تعديل قانون الإنتخاب.. الآن الآن

سيتبدى إلى ذهن البعض عند طرح موضوع تعديل قانون الإنتخاب، قبل أسبوع من الإنتخابات، أن هذا الأمر سابق لأوانه. فالإنتخابات إنطلقت الآن بدءاً من دول الإغتراب على أساس القانون الحالي في حين أن ما نطرحه هو صياغة قانون آخر للإنتخابات القادمة بعد أربع سنوات على الأقل.

إخترت هذا التوقيت لإسقاط الحجة بأن الوقت لم يعد يسمح بذلك عند طرح الموضوع قبل سنة أو سنتين من موعد أي إستحقاق إنتخابي، وبالتالي الإستفادة من توقيت المعركة الإنتخابية لإحراج كل المرشحين بأن عيوب وسقطات القانون الحالي تقتضي منكم الإلتزام منذ الآن بالتخلص منها وطرح البدائل والسعي لتحقيق الأفضل منها في أسرع وقت ممكن غداة إنجاز الإستحقاق الإنتخابي.

منذ أكثر من عشر سنوات، حاولت بعض الهيئات المدنية والسياسية تسويق فكرة قانون إنتخاب يعتمد القاعدة النسبية، وذلك لتلافي الأضرار الحاصلة من جراء إعتماد القانون الأكثري الذي أفرز محادل وبوسطات تنقل ما هب ودب إلى الندوة النيابية، بالإضافة إلى تهميش الأقليات وجعل نسبة من الناخبين تُحجم عن المشاركة في العملية الانتخابية.

وقد أدت المطالبة بإعتماد النسبية إلى إختراع نسبية هجينة قبل خمس سنوات: لوائح إنتخابية وحاصل إنتخابي وصوت تفضيلي واحد، ولكن اللوائح لم تأت تعبيراً عن مناهج أو توجهات سياسية محددة واضحة أو احزاب سياسية وتيارات عقائدية إجتماعية واضحة. اللوائح الانتخابية هي بلا هوية لذلك لا يمكن إستفتاء الناخبين من خلال تأييد أي منها. اللوائح الانتخابية التي شكلت في مختلف المناطق كانت ساحات لألعاب بهلوانية من قبل المرشحين وقفز من لائحة إلى أخرى وصفقات ومساومات. وهكذا تم تفريغ القانون الحالي من مزايا القاعدة النسبية التي لا يصح اعتمادها إلا في ظل وجود احزاب سياسية أو تكتلات متراصة عابرة للمناطق والطوائف، وهذا مع الأسف بعيد المنال.

من مساوئ النظام الحالي أن تعدد اللوائح المبالغ فيه، إذ وصل لأكثر من 11 لائحة في بعض الدوائر، وهذا ما يؤدي حكماً إلى عدم بلوغ عدد كبير من هذه اللوائح العتبة الانتخابية، وبالتالي عدم تأمين حاصل إنتخابي واحد، أي مقعد نيابي واحد. النتيجة هي حرمان مجموعة كبيرة من الناخبين من التمثيل النيابي. إن هذا النظام يمهد لحرب داخلية داخل كل لائحة. الصوت التفضيلي هو سلاح هذه الحرب. يترسخ شعور لدى كل مرشح أن زميله على اللائحة هو المنافس لا النصير، وهنا تمارس أساليب الغدر والطعن والخيانة. إن الممارسة قد اثبتت أن على المرشح أن يرتقي سلم الفوز المؤلف من عدة درجات أي مرشحين. لا بد من الدوس على هذه الدرجات مما حوّل بعض المرشحين إلى مجرد مطايا لمصلحة مرشحين آخرين. وهذا ربما أدخل إلى القاموس تعبير “المرشحين المطايا”. كما أن هذا النظام يحد من حرية الناخب. إذا أردت أن تنتخب مرشحاً معيناً، عليك أولاً أن تنتخب اللائحة التي تضم هذا المرشح سواء كنت مؤيداً لتوجهاتها أو معارضاً لها ومعترضاً بقوة على مرشح أو أكثر فيها.

آن الأوان لإقتراح صيغة جديدة هي نظام “one man one vote”. هذه الصيغة تعطي الناخب حرية إختيار مرشح واحد من بين جميع مرشحي الدائرة الإنتخابية التي قد تكون تكريساً لحدود الأقضية الإدارية الحالية. أي ناخب في قضاء مثلاً يستطيع أن ينتخب مرشحاً وحيداً لملء أحد المقاعد الخمسة في الدائرة بقطع النظر عن طائفة الناخب أو طائفة المرشح

لقد تم التخلص من النظام الأكثري عام 2017. والآن، بالنظر للعيوب والمساوئ التي تكشف عنها القانون الهجين الحالي، يجدر بنا أن نحاول طرح أفكار وصيغ جديدة لقانون آخر يؤمن ركنين اساسيين: صحة التمثيل وإرساء قواعد حكم رشيد وقادر على تحمل المسؤوليات الوطنية.

في السنوات الأخيرة طرحت صيغة ما سمي “القانون الارثوذكسي” أي أن ينتخب ناخبو كل مذهب النواب المخصصين لهذا المذهب. وبعد الكثير من المناقشات والمتاهات وتبديل المواقف، سقطت هذه الصيغة ـ لحسن الحظ ـ بما تنطوي عليه من ترسيخ للطائفية وتهديم لوحدة المجتمع. كذلك طرحت صيغة الدائرة الفردية الصغرى، بحيث يكون لكل مجموعة ضمن نطاق جغرافي محدد مقعد نيابي واحد. هذه الصيغة قد تؤمن صحة التمثيل، ولكن هناك إستحالة في التوافق على ترسيم حدود هذه الدوائر لإعتبارات طائفية وسياسية مختلفة. إن أي مجموعة من الناخبين لا يكون المقعد في دائرتها مخصصاً لطائفتها ستشعر بالحرمان والتهميش.

أعتقد أنه آن الأوان لإقتراح صيغة جديدة هي نظام “one man one vote” مع الاعتذار لإعتبارات جندرية، هذه الصيغة تعطي الناخب حرية إختيار مرشح واحد من بين جميع مرشحي الدائرة الإنتخابية التي قد تكون تكريساً لحدود الأقضية الإدارية الحالية. أي ناخب في قضاء مثلاً يستطيع أن ينتخب مرشحاً وحيداً لملء أحد المقاعد الخمسة في الدائرة بقطع النظر عن طائفة الناخب أو طائفة المرشح. إن هذه الصيغة تحرر المرشح من الإرتهان لكتلة معينة خاصةً عندما تكون غير منسجمة، وتعطي الناخب حرية الإختيار الواضح والمباشر الذي يرى فيه الكفاءة والأهلية لتمثيله. في هذا المجال تترسخ الصلة المباشرة بين المرشح والناخب ويتمكن الناخبون من ذوي الكفاءة من الوصول إلى الندوة النيابية.

إقرأ على موقع 180  ها أنذا أعترف أمامكم.. لبنانكم لا يكفيني!

إن النظام المقترح يُبسط عملية التصويت داخل قلم الاقتراع. فأمام الناخب، على طاولة القلم، لائحة تتضمن أسماء جميع مرشحي الدائرة، وعليه فقط وضع اشارة أمام إسم المرشح الوحيد الذي يختاره. كما أن التبسيط ينسحب على عملية الفرز وتحديد أسماء الفائزين. الفوز هو بالتراتبية بين مرشحي كل مذهب دون إعتماد معادلات حسابية أو قواعد غير منطقية ومتاهات الحاصل الأول والحاصل الثاني والكسر الأعلى ثم الأدنى، كما في القانون الحالي.

إن قانون الانتخاب، كائناً ما كان، ليس كفيلاً بتحقيق الغاية منه أي صحة التمثيل وإرساء قواعد حكم رشيد ومستقر وقادر. هكذا نتيجة لا تتحقق إلا بوجود سياسيين يتحلون بالحد الأدنى من الأخلاق والنوايا الصادقة في توخي المصلحة العامة والتعالي عن المنافع والاقلاع عن ممارسات الاستغلال والنهب والافقار.

إن تبديل أنظمة الانتخاب لا يحل، بالضرورة، المشاكل المستعصية التي نعاني منها.

إن تبديل السيارة، مثلاً مع بقاء السائق الجاهل والأرعن لا يؤمن السلامة. هذا كي لا ننسى أخيراً أن تغيير السائق أيضاً قد لا يأتي بالنتيجة المتوخاة. ربما لا بد من تغيير “الكيلة” لا “الكيال” فقط. لا بد من تغيير النظام السياسي، ولهذا مجال آخر.

Print Friendly, PDF & Email
Avatar

محافظ الجنوب اللبناني سابقاً

Free Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  للبنانيين أقول: حلّ زمن الصيام عن "التغيير"!