إسرائيل تغتال صلاح شحادة و”الأضرار الجانبية”.. مجزرة! (104)

في كتابه "انهض واقتل أولاً، التاريخ السري لعمليات الإغتيال الاسرائيلية"، يستفيض الكاتب رونين بيرغمان في شرح عملية صناعة قرار "القتل المتعمد" في أروقة الاستخبارات "الإسرائيلية"، في محاولة لتبرير جريمة إغتيال القائد الفلسطيني صلاح شحادة بغارة جوية أدت إلى سقوط مائتي شخص بين قتيل وجريح.

يقول رونين بيرغمان إنه في بعض الأحيان، يأخذ صُنّاع القرار (القتل المتعمد والاغتيال) بالاعتبار بصورة دقيقة قتل أناس حول الهدف المنوي تصفيته إذا تعذر الوصول اليه مُنفرداً، في هكذا وضع فان الجيش “الإسرائيلي” و”الشين بيت” يسألون قسم القانون الدولي لإرسال مندوب عنه الى غرفة الحرب المشتركة (حيث تُدار عملية القتل المتعمد او الاغتيال) ما يؤدي، وفق ما ينقل بيرغمان، عن رئيس هذا القسم حينها دانيال رايزنر حسب قوله “إلى وضع ممثلي قسم القانون الدولي في وضع معقد، لأنه من الواضح اذا كان هناك محام حاضر في الغرفة ولم يقل لا فكأنه يقول نعم (لعملية القتل)”. وقد جرى ضم المحامي العسكري العام الى اجتماع هيئة الأركان وجعلوه شريكاً في الاستشارات الأمنية فائقة السرية. وكان “الشين بيت” يُقدّم ملفات الأشخاص المنوي قتلهم الى المحامين الذين يأخذون وقتهم في دراستها، وكان رايزنر وقسم القانون الدولي يحضرون بصورة متواترة الى غرفة الحرب المشتركة خلال عملية تنفيذ القتل المتعمد، وكان حضورهم يشكل “غطاءً قانونياً”.

ويتابع بيرغمان: “هنا يبرز السؤال كم من الأرواح البريئة، ان كان لا بد من الامر (القتل المتعمد)، مسموحٌ لـ”إسرائيل” ازهاقها او تهديدها من اجل قتل “إرهابي” خطير”؟ هنا ينقل بيرغمان عن رايزنر قوله “ان الإرهابيين استغلوا بشكل كامل حساسيتنا من أذية الأبرياء، وكانوا يحملون الأطفال بين أذرعهم ليعبروا الطريق ويحيطون أنفسهم دائما بالمدنيين، وفي احدى المرات التي كنت فيها حاضراً في غرفة الحرب المشتركة عندما أطلق صاروخ على إرهابي يقف على سطح مبنى، رأيناه فجأة يلتقط طفلاً، بطبيعة الحال على الفور أعطيتُ الامر لحرف الصاروخ الى أرض مفتوحة”!!!!

يعالون: أخبرت الأمريكيين في أول مرة أوقفنا العملية لأن زوجته كانت معه وهو لا يتحرك من دونها. كان هذا الامر جنوناً بالنسبة للأمريكيين، وسألوني باستهجان “بسبب زوجته اوقفتم الهجوم”؟ فتوصيفهم للأضرار الجانبية يختلف عن الحمّالات التي كبلنا أيدينا بها”

ينقل بيرغمان عن رايزنر قوله “كان يجري الحكم على كل حالة بحالتها، ولكن لدينا قاعدة واضحة، فكلنا كنا آباء ولا يمكن أن نقر قتل أطفال، ولم نُوقّع ابداً على عملية اغتيال تتضمن ذلك”، وعندما كانت المعلومات الاستخبارية المسبقة “تؤكد وجود أطفال” في منطقة القتل، كان لا يُسمح بتنفيذ العملية، ومع ذلك فان وجود عدد قليل من الناس الكبار في السن حول الهدف لم يكن بالضرورة ليوقف العملية حتى لو لم يكن هؤلاء الكبار على علاقة بمنظمات “إرهابية”، والقاعدة نفسها تنطبق على الزوجات والأصدقاء ومختلف أنواع الناقلين، مثل سائقي التاكسي.

ويضيف بيرغمان ان عملية “حامل الراية” (اسم عملية اغتيال صلاح شحادة) “كانت شائكة، ووفقا لملفات “الشين بيت” فقد جرى إيقاف تنفيذ العملية مرتين خوفاً من التسبب بأذية مدنيين؛ المرة الأولى كانت في السادس من مارس/آذار عام 2002 عندما رُصِد حينها شحادة في شقة جنوب غزة، ولكن نظراً لوجود عدد كبير من المدنيين في المبنى، بالإضافة إلى زوجته ليلى وربما إبنته ايمان (15 سنة)، تم وقف الهجوم، بعد ذلك بثلاثة أيام، فجر انتحاري نفسه في مقهى “مومنت” قرب منزل رئيس الوزراء في القدس ما أدى الى مقتل 11 مدنياً. وفي السادس من يونيو/حزيران، الغيت محاولة ثانية لقتل شحادة لأسباب مشابهة، ولكن بعدها بـ 12 يوماً قتل انتحاري من الجناح العسكري لحركة “حماس” 19 مسافراً في حافلة في مدينة القدس”.

وينقل بيرغمان عن رئيس الأركان في الجيش “الإسرائيلي” حينها موشيه يعالون قوله انه بعد ذلك بات الإحباط ملموساً في المؤسسة الأمنية “لقد اخبرت نظرائي الأمريكيين، فأغضبهم الأمر وأخبرتهم في أول مرة أوقفنا العملية لأن زوجته كانت معه وهو لا يتحرك من دونها. كان هذا الامر جنوناً بالنسبة للأمريكيين، وسألوني باستهجان “بسبب زوجته اوقفتم الهجوم”؟ فتوصيفهم للأضرار الجانبية يختلف عن الحمّالات التي كبلنا أيدينا بها”.

وفي يوليو/تموز عام 2002، أقر وزير الدفاع بنيامين بن اليعازر خطة أخرى لقتل صلاح شحادة، يقول بيرغمان، وكانت هذه الخطة تقضي بتفجير الشقة، وفي هذه المرة كانت القيود المتعلقة بالخسائر المدنية مختلفة. وينقل عن بن اليعازر كتابته في أمر التنفيذ “مرة أخرى إذا كان هناك نساء أو أطفال في الشقة المستهدفة، فإن العملية غير مرخص بها”. ولكن هذه المرة زوجة شحادة كانت استثناءً، فاذا حدث وكانت في الشقة خلال العملية فان بالإمكان مواصلة التنفيذ أما الرجال، اذا ما كانوا أقرباء او مجرد مارة مدنيين او أبرياء كانوا أيضا استثناء ومن المسموح قتلهم. ويضيف يعالون “في النهاية لم يكن لدينا خيار، لم يعد باستطاعتنا فعل أي شيء آخر ومع مرور الوقت كنت تشاهد الدماء اليهودية تسفك مراراً وتكراراً”.

رئيس جهاز “أمان” اهارون زئيفي فاركاش: “لو لم نتخلص من اشخاص مثل شحادة كان سيتأذى المزيد والمزيد من الإسرائيليين، ففي أوضاع مماثلة يستحق مدنيون فلسطينيون ان يتأذوا، وعندما تُخيّر بين طفلين أفضل ان لا يبكي الطفل اليهودي”

يواصل بيرغمان، “كان صلاح شحادة دائم الحركة، ولكن جرى رصده في 19 يوليو/تموز في مبنى مؤلف من ثلاث طبقات في حي الدرج الشعبي بشمال مدينة غزة وكان المكان مكتظاً بالناس النازحين. وبحسب الاستخبارات من مصادر بشرية فان الطابق الأرضي كان عبارة عن مخازن فارغة، ما يجعله مبنى نموذجياً لإسقاط قنبلة عليه، على ان يتم ذلك بسرعة قبل ان يتحرك شحادة مرة أخرى. لم يكن نائب المدير يوفال ديسكين متحمسا للمضي في العملية فطلب من ضباط مكتب الاستخبارات المزيد من المعلومات. حتى لو كان المبنى المستهدف فارغاً فإنه كان محاطاً بأكواخ من الصفيح من المرجح ان عائلات بأكملها تعيش فيها، وطلب تقريراً عن رؤية ميدانية – قناص مثلاً – ليؤخذ الموضوع بالاعتبار. قسم “بحث الأداء” (قسم في سلاح الجو مسؤول عن النتائج المتوقعة للهجوم) قدّر أنّه ستكون هناك “أضرار جانبية هائلة” في الأكواخ. وخلال النقاش في الجيش “الإسرائيلي” أثيرت شكوك جدية أيضا ونصحت مديرية العمليات في هيئة الأركان العامة بالتريث لمدة 48 ساعة “لإفراغ اكواخ الصفيح والتأكد ان لا أحد باق فيها”، واعرب نائب رئيس الأركان غابي اشكنازي عن تحفظه على تنفيذ العملية قبل معرفة المعلومات. ولكن الضغط كان هائلاً لتصفية شحادة، ورفض ضابط من “الشين بيت” في المنطقة الجنوبية التقييم الذي قدمه يوفال ديسكين قائلاً لمدير “الشين بيت” آفي ديختر إن تقارير استخباراته تفيد ان اكواخ الصفيح تكون فارغة من سكانها خلال الليل، فاقر ديختر التنفيذ الفوري لعملية اغتيال شحادة بإسقاط قنبلة من مقاتلة تابعة لسلاح الجو. وأيّد القرار رئيس جهاز “أمان” اهارون زئيفي فاركاش الذي قال لاحقاً “لو لم نتخلص من اشخاص مثل شحادة كان سيتأذى المزيد والمزيد من الإسرائيليين، ففي أوضاع مماثلة يستحق مدنيون فلسطينيون ان يتأذوا، وعندما تُخيّر بين طفلين أفضل ان لا يبكي الطفل اليهودي”.

إقرأ على موقع 180  عَمَّا فَعَلَ الحَجَر

وحسب رواية بيرغمان “استقل الطيار مقاتلة الـ إف 16 المتوقفة على مدرج قاعدة هاتزور التابعة لسلاح الجو جنوب وسط تل ابيب، وكانت طائرته مجهزة بقنبلة زنة طن من المتفجرات، علماً ان قنبلتين من نصف طن لكل منهما كان يمكن ان تحدا من الأضرار وتحصرا بقعة الانفجار، ولكن لم يكن معروفاً بالضبط أين سيكون شحادة داخل المنزل ولم يكن من جدوى تدمير الطابق الثاني إن كان هو ينام قرب الباب المحاذي للشارع، لذلك فان قنبلة أكبر كان من شأنها تأكيد قتله”.

لاحقاً، تبين أن يوفال ديسكين، المسؤول المباشر عن تنفيذ عملية “القتل المتعمد”، لم يكن مقتنعاً كلياً بأن التقديرات بشأن وجود إبنة صلاح شحادة (ايمان) في المنزل ضعيفة فاتصل بديختر وأخبره عن شكوكه ونصح بوقف الهجوم وبحسب لجنة تحقيق رسمية “فان مدير الشين بيت وازن كل داتا المعلومات والتقديرات ووصل الى استنتاج ان هناك تقديرا عاليا لاحتمال عدم وجود ايمان في المنزل وبناء على ذلك اعطى الامر بتنفيذ العملية”. اتصل ديختر بالمساعد العسكري لرئيس الوزراء الذي أيقظ بدوره أرييل شارون من النوم فبادر الأخير الى السماح “بالتنفيذ الفوري” للغارة الجوية، يقول بيرغمان.

وما أن بدأ الطيار بإغلاق قمرته “حتى أتى إليه قائد القاعدة الجوية راكضاً وتسلق سلم الطائرة وسأل الطيّار والملّاح “أتريدان أن تعرفا من هو هدفكما”؟، فقال له الطيار “إبتعد عن طائرتي، لا نريد أن نعرف. الامر لا يهمنا أبداً”. وفعلاً لا يهمهما الأمر، فالرجال الذين كانوا ينفذون عمليات القتل المتعمد والذين كانوا يطيرون في مهمات لإسقاط القنابل غالباً كان يوضع بتصرفهم أقل قدر ممكن من المعلومات، فمن الارتفاع الذي ينفذون فيه عمليتهم كل ما كانوا يرونه هو مجرد أهداف صغيرة محددة بإحداثيات من 12 رقم ولم يكن هناك أي حاجة لمعرفة المزيد”، حسب رواية بيرغمان.

أطلق البوق وافسحت الطريق امام مقاتلة الـ إف 16 للإقلاع. كانت الساعة الحادية عشرة ليلاً في 22 يوليو/تموز وكانت مدة الرحلة من قاعدة هاتزور الى غزة دقيقتين فقط، ولكن الأوامر للطيار قضت بان يطير غرباً فوق البحر بعيداً في الظلام، وقال الطيار لاحقاً “كان صلاح شحادة يشم رائحة الطائرات. يسمعها فيهرب. انتظرنا فوق البحر خمسين دقيقة حتى قال لي المشرف على الرحلة عبر جهاز الارسال اشتبك”. استدارت الطائرة التي كانت متجهة شرقاً عائدة الى الغرب والقت قنبلتها وقال الطيار “تماماً كما تشاهد في الأفلام السينمائية، هكذا يبدو الأمر. قصفنا الهدف فانهار المبنى بأكمله”.

جدعون ليفي: الفائدة مقابل الكلفة في عملية الاغتيال كانت مريعة، مريعة. فالحالة هي بوضوح عائلات بأكملها مسحت وقد رأيت في المستشفى طفلاً صغيراً على وشك الموت بجسده المليء بالشظايا. إنه أمر مريع

قبل انطلاق طائرة الـ إف 16 بأيام نفذت استخبارات سلاح الجو عدة مهمات استطلاعية فوق المبنى الذي كان يختبئ فيه صلاح شحادة وكانت صحون الأقمار الصناعية متصلة بالأكواخ، وكان ضابط الحالة في الشين بيت يعتقد ان أناسا يعيشون هناك. ولان كل المنطقة كانت مكتظة بالسكن فهو كان يعتقد ان الاكواخ أيضا مكتظة. ولكن لم يحصل الشين بيت على أي معلومات استخبارية تؤكد ذلك، وبكلام آخر لم يذهب أي مصدر الى هناك وقال ان هذا الكوخ تعيش فيه هذه العائلة (…). لقد كان شحادة يشكل قنبلة موقوتة ينبغي تعطيلها لكن النتيجة كانت كارثية. قتل صلاح شحادة ومساعده زاهر نصار وزوجته وابنته ايمان وعشرة مدنيين اخرين من ضمنهم سبعة أطفال أصغرهم كان عمره سنة واحدة، وأصيب 150 بجراح.

وكتب الصحافي في جريدة “هآرتس” جدعون ليفي قائلاً:

“قالوا انهم كانوا يعتقدون ان الاكواخ كانت غير مأهولة. وأنها كانت مبان من طابقين ومن ثلاثة طوابق. لا يوجد مبنى مماثل في غزة غير مأهول. ان الذين خرجوا لقتل شحادة كانوا يعرفون ذلك. فانا لست ساذجا ولا صاحب قلب رقيق، فان كنت اعتمد على القيود التي تضعها المؤسسة الرسمية بالتأكيد كنت سأوافق على قتل رجل مثل صلاح شحادة ان كان وحيداً وان لا أحد آخر سوف يتأذى. ولكني اعرف انه من المستحيل الاعتماد عليهم ليقيّدوا أنفسهم، فهم خارج السيطرة وهم في النهاية يفعلون ما يشاؤون. فالفائدة مقابل الكلفة في عملية الاغتيال كانت مريعة، مريعة. فالحالة هي بوضوح عائلات بأكملها مسحت وقد رأيت في المستشفى طفلاً صغيراً على وشك الموت بجسده المليء بالشظايا. إنه أمر مريع”.

التقط آفي ديختر العواقب بجملة واحدة قائلاً “تمت تصفية الهدف، ولكن العملية فشلت”!

Print Friendly, PDF & Email
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  إسرائيل لإعطاء الأولوية القتالية.. للجبهة اللبنانية