ولكي نبدأ المناقشة يجب تحديد مفهومين رئيسيين:
- السيولة وهي التجرد من الذات والإخلاص نحو المعنى.
- الأصولية وهي التضخم الذاتي على حساب الأفكار مهما كانت.
ولكن هل هناك شكل مطلق حيادي يأخذه الإنسان تجاه أي موضوع؟
يعتمد الأمر على أشياء كثيرة خارجه منها المدرَك؛ مساحات الاحتمالات للمختلِف؛ المجتمع؛ قدرته العقلية.. إلخ.
لكن المقصود هنا هو الجدال، والشكلان هما إدارة وإنتقاء المعلومات لصالح أيهما؟ مع توضيح بعض الأشكال النقدية للغة ذاتها وحمولتها.
وليس القصد هو شكل مطلق للأمر، ولا القصد هو الجدال مع المعاني في القراءة بل الشكل السائد للأمر على أنه تبادل معرِفي.
“لقد وجدنا، على العكس من ذلك، أن الاستعارة منتشرة في الحياة اليومية، ليس فقط في اللغة ولكن في الفكر والفعل. نظامنا المفاهيمي العادي، من حيث أننا نفكر ونتصرف على حد سواء، هو في الأساس مجازي في طبيعته”.
وذلك موجود في تأسيس المقارنات بين المفاهيم، الأمثلة، بنية اللغة نفسها التي لا تحوي معجماً دلالياً ثابتاً ومطلقاً وتاريخ الآداب والثقافة والخصوصية الجغرافية.. إلخ، والقدرة العقلية للأشخاص والتعبيرية.. إلخ.
في العلوم المعرفية
هناك قدرة للدماغ البشري على التفكير والتعبير، وهذا الشكل يكون في مدة زمنية معينة، أي أن الحضور المعرفي والمعلوماتي لا يكون كاملاً في أي لحظة وهذا في الشخص الواحد. “يخبرنا البحث أن الدماغ البشري يمكنه الاحتفاظ بحد أقصى حوالي سبعة عناصر مختلفة في ذاكرته العاملة قصيرة المدى ولا يمكنه معالجة أكثر من حوالي أربعة أفكار في وقت واحد. ما يعنيه “العنصر” بالضبط عند ترجمته من معمل العلوم المعرفية إلى الفصل الدراسي يكون غامضًا بعض الشيء. لكن عدد العناصر الجديدة التي يُتوقع من الطلاب تذكرها ومعالجتها في محاضرة علمية نموذجية مدتها ساعة أكبر بكثير”.
علوم الإدراك وفلسفة العلوم
تتجادل علوم الإدراك وفلسفة العلوم حول المفاهيم والتعريفات وثباتها وحركتها.
كانت النظرة الكلاسيكية تخلق المفهوم أو تُعرّفه عن طريق السمات ويوجد معادلات لهذا المفهوم وهي مبنية على ثلاثة افتراضات:
١. هي تتعلق بماهية المفهوم لا الذي يجب أن يكون عليه.
٢. تفترض مسبقاً أن المفاهيم هي تمثيلات ذهنية.
٣. أن تُمثَل بوسائل حاجة بعض الأفراد ورؤيتهم لتعريف الصفات.
كان للفيلسوف لودفيغ فتغنشتاين رأي فلسفي مختلف، فرأى أن حالات المفاهيم تلك إن لم تكن جميعها صفاتها لا يتم مشاركتها.
وفي نقاطه الجوهرية:
- طبيعة التمثيل والعلاقة بين الفكر واللغة والواقع وحدود الفكر والتمثيل. وهذا يمثِل لغة المجاز الشعر، كأن اللغة الشعرية هي اللغة الطبيعية لكل شيء. وأنه مهما خرجت اللغة في نعتها عن المجاز فهي تحمل المجاز بشروط الحدود اللغوية.
- طبيعة المنطق والحقيقة المنطقية. ينظر بصرامة إلى اللغة المنطقية ـ التي يُظن أنها منطقية ـ لأن المنطق يُنظر إليه على أنه شرط من المعنى وشرط أصيل. وهذا الشرط الثاني يهدم الزعم بدلالات واحدة لأي شيء، أي بقدرة أحد مطلقة على اللغة أو معيارية للمطلق أو القياسية.
لغة الشعر
طبيعة اللغة التي تتحكم في محدودية المعلوم الذاتي ووفرة العلوم تجعل هناك قفزات حتى بدون كيان اللغة الشِعري. وأساليب الشِعر المختلفة وأدواته من الاستعارة والتشبيه والمجاز.. إلخ.
والشكل الأساسي للإفهام وهو الأمثلة التي لا يوجد فيها أي تشابه تكويني، فالمقاربة مجازية، ولكنها أساسية للإفهام.
“بالطريقة نفسها التي تساعد بها الاستعارة على توصيل مفهوم ما من خلال مقارنته بمفهوم آخر مفهوم على نطاق واسع، فإن استخدام نموذج بسيط لوصف فكرة واحدة يمكن أن يساعدنا في فهم تعقيدات فكرة مماثلة. في كلتا الحالتين، نستخدم مفهومًا واحدًا (المصدر) لفهم الآخر بشكل أفضل (الهدف). عند استخدامها بهذه الطريقة، لا تعبر الاستعارات عن الأفكار الموجودة فحسب، بل تحفز الأفكار الجديدة”.
فلسفة الجدال
-تجب أنواع النقد المختلفة للغة والعلوم الإدراكية الشكل المنطقي للجدال، لأنه يقوم على معطيات ونتائج في حين أن المعطيات دلالات المفاهيم فيها مختلفة فإن قلت لك الله، كم صورة ستنوجد في رأسك، وأي إله؟ كم صفة حسب النظرة الكلاسيكية، وهل لمستويات الجدل بين الأطراف ومعرفتها وتصوراتها متقاربة أو على المستوى الفلسفي النظري في الكتب؟
-التداخل الكبير بين العلوم الإنسانية يؤسس المحدودية المعرفية. مثلا “الله” يُنظر له بطرق كثيرة ويختلف التعاطي معه فالله في فلسفة سبينوزا غير ليفيناس غير ابن سينا.. إلخ وحتى الأنطولوجية مختلفة.
-أن الاستخدام الأناوي فيه أقوى من الاستدلال المعرفي نظراً للمفهوم السائد بالانتصار أو الأفضلية.. إلخ. وهذا التعبير الأناوي يقوم على لامنطقية كون الهوية إشكالية كبرى.”يمكننا في الواقع أن نفوز أو نخسر الحجج. نحن نرى الشخص الذي نتجادل معه على أنه خصم. نحن نهاجم مواقعه وندافع عن مواقعنا. نحن نكسب ونفقد الأرض. نحن نخطط ونستخدم الاستراتيجيات. إذا وجدنا موقعًا لا يمكن الدفاع عنه، فيمكننا التخلي عنه واتخاذ خط هجوم جديد. كثير من الأشياء التي نقوم بها في الجدال منظمة جزئيًا على أساس مفهوم الحرب. على الرغم من عدم وجود معركة جسدية، إلا أن هناك معركة لفظية”.
-استعمال اللغة مع معرفة نسبيتها أمر واستعمالها بشكل أكيد أمر آخر. وهذا الأكيد غير حقيقي لأنه يوجد تفرعات ودلالات شتى لأي مفهوم. فالمعرفة تزيد الشكية في حمل اللغة لثابت. وأيضا أن السهولة المعرفية في تناول الأشياء وتخليص الإجابات المطلقة شكل غير حقيقي. “اللغة المحققَة، تحررت تحت علامة الفردانية الراديكالية، والتي تظل في نفس الوقت واعية للحدود التي ترسمها اللغة، والإمكانيات التي تفتحها”.
-لا يمكن الاعتماد في أي مجال من مجالات العلوم الإنسانية على العلم نفسه فقط بدون معرفة شيء عن اللغة، لأنها ممتدة في كل شيء.
المراجع
- Metaphors We Live byby George Lakoff, Mark Johnson
- تعرف العلوم الاستعرافية أو علوم الإدراك Cognitive science عادة على أنها الدراسة العلمية للعقل أو الذكاء. علم الاستعراف تخصص جامع لعدة علوم، فهو يأخذ، يساهم ويتكامل مع علم النفس (خاصة علم النفس الاستعرافي) ومع الذكاء الاصطناعي، واللسانيات لغويات، وكذلك اللسانيات النفسية علم اللغة النفسي، والفلسفة (خاصة فلسفة العقل)، وعلوم الحاسب، والعلوم العصبية علوم عصبية، والمنطق، والروبوتات روبوتية، وعلم الإنسان أو ما يدعى بالأنثروبولوجيا علم الإنسان وأخيرا علم الأحياء بما في ذلك الميكانيك الحيوي ميكانيكا حيوية.
- https://fs.blog/how-people-learn
- Conceptual Metaphor in Everyday Language, George Lakoff and Mark Johnson
- Celan, Paul. 1999. Meridian, Tübinger Ausgabe. Endfassung, Vorstufen