لم يجرؤ أحد على القول إن المفاوضات قد انهارت ووصلت الی نقطة النهاية من دون التوصل إلى نتائج ملموسة. مثل هذه النهاية الدراماتيكية لا تخدم مصالح أي من الأطراف المتفاوضة ناهيك عن بقية الدول المهتمة بنتائج هذه المفاوضات سواء لأسباب إقتصادية أم أمنية أم سياسية. علی العكس من ذلك، وضعوا لها سبباً آخر هو احتياجها للتوقف بعض الشيء، في حين أعلن البعض أن “عوامل خارجية” هي التي أوصلت المفاوضات إلی هذه الحالة من الإنسداد بعدما لاحت مؤشرات حول قرب خروج الدخان الأبيض من مدخنة الفندق النمساوي العريق.
كنا نعتقد عند نشوب الأزمة الأوكرانية أنها لن تؤثر علی مفاوضات فيينا بسبب وصول هذه المفاوضات إلی نهاياتها وأنها لم تعد تحتاج سوى إلی “لمسات أخيرة” حتى تكتمل صورتها.. لكننا فوجئنا بالعقوبات الغربية التي فرضت علی روسيا وعدم تمكن الأخيرة من حسم الأوضاع في أوكرانيا بالصورة السريعة التي كان يشتهيها سيد الكرملين. لذلك، باتت مفاوضات فيينا أسيرة تداعيات الأزمة الأوكرانية؛ في الوقت الذي لم تحسم طهران موقفها حيال الأزمة الروسية ـ الأوكرانية ذلك أن كل الخيارات المطروحة أمامها صعبة.
الآن يتم الحديث عن شرط طرحته روسيا بشأن العقوبات التي وضعتها الإدارة الأميركية علی روسيا حيث تعتقد موسكو أن هذه العقوبات يجب أن لا تشمل التعاون الروسي الإيراني. هذا الشرط مهمٌ جداً لروسيا لأجل إختراق سقف العقوبات من جهة، ومن جهة أخری، فإن ذلك يساهم في تطوير مفاعلات إيران النووية التي يجب أن تصل إلی 30 مفاعلاً حسب الخطة 2040 والتي ستكون روسيا أبرز مساهم في إنشائها. لا بد من التذكير أن هذا الامر ليس هو السبب الوحيد لتوقف المفاوضات؛ بل هناك سبب آخر يتعلق بمطالب أميركية جديدة لم يكشف عنها النقاب حتى الآن، لكن المصادر الاميركية أشارت إلى أنها تتعلق بالرأي العام الأميركي الداخلي وضرورة ادراج هذه المطالب في الاتفاق من أجل معالجة الرأي العام؛ مما حدا بوزير الخارجية الايراني حسين أمير عبداللهيان إلى الرد قائلاً “اذا كانت هناك معالجة للرأي العام الأميركي، فإن الرأي العام الإيراني يحتاج إلی أضعاف الخطوات التي تطالب بها الولايات المتحدة”.
مهما يكن من سبب، فإن توقف المفاوضات في المائة متر الأخيرة من السباق، أعطی جرعة من المنشطات للسجال الإيراني بشأن الموقف من روسيا والأزمة الأوكرانية، وهو الأمر الذي انعكس علی اتفاق نووي طال انتظاره في الداخل الإيراني الذي يضغط عليه سعر صرف العملة والوضع الإقتصادي والإجتماعي الصعب.
ولا توجد مؤشرات واضحة في إيران حتى الآن حول الموقف الواجب حسمه إزاء الأزمة الأوكرانية؛ كما لا يوجد “وضوح” بشأن مستقبل العلاقة مع روسيا.
في داخل إيران، يری البعض أن إيران لا تملك خيارات متعددة بشأن روسيا التي وقفت معها في فترة العقوبات وتقف معها حالياً في المفاوضات النووية، كما أنها وقفت معها في مشروعها في سوريا؛ وبذلك تبقى أهون الضررين بالحد الأدنی
إيران تقف حائرة بين مسارين. الأول؛ أنها لا تثق بالولايات المتحدة والدول الغربية حتی تضع كل البيض في السلة الغربية وتتخذ موقفاً معادياً لروسيا ومؤيداً للدول الغربية. الثاني؛ أنها تعلم أن الوقوف مع روسيا سيضعها مجدداً أمام عقوبات جديدة ربما تكون أصعب من تلك المفروضة علی روسيا إذا ما ذهبت بعيداً في علاقاتها مع موسكو.
في داخل إيران، يری البعض أن إيران لا تملك خيارات متعددة بشأن روسيا التي وقفت معها في فترة العقوبات وتقف معها حالياً في المفاوضات النووية، كما أنها وقفت معها في مشروعها في سوريا؛ وبذلك تبقى أهون الضررين بالحد الأدنی. في مقابل ذلك، هناك نظرة تقول إن إيران يجب أن تكون علی الحياد لأن ثمة لعبة كبيرة بين دولتين متصارعتين تبحثان عن مناطق نفوذ وتكوين تحالفات واستقطابات ولا يهمهما غير مصالحهما، ومن الخطأ الانحياز لصالح هذا الطرف أو ذاك؛ ناهيك عن أن روسيا وافقت علی أربعة قرارات صادرة عن مجلس الأمن الدولي ضد إيران قبل العام 2015 حيث وضعت إحدی هذه القرارات إيران تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، كما أن روسيا لا تكترث للطلعات الجوية “الإسرائيلية” التي تستهدف المستشارين الإيرانيين المتواجدين في سوريا.
يشي هذا المناخ أن حسم الموقف الإيراني من شأنه أن يُؤثر بشكل كبير علی حلحلة عقد المفاوضات النووية بشكل مباشر أو غير مباشر؛ ولا زلت أعتقد أن إيران تواجه أزمة ثقة عميقة مع الولايات المتحدة لأسباب عديدة آخرها الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي المبرم عام 2015.
“القرارات السياسية” المطلوبة من جميع الأطراف قد تستطيع إحياء المفاوضات النووية؛ وإلا فإن وضعها تحت طائلة الأزمة الأوكرانية لا يخدم لا إيران ولا الولايات المتحدة. في نهاية المطاف، إيران دولة كبيرة في الشرق الاوسط وتمتلك أوراقاً متعددة ولعل الإقتراب منها يعني الإقتراب من هذه الأوراق ومن الشرق الأوسط الذي يسترخي علی رماله المتحركة الساخنة.