كثروا “الخزمتشية” في منطقتنا كما في “لبناننا”، فهم يتناوبون ويتبارون الواحد تلو الآخر على تقديم “أجّل” الخدمات لأسيادهم في ممالك “الرمال”، علّهم يحظون بـ”مكرمة” ملكية أو أميرية.
ما أن أصبحت هبة الفيول الإيراني قيد التنفيذ (ولا أعلم اذا كانت مؤسسة كهرباء لبنان، بذريعة نسبة الكبريت فيها، ستقبل بها أم لا)، حتى بدأت أصوات النشاز من “الخزمتشية” تعلو شيئاً فشيئاً، تارة ان الفيول الإيراني غير مطابق لمواصفات معامل كهرباء لبنان، وتارة أخرى أن صفقة ما جرت بين الأميركيين والأوروبيين والإيرانيين لتمرير “صفقة” الهبة الإيرانية.
لبنان يعاني من أزمة اقتصادية تكاد تكون الأسوأ على الكرة الأرضية، والشعب اللبناني يعاني من كل شيء (ولا أبالغ)، وبعد زيارة الوفد التقني اللبناني إلى طهران تم الإعلان أن إيران ستقدم 600 ألف طن من الفيول الإيراني هبة للبنان، مما سيسمح للبنان بتشغيل المعامل لمدّة خمسة أشهر بـ 100 ألف طن «فيول أويل» و500 ألف طن «غاز أويل» بمعدل من 6 إلى 8 ساعات كهرباء يومياً، وقيمة الفيول الإيراني هذا (500 مليون دولار مجاناً)!
فجأة، يُطل “الخزمتشيون” لتبخيس الأمر برمته، وأولهم “القوات اللبنانية”، ثم يأتينا “خزمتشي” آخر، قال أنه مستعد “ليقعد على العتمة ولا يضيء منزله من الفيول الإيراني”. حسناً، يا عزيزي، تريد أن تقعد على العتمة هذا أمر يخصك، لكن ما ذنب اللبنانيين الآخرين الذين ضاقوا الأمرين من الحصار العربي الأميركي على اللبنانيين فقط لأنهم لا يريدون الخضوع لشروطهم، ولا شك أنه هو وأمثاله يفضلون “بول البعير” على الفيول الإيراني، ولا مانع لديهم من الاستحمام به او شربه، لما لا المهم أنه يريد أن يتماهى و”أوامر” ممالك وإمارات الرمال.
لا أحد من هذه الطبقة السياسية إلا ويتحمل مسؤولية ما في ما آلت إليه أوضاع قطاع الكهرباء في لبنان، في ضوء ما تم إهداره، لكن اللحظة ليست لحظة محاسبة، فها هي أوروبا تتجاوز كل الإعتبارات البيئية والطاقوية لأجل توفير الطاقة لشعوبها، لكن عندما يبادر الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله على الهواء باشرة من دون أي تنسيق مسبق مع طهران، بل كان يكفي أن يشير إشارة واحدة، حتى تتجاوب إيران بما هو واجب ودون أي منّة.
يأتينا “خزمتشي” آخر، قال أنه مستعد “ليقعد على العتمة ولا يضيء منزله من الفيول الإيراني”. حسناً، يا عزيزي، تريد أن تقعد على العتمة هذا أمر يخصك، لكن ما ذنب اللبنانيين الآخرين الذين ضاقوا الأمرين من الحصار العربي الأميركي على اللبنانيين فقط لأنهم لا يريدون الخضوع لشروطهم
ولمن يذكر فإن عروض الجمهورية الإسلامية للبنان تعود إلى أكثر من سنتين، ببناء معامل انتاج الكهرباء ومد لبنان بالفيول أويل وغيره من المشتقات النفطية، إلا أن “الخزمتشية” يسعون دائماً إلى تعطيل أي مسعى إيجابي لإيران في لبنان، وهذا الأمر لا يستثني أحداً من “الخائفين” من عصا العقوبات المصلتة على رقابهم، بينما وعدتنا السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا بموافقة إدارة بلادها، على تزوّد لبنان بالغاز المصري والكهرباء الأردنية عبر سوريا، عندما أقدم حزب الله، على استيراد المازوت من الجمهورية الإسلامية في إيران. لم يأت شيء لغاية الآن لا من مصر ولا من الأردن ولا من دوروثي شيا وإدارتها. بل ابعد من ذلك، أشارت الصحافية أليزابيث هاجيدورن في مقال نشره موقع “المونيتور” الأميركي تحت عنوان: “عدم تقديم ضمانات عقوبات على خطة الطاقة اللبنانية”، إلى أن الخارجية الأميركية تعتبر هذا الملف سياسياً بامتياز، وهذا ما تسبّب بتأخره طيلة الفترة الماضية، وسيسبّب في تأخره خلال الفترة المقبلة، ربطاً بحسم الوضع في سوريا، أو ربما للمقايضة من خلاله على ملف الترسيم البحري.
لا شيء بالمجان من الولايات المتحدة الأميركية ولا من ممالك الرمال، إما القبول بشروطهم المذلة وإما الجوع، وهذا ما صرح به وزير الخارجية الأسبق في عهد الرئيس دونالد ترامب مايك بومبيو، عندما قال إن بلاده “مستعدة لدعم الحكومة اللبنانية إذا نفذت إصلاحات حقيقية”؛ وأن “واشنطن مستعدة لمساعدة لبنان إذا عملت الحكومة بطريقة لا تجعلها رهينة لحزب الله”. الإصلاحات الحقيقية المقصود منها القبول بالشروط والإملاءات الأميركية (الإسرائيلية ضمناً) بنزع سلاح المقاومة والقبول بتوطين اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين والإنخراط في “إتفاقات أبراهام”!
هذا ما عبّر عنه جاريد كوشنر مستشار وصهر الرئيس الأميركي السابق حينما قال لوكالة “رويترز” إن الولايات المتحدة تدرس المساهمة في التمويلات التي تفترض إدارة ترامب أنها ستكون كالتالي: 15 مليار دولار في شكل منح، و25 مليار دولار في شكل قروض، و11 مليار دولار مساهمات من القطاع الخاص. وفيما يخص توزيع الأموال، فسيجري تخصيص 28 مليار دولار للفلسطينيين، و7.5 مليارات للأردن، و9 مليارات لمصر، و6 مليارات للبنان، وتنص الخطة على تنفيذ 5 مشاريع للبنان، على أن يقبل لبنان بالشروط المذلة المذكورة أعلاه.
الفيول الإيراني “كخ”، هنيئا لكم بول البعير!