بايدن “قمة الديمقراطية”.. أنظروا إلى جوانتانامو!

بدأت أمس (الخميس) فى العاصمة الأمريكية أعمال قمة افتراضية حول الديمقراطية والتى يستضيفها الرئيس جو بايدن، فى الوقت ذاته لا يزال معتقل جوانتانامو يعمل بعيدا عن أى التزام بالقوانين والقواعد القضائية الأمريكية.

يهدف جو بايدن من “قمة الديمقراطية” تعزير إدارته بجعل الديمقراطية وحقوق الإنسان فى قلب السياسة الخارجية الأمريكية، وتعكس هذه القمة إيمان الرئيس الأمريكي الراسخ بضرورة أن تتوحد الديمقراطيات وتتعلم معا وتقف معا وتعمل معا لمواجهة التحديات الدولية الأكثر إلحاحا.
وقبل 20 عاما عمدت إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش الابن إلى استخدام معتقل جوانتانامو الواقع جنوب شرقى جزيرة كوبا، بصورة مؤقتة، كمركز اعتقال للمتهمين بارتكاب أعمال إرهابية ضد الولايات المتحدة عقب بدء الحرب فى أفغانستان والتى شنتها واشنطن بعد أحداث 11 سبتمبر 2001.

***

لم يستغل بايدن وجود أغلبية ديمقراطية فى مجلسى الكونجرس، الشيوخ والنواب للدفع بغلق معتقل جوانتانامو، ووضعه ضمن أولويات إدارته، ولم يستغل بايدن كذلك انتهاء الحرب الأمريكية على الإرهاب الدولى بالانسحاب العسكرى الأمريكى من أفغانستان فى شهر أغسطس الماضى للدفع بغلق المعتقل الذى مرت قبل أيام الذكرى العشرين لبدء استخدامه.

هل تعزيز الديمقراطية فى العالم هو حقا مصلحة حيوية للولايات المتحدة، وهل هذا الهدف فى الواقع قابل للتطبيق؟ وهل توفر القمة فرصة مفيدة لإصلاح الأنظمة السياسية الاستبدادية لمنافسى واشنطن الأساسيين مثل الصين وروسيا، وحلفاء واشنطن الإقليميين فى الشرق الاوسط؟

جمع بايدن ممثلى 110 دول من مختلف بقاع العالم، إضافة لمجموعة واسعة من المدافعين عن الديمقراطية والصحفيين وأفراد من القطاع الخاص وأعضاء المجتمع المدنى، وكذلك مشرعين ومسئولين حكوميين محليين ضمن فعاليات جانبية رسمية حول التجديد الديمقراطى. ويهدف بايدن إلى تحفيز العمل عبر عدة ركائز، منها تعزيز الديمقراطية والدفاع ضد الاستبداد، ومحاربة الفساد، وتعزيز احترام حقوق الإنسان.

***

كررت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكى أن بايدن يريد إغلاق معتقل جوانتانامو، وقالت إن إغلاقه «بالتأكيد هدفنا ونيتنا».
ومنذ استخدام جوانتانامو معتقلا للمشتبه فى تورطهم بقضايا إرهابية عقب هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 مر المعتقل بالعديد من المراحل، وفشلت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما ــ الذى كان بايدن نائبا له ــ فى إغلاقه على الرغم من تعهده بذلك.
وأصبح المعتقل علامة شديدة السلبية على سمعة الولايات المتحدة عبر العالم، وتعترض مساعى إغلاق المعتقل 3 عوائق أساسية هى موافقة الكونجرس ومصير المعتقلين والمحاكمات العسكرية. ويُعتقد على نطاق واسع أن إغلاق المعتقل سيساعد على تحسين بيئة الأمن الأمريكى مع استعادة واشنطن دور القيادة الذى تخلى عنه ترامب فى الكثير من الملفات الدولية.
وكانت إدارة أوباما وضعت عملية قانونية وسياسية صارمة لفحص كل سجين واقتراح نقل بعض السجناء للخارج، ولم يبق عند مغادرة أوباما البيت الأبيض فى 20 يناير 2017 إلا 41 سجينا فقط بالمعتقل.
وحتى اليوم، لا يزال المعتقل موجودا ويقبع فيه عدد من المتهمين بالإرهاب، على رأسهم خالد شيخ محمد الذى يوصف بأنه العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر.
وشهد المعتقل حالات واسعة من انتهاك حقوق المعتقلين وحرمانهم من محاكمات عادلة، إضافة لممارسة التعذيب فى أقبح صوره.
يتطلب إغلاق معتقل جوانتانامو اليوم التعامل مع ملفات 41 سجينا متبقيا فقط، وبوسع إدارة بايدن أن تكمل هذه المهمة بأمان من خلال إدراك الثمن السياسى الكبير للإغلاق، والعمل على إقناع الكونجرس بجدوى هذه الخطوة.

***

هل يمكن لبايدن أن يتجاهل إغلاق معتقل جوانتانامو فى وقت يحاضر فيه العالم عن ضرورة الالتزام بحقوق الإنسان وسيادة القانون؟

تطرح قمة الديمقراطية فى حد ذاتها عدة أسئلة منها:
هل تعكس قمة الديمقراطية انقساما معاصرا جديدا بين الدول الديمقراطية والسلطوية، أم أنها محاولة لتطبيق نموذج الحرب الباردة على وضع مختلف وأكثر تعقيدا بحيث يُظهر واشنطن فى جانب وموسكو وبيكين فى جانب آخر.
ما هو منطق إدارة بايدن التى تسعى للتعاون بشكل عملى وناجح مع الصين وروسيا تجاه قضايا عالمية مثل تغير المناخ، فى الوقت الذى تُقسم العالم فيه إلى ديمقراطيات وديكتاتوريات، وأن الديمقراطيات وحدها هى التى تتمتع بمصالح مشروعة حقا، وأنه يجب التضييق على النظامين السياسيين الروسى والصيني؟
ما هى جدوى وطبيعة وفعالية سلاح العقوبات الاقتصادية التى تنوى واشنطن توسيع استخدامه ضد منتهكى حقوق الإنسان فى العديد من الدول. ومنذ وصوله للحكم، فرض الرئيس بايدن عقوبات على جهات ومسئولين فى عدة دول منها إيران ولبنان وروسيا والصين وإريتريا وأثيوبيا وروسيا البيضاء؟
ما مصير التناقضات والنفاق من خلال تسييس الأطراف المشاركة فى القمة (دعوة الهند وعدم دعوة تركيا). الهند حليف هام فى المواجهة الأمريكية مع الصين، وتغاضت واشنطن عن انتهاكات الحكومة الهندية لحقوق الإنسان واستهداف المعارضين والأقليات غير الهندوسية، فى وقت تم استبعاد تركيا ــ العضو بحلف الناتو ــ بسبب سجل الحكومة التركية فى التضييق على المعارضين وعلى حرية الصحافة؟
هل ستعزز قمة الديمقراطية القيادة الأمريكية فى العالم؟ أم أنها ستؤدى بدلا من ذلك إلى زيادة الحديث عن نفاق واشنطن والمعايير المزدوجة الانتقائية التى تستخدمها الولايات المتحدة لخدمة مصالح سياستها الخارجية؟
هل تعزيز الديمقراطية فى العالم هو حقا مصلحة حيوية للولايات المتحدة، وهل هذا الهدف فى الواقع قابل للتطبيق؟ وهل توفر القمة فرصة مفيدة لإصلاح الأنظمة السياسية الاستبدادية لمنافسى واشنطن الأساسيين مثل الصين وروسيا، وحلفاء واشنطن الإقليميين فى الشرق الاوسط؟ أم أنها تؤدى إلى تفاقم العلاقات المتوترة تجاه عدد من الملفات بالفعل مع هذه الأطراف؟

إقرأ على موقع 180  إدارة بايدن.. أي أولويات وأي سياسات

***

فى النهاية، هل يمكن لبايدن أن يتجاهل إغلاق معتقل جوانتانامو فى وقت يحاضر فيه العالم عن ضرورة الالتزام بحقوق الإنسان وسيادة القانون؟

(*) بالتزامن مع “الشروق

Print Friendly, PDF & Email
محمد المنشاوي

كاتب متخصص في الشؤون الأميركية، مقيم في واشنطن

Download WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
Free Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  "بلومبيرج": الناتو الشرق أوسطي.. حبرٌ على ورق!