في الشهر الماضي، أخذت الكلمة خلال المؤتمر الافتتاحي للشبكة الإفريقية للتضامن مع فلسطين بداكار في السنغال. وقد اجتمع هناك مناضلون من 21 بلدا إفريقيا لبناء حركة على مستوى القارة لدعم نضال التحرير الفلسطيني ضد الفصل العنصري الإسرائيلي. كان لي الشرف أن أكون إلى جانب العديد من الشباب الأفارقة الشجعان الذين أعادوا التأكيد على الموقف التاريخي لقارتنا بخصوص فلسطين والعلاقة الراسخة مع الفلسطينيين: شعبان يشتركان في كفاح مشترك ضد الاحتلال والاستعمار والفصل العنصري1. أتصور أن جدي، نيلسون مانديلا، قد شعر هو كذلك بأنه بين رفاقه عندما سافر قبل 60 سنة إلى داكار لحشد الدعم الإفريقي لكفاح تحرير جنوب إفريقيا.
ناقش مندوبو الشبكة اختراق دولة الفصل العنصري إسرائيل لإفريقيا، والتي تعتمد على توفير التكنولوجيات العسكرية والمراقبة للعديد من الحكومات القمعية. ومن خلال هكذا أعمال، تُضعف إسرائيل الديمقراطية وحقوق الإنسان في إفريقيا وأيضا التضامن مع فلسطين في القارة. وقد أيّدتُ هذا التشخيص عندما أخذتُ الكلمة خلال الحدث العام الذي نظمته الشبكة يوم 12 مارس/آذار، وأبرزتُ كيف غرست إسرائيل مخالبها في إفريقيا.
تسعى إسرائيل بشدة إلى إيجاد حلفاء لها، في الوقت الذي بات عدد متزايد من منظمات حقوق الإنسان التي تحظى باحترام كبير يصفها بدولة الفصل العنصري، وتستخدم أدوات المراقبة والتكنولوجيا العسكرية والزراعية كورقة للمساومة ولشراء شرعية لها في إفريقيا. وفي هذا السياق، توغلت إسرائيل في الهياكل الإفريقية بطرق عدة، بعضها علنية والآخر أكثر سرية. هذا الكلام ليس معاديا للسامية، كما زعمت ذلك بشكل هستيري بعض وسائل الإعلام الموالية لإسرائيل في جنوب إفريقيا. وقد حكمت المحكمة الدستورية مؤخرا في جنوب إفريقيا أن انتقاد إسرائيل لا يعني مهاجمة اليهودية. هناك فرق واضح بين اليهودية والصهيونية وبين الشعب اليهودي وممجدي إسرائيل.
تعتمد إسرائيل بقوة على العديد من الشركات الإسرائيلية الخاصة ورجال أعمال ومستشارين ووسطاء يستفيدون من ولوجهم إلى كواليس السلطة في القارة لخدمة مصالح الدولة الإسرائيلية. فـ“دبلوماسية الوسطاء” الإسرائيلية هي فعلا في تنام كبير في إفريقيا
تأجيج الحرب
لقد قامت إسرائيل بتسليح نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا في السبعينيات والثمانينيات الماضية. وخلال سنوات التسعين، انتهكت الحكومة الإسرائيلية حظر الأسلحة الدولي المفروض على رواندا وزودت كلا من قوات الهوتو الحكومية وجيش بول كاغامي المتمرد بالأسلحة، وذلك أثناء حصول عملية الإبادة الجماعية. كما انتهكت إسرائيل حظر الأسلحة الدولي مجددا من خلال تزويد كل من الميليشيات الموالية للحكومة وقوات المعارضة في جنوب السودان بالأسلحة، في إطار الحرب الأهلية التي تدمي هذا البلد. وقد حوّلت شركات الأسلحة الإسرائيلية دون استحياء ما قيمته 150 مليون دولار من الأسلحة الهجومية تحت غطاء مشروع زراعي لجنوب السودان. كما تقوم إسرائيل منذ سنوات بتدريب وتسليح الوحدات العسكرية التي تحمي الأنظمة الرئاسية القمعية في الكاميرون وأوغندا وغينيا الاستوائية وتوغو. وهي بذلك تساهم في إبقاء دكتاتوريين في السلطة.
توفر أيضا إسرائيل الأسلحة السيبرانية، مثل برنامج التجسس بيغاسوس لمجموعة “إن إس أو”، وبرنامج “سيركلس”، لعدة حكومات إفريقية لسحق المعارضة وقمع الصحفيين والمعارضين السياسيين ونشطاء حقوق الإنسان. بل وحتى التجسس على قادة أفارقة آخرين بما في ذلك رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا. يسمح برنامج التجسس هذا باختراق الاتصالات المشفرة لأي هاتف ذكي يعمل بنظام أندرويد أو آيفون. وخلال السنوات الأخيرة، غازلت إسرائيل القادة الأفارقة بإهدائهم تكنولوجيات التجسس على أمل كسب دعمهم في الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي. وقد كانت مساعدة القادة على البقاء في السلطة على حساب حقوق الإنسان في إفريقيا وسيلة فعالة للحكومة الإسرائيلية لربط صداقات في القارة.
التدخل في الإنتخابات الإفريقية
كما تدخلت شركات وأفراد إسرائيليون في الحملات الانتخابية في كل الدول الإفريقية تقريبا، مما يقوّض بعض الديمقراطيات الأكثر استقرارا في القارة. فعلا، لوحظ تدخل إسرائيلي قوي قبل انتخابات 2014 في بوتسوانا، حيث أقام العشرات من المستشارين الإسرائيليين المرتبطين بالموساد، “خلية حرب” لفائدة الحزب الحاكم.
كما استُعمل برنامج بيغاسوس للتجسس على الصحفيين وشخصيات سياسية أخرى قبل الانتخابات في غانا سنة 2016. وكشفت جريدة “ذي هيرالد” الغانية سنة 2020 عن تورط شخصيات استخباراتية إسرائيلية كانت تحاول التأثير على نتيجة الانتخابات الوطنية التي انعقدت تلك السنة.
وتم تقديم تأكيدات مماثلة بشأن تورط خبراء المخابرات الإسرائيلية قبل موعد الانتخابات الرئاسية في مالاوي سنة 2020. وقبل ذلك، كانت القوائم الانتخابية والنظام الانتخابي في زيمبابوي وزامبيا هي الأخرى في يد شركة إسرائيلية مرتبطة بالموساد. كما قامت مجموعات إسرائيلية بحملات تضليل إعلامي في إفريقيا. وفي سنة 2015، قبل الانتخابات في نيجيريا، اخترق خبراء إسرائيليون البريد الإلكتروني الشخصي لمرشح المعارضة آنذاك محمد بوخاري. كما تم استخدام تلك المعلومات المسروقة خلال حملات تضليلية على واتساب وعلى فيسبوك ضد بوخاري.
بعد أربع سنوات من ذلك، بدت مجموعة أرخميدس – وهي مجموعة استشارية إسرائيلية كانت تتفاخر على موقعها الإلكتروني بأنها تستطيع “تغيير الواقع وفقا لرغبات زبائنها” والتأثير بشكل ملحوظ في الانتخابات الرئاسية في جميع أنحاء العالم – كأنها تدعم بوخاري عندما فاز هذا الأخير بالانتخابات سنة 2019. بل وظهرت منشورات على فيسبوك مدعومة من مجموعة أرخميدس تشيد ببوخاري وتذم خصمه آنذاك آتيكو أبوبكر.
لا يتعلق الأمر إذا بشركات خاصة تمارس نشاطا تجاريا في إفريقيا. بل يتعين على الشركات الإسرائيلية المتخصصة في الأسلحة وتكنولوجيات التجسس الحصول على تراخيص تصدير من وزارة الدفاع الإسرائيلية. وبالتالي، تتمتع الحكومة الإسرائيلية بوسيلة نفوذ أساسية، وهي تجعل من هذه الشركات امتدادا لسياستها الخارجية. وقد صرّح أحد مساعدي رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو: “بما أن وزارة دفاعنا تتحكم في تداول هذه الأنظمة، سنكون قادرين على استغلالها وجني فوائد دبلوماسية منها”.
تعتمد إسرائيل بقوة على العديد من الشركات الإسرائيلية الخاصة ورجال أعمال ومستشارين ووسطاء يستفيدون من ولوجهم إلى كواليس السلطة في القارة لخدمة مصالح الدولة الإسرائيلية. فـ“دبلوماسية الوسطاء” الإسرائيلية هي فعلا في تنام كبير في إفريقيا.
دبلوماسية دفتر الصكوك
باسم التنمية والأمن الغذائي، تَعِدُ إسرائيل إفريقيا بتقنيات الزراعة والمياه. غير أنها لن تساهم في محاربة الفقر في إفريقيا إلا إذا كان الأمر يتناسب مع مصالحها السياسية. إذ عندما قدمت السنغال سنة 2016 قرار الأمم المتحدة رقم 2334 الذي أكّد مجددا على عدم شرعية المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية، ردّت إسرائيل بإلغاء جميع برامج المساعدة التي كانت موجّهة لهذا البلد، على الرغم من أن وزارة الخارجية الإسرائيلية كانت قد روّجت لها على نطاق واسع، واصفة إياها بأنها جزء من مساهمة إسرائيل في محاربة الفقر في إفريقيا.
إن مساعدات إسرائيل للدول الإفريقية، سواء كانت زراعية أو عسكرية أو من خلال تقنيات المراقبة، ليست خيرية. فهي تتطلب مقابلا دبلوماسيا في إطار الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي. ويبدو الأمر وكأنها عملية مقايضة متعالية، بل إنها دبلوماسية دفتر الصكوك. تلك هي حقيقة المشروع الصهيوني في إفريقيا.
هكذا أُعمي بصر إفريقيا بوعود إسرائيل في مجال الأسلحة وبرامج التجسس والمساعدات، وهي التي كانت في السابق معقلا للتضامن الفلسطيني، لدرجة أنه تم استضافة دولة الفصل العنصري في الاتحاد الإفريقي. علينا أن نفكر بعمق في كيفية تغلغل الدبلوماسية الموازية لدولة الفصل العنصري الإسرائيلي في النفس الإفريقية. كما علينا أن نصدّ جهود إسرائيل لاستمالة إفريقيا. إن لم نفعل ذلك، فسنواصل التواطؤ في إراقة الدماء في إفريقيا وفلسطين على حد سواء. (المصدر: أوريان 21)