نقد الناسوت العربي  

الحياة في المجتمع العربي صعبة بالنسبة لأي أحد مختلف. هنا المقصود بالاختلاف عدم الإيمان بثوابت المجتمع وعاداته وتقاليده بشكل كامل أو جزئي أو تحريكها والتعبير عن هذا التحريك، فالاختلاف ليس أفضلية أو دونية. الجهاز المفاهيمي  للمجتمعات يقوم على الثنائية المقَارنَة دوماً التي تشخصِن الذات الأخرى لكي لا تفهمها أو لاهتمام كبير بذاتها.

ينشأ هذا الاختلاف من حس نقدي أو من اطلاع أو تأمل في التفاصيل والكليات التي يؤمن بها المجتمع أو من رهافة فلسفية أو من اقتراب من الفنون أو الشعر أو الفن أو حمل دلالاتهم أو نشاطهم. الأمر ليس مرتبطاً بوجود احتمالات معرفية كالكتب والسينما إلخ.. بل بالرؤية المختلفة، وقد لمست ذلك في أناس لا علاقة لهم بالقراءة أو الفن أو السينما.. إلخ، مما يؤصل هذه البذرة الثورية في الجميع لكن اكتشافها ونبشها هو الأمر الصعب؛ بينما الآخر المنسوخ الذي لديه خوف شديد من المعرفة أو من بعض المعارف، يتكىء على الكثير من الأركان التقليدية الثابتة.

المختلف لا يستطيع ممارسة حريته بالكامل ولا يستطيع إن مارس جزءاً منها أن لا يتم رفضه من الآخر وأن لا يُؤوله بالتأويلات البشعة الموجودة في تراث الآخرين من الكفر؛ الإلحاد؛ الشذوذ؛ الغرابة؛ التطرف؛ الانحلال.. وكلها تصنيفات غير إنسانية. الأمر له علاقة بتراث هذا المستكرِه وما يُقدس من قيم وما يُدنس.

الخوف من الإبداع

يخاف المجتمع العربي من الفن والفلسفة والشعر.. إلخ. هذه أدوات تحررية، ومن يقترب منها يُوصَف بالشيطنة والأبلسة لأن إبليس في التاريخ الديني هو أكثر الكائنات دنساً. وذلك في المجازات المرتبطة بالسباب، بالنعوت، بالأمثلة الشعبية.. إلخ، من قوالب المجازات الجاهزة المستخدَمة رمزياً. وعند تحليل تلك الرموز نجد ما يدنِسه، ما يٌقدِسه، ما يخاف منه، ما يحبه. ولكن لم التقديس والتدنيس؟ لأن هذه هي حدوده الأخيرة في لاوعيه لتقييم الأشياء والافكار وما يندرج تحتها يكون منطقياً ولديه قدسيته.. إلخ.

لكأن هناك معاجم لكل شيء. معاجم للأفعال وارتباطها بالأخلاق، معاجم للصحة النفسية والمرض النفسي، معاجم للمعرفة ومعاجم للجهل.. إلخ، كثرة هذه المعاجم في الوعي تجعل حدود حرية الفرد ضئيلة جداً وحركته أغلبها مقموعة وممنوعة.

المجتمع ومشيئته

المجتمع لا يريد خارجين عنه، بل مؤمنين بأصنامه وعاداته وتقاليده وخوفه وتابوهاته.

من الممكن أن يكون الصنم إلها أو دينا أو شخصية ثورية، أو معنى الثورة.. إلخ، فارتباط الأشخاص ـ الكيانات، بالمفاهيم حصرا واحتكارا هو من أشكال التسلط.

والكآبة عندما تلاحق المختلفين دوما فهي تمثل جبرية شعورية عليهم بسبب ازدياد الوعي بدلا على أن يكون مُنتشيا. فازدياد الوعي في المجتمع القمعي هو عار بالنسبة إليه ومصدر للألم، ولا يمكن أن يُقلل المختلف من وعيه بعد أن ازداد، ولعل التكيف يقتضي منه بعض النفاق.

ماذا يفعل المجتمع في المختلف؟

المجتمع أيا كان تراثه ينبذ كل مَن يخرج عليه ويدمره نفسيا بالملاحقات والمضايقات. لا يريد لهذا المختلف أن يبدع لأن استخدام المخيلة يهدد متن المجتمع المعرفي والإيماني. فكيف يكون الإنسان الحر المختلف متزنا في هكذا بيئة بالإضافة إلى الالام الشخصية وآلام الفكر؟

بعض الأشخاص المختلفين لا تستطيع تفكيك مشاعرهم في علاقاتهم مع الآخر. بالمقابل، تجد أشخاصاً تتصلب مشاعرهم تجاه المجتمع، لتصنيفاته ونعوته لا لنقده الحقيقي.

وبرغم أن المختلِف يعاني أكثر داخليا، فإن الآخر يتعرض إلى صدمات قوية تبعده عن الرهافة التاريخية التي كان يشعر بها ولا يلغي ذلك رهافته بالمطلق بل تجاه التصنيفات تلك.

يبقى الآخر المتخلف وليس ذلك تصنيفا بل وصفا له لأنه متأخر عن المعاني المتسعة التي يحملها هذا المختلف. فالاختلاف ربما يكون اتساعا في الرؤية وربما يكون عمقا في المعنى وربما يكون اضطلاعا بعناصر أكبر لتكوينات العالم من تفلسف وشعر وفن وأدب.. إلخ.

الكآبة عندما تلاحق المختلفين دوما فهي تمثل جبرية شعورية عليهم بسبب ازدياد الوعي بدلا على أن يكون مُنتشيا. فازدياد الوعي في المجتمع القمعي هو عار بالنسبة إليه ومصدر للألم، ولا يمكن أن يُقلل المختلف من وعيه بعد أن ازداد، ولعل التكيف يقتضي منه بعض النفاق

التحريم المباح والتحريم المحظور

تظهر مفاهيم العبث، الشذوذ، الغرابة، المرض النفسي، الجنون، الكفر.. عند الكثير من المختلفين أو في الحرية الفلسفية المخالفة لحرية المجتمع.

فالمجتمع له ما هو مسموح فيه، وما هو محرم، ومدى المحرَم ذاك، وهناك المحظور تماما، فدرجات التحريم تختلف حسب الزمن وحسب الاجتماع وحسب القوة المادية.

مثله مثل الشكل الديني الاسلامي أو المسيحي بأنواع فقهه ففي الإسلام يوجد 1. حرام لذاته 2. حرام لغيره؛ مع تفاصيل كثيرة للمحرم المقبول والمحرم المرفوض تماما.

لكن إن كان هناك التقييم بالعبث إذا لا بد ان هناك قيمة ولا بد أن هناك معيارا لهذه القيمة التي تُخرِج أو تُدخِل هذا من العبث. إن كان هناك تقييما بالشذوذ إذا هناك ثابت يُسمَى طبيعي. إن كان هناك غرابة، فهناك ما هو معتاد. إن كان هناك مرضا نفسيا فهناك ما هو صحي نفسي.

إقرأ على موقع 180  إدارة أزمة كورونا بالـ"ديليفيري".. مكانك راوح!

ماهية التصنيف ونتائجه

والتصنيف في أصله الحصر الدلالي للفهم وسهولة الفهم بالنسبة إلى المجتمعات التي لا تقرأ أو تفكر فتكثر فيها التصنيفات وتكثر فيها الثوابت الدلالية للألفاظ. الافتراضات المُسَلم بها تعريف جيد وميسر لـ”الأيدلوجيا” كون التفكير في أي شيء بالنسبة لهم هو معاداة للمقدس الالهي وهو الكفالة الشاملة التي تحمي أناواتهم.

التصنيف أيضا أداة نهائية للإثبات لأنها لها وجود دلالي ضخم فإن قلت كافر فهو دنيء مستباح لا توجد حقوق له ولا كرامة، لا يوجد أي شيء يفعله يغفر له كونه “كافر” مهما كان ناجحا في حياته ومهما كان إنسانيا في علاقته مه الآخرين.

إن عملية القياس أو الثنائية تقوم على ثابت للمعادلة، والثابت هذا يتغير مع مرور الوقت. ويُسَتسقَى الثابت من لدن المحركات للثقافة الدين، الاجتماع، السياسة.

وهذه الأسباب منها:

1.اللحظة المعرفية المختلفة بين مفهوم الشرق للفن، والفلسفة، الآداب، الشعر.. إلخ، ومفهوم الغرب مع الاحتفاظ بدلالتين إلى حد ما محصورتين في الثقافة للشرق والغرب والحديث هنا عن الأغلبية.

2.التوالد الذي ينتج المعنى في الشرق مبني على أسس غير الأسس الغربية، والغالب في الشرق بلا تناسب كبير بين الأنواع على الدين، الدين بشكله الاجتماعي وشكله الذي يخدم الوظائف المرجوة لذلك.

3.المواضيع المهتم بها كذلك في التعبير والمدى الممكن لذلك، فالفن والسينما والأدب، مهمَلون بشكل كبير في تكوين الجمالية لدى هذه الأغلبية، وهذه إشكالية كبيرة كون الاعتمادية على مصدر واحد للجمالية وهو الدين.

وهنا شكلان للإشكالية:

  1. الاعتماد على نوع واحد من الجمالية أيا كان دين أو غيره
  2. خصوصية الدين في وجود المقدس وأن الجمالية المستسقاة منه من احتمالاتها الكبرى شمولها على كل شيء.

Print Friendly, PDF & Email
السعيد عبدالغني

شاعر وباحث وناقد، مصر

Download WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes
free online course
إقرأ على موقع 180  الأخلاقيات الطبية.. وتحدي كورونا