً دعوته ورفض ذلك، وبالتالي كان واضحاً بإبلاغ البخاري أن رفض الحضور هو موقف سياسي لأسباب صحية.

رابعاً؛ بدت “القوات اللبنانية” متلعثمة في خطابها ممثلة بنائب رئيس الحكومة الأسبق غسان حاصباني في الحديث عن الطائف وما يحتاجه من تعديلات، أقله ربطاً بتجربة السنوات الثلاثين الماضية. وهذا الأمر إن دلّ على شيء إنما على مدى عمق العلاقة القواتية السعودية بكل إحراجاتها، مقابل تراجع العلاقة القواتية الأميركية، بدليل إصرار القوات ـ في مرحلة ما ـ على إحالة إتفاقية الترسيم الحدودي البحري إلى البرلمان، تجاوباً مع رغبة خليجية، وذلك خلافاً لإرادة السفارة الأميركية في بيروت!

خامساً؛ بدا وليد جنبلاط منسجماً مع خطابه السياسي في المرحلة الأخيرة، ومُصمما على أنه ليس جزءاً من منظومة الفساد، حيث يرفض أن يضعه عريف الإحتفال ضمن خانة “كلهم يعني كلهم”! كما بدا منسجماً مع تموضعه السياسي قريباً من المملكة العربية السعودية ومن دون الحاجة إلى رفع سقف خطابه السياسي ضد حزب الله وإيران! كما كان جريئاً بإعلان مسؤولية حزبه عن قصف مقر إقامة اللجنة الثلاثية العربية في فندق البستان في المتن، وأرفق الإعتراف بإعتذار على عادته.

سادساً؛ أظهر حضور بعض الوجوه في الصف الأمامي، بداية إعادة تموضع رموز كانت محسوبة على عهد ميشال عون، فيما كان بعض نواب “التيار الوطني الحر” يأخذون رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في الأحضان ويتمنون على المصورين عدم أخذ لقطات لهم “حتى ما نعمل مشكل مع جبران”!

سابعاً؛ كان الأخضر الإبراهيمي صريحاً في مداخلته، كما في مقابلته، عشية المنتدى، مع الزميل وليد عبود، في القول إن إتفاق الطائف كان يهدف إلى تحقيق ثلاثة أهداف أولها إنهاء الحرب الأهلية في لبنان وثانيها إنتخاب رئيس جديد للجمهورية وثالثها وضع لبنان على سكة الإنتقال من نظام طائفي نحو رحاب نظام مدني أكثر تحرراً من الطائفية.

ولعل السؤال الذي يُطرح في المناسبة هل أن إنعقاد هذا المنتدى بعد ثلاثة وثلاثين سنة من الطائف يؤسس لحرب أهلية لبنانية جديدة أم يزيد لبنان تحصيناً إزاء أي مغامرة جديدة لإشعال الحرب مجدداً وهل يُساعد هذا المنتدى في إنتخاب رئيس جديد للجمهورية أم أنه يزيد من حدة الإنسداد الرئاسي وهل إنعقاد المنتدى يزيد من الإحتدام الطائفي في لبنان أم يساعد على نقل لبنان نحو رحاب الدولة المدنية؟

ثامناً؛ لقد سبق المنتدى ورافقه خطاب طائفي بدا معه أن معظم المسلمين السنة في لبنان، وعلى رأسهم عضوان في نادي رؤساء الحكومات، هم الأكثر حماسة لإتفاق الطائف ورفضاً للمؤتمر السويسري للحوار، فهل هذا الإصطفاف يفيد المملكة وإتفاق الطائف، وهل كان الأجدر برئيس حكومة تصريف الأعمال أن يكتفي بمن يُمثله في هذه اللحظة من الإحتدام الدستوري حول الصلاحيات بدل أن يلبي دعوة سفير دولة خليجية إلى إحتفالية من هذا النوع ومن دون وجود ممثل للمملكة ولو برتبة وزير؟

إقرأ على موقع 180  الغابون.. انقلاب "الضّرورة الفرنسية"!

تاسعاً؛ ما معنى الدعوة إلى منتدى الطائف في بيروت بغياب سعد الحريري وبهية الحريري، وهل جرى التعويض عن ذلك بدعوة شفيق الحريري؟ وهل صار سفير السعودية مقتنعاً مثلاً أن وضاح الصادق هو زعيم الغالبية السنية في لبنان، ثم ألم ينتبه القيمون على الإحتفالية أنه عند ذكر عبارة رفيق الحريري كانت القاعة تصفق كلها بينما مر ذكر أسماء الملك فهد والأمير سعود الفيصل من دون أي تفاعل من الجمهور؟
عاشراً وأخيراً؛ خلال مقابلته مع الزميل وليد عبود، أشار الإبراهيمي ضمناً إلى أن الإنتقال من اللجنة السباعية إلى اللجنة الثلاثية كان يهدف إلى نزع فتيل دولتين عربيتين كانتا تملكان “أجندات لبنانية” هما سوريا والعراق، فهل ما يسري على العراق يسري على المملكة اليوم، بوصفها تملك أجندة لبنانية وتريد الإستثمار في الطائف ورفيق الحريري واللجنة الثلاثية لأسباب لا تمت بصلة إلى الطائف ولبنان؟

Print Friendly, PDF & Email
داود رمال

صحافي لبناني

Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  "المارونية السياسية": نهاية البشيرية وإستمرار وَرَثة "الأحلام" (4)