حجة شنكر.. وفم التنين!

مع الحديث المتزايد عن قرب وصول ملف الترسيم الحدودي البحري إلى خواتيمه، وإنعقاد المجلس النيابي في أول جلسة رئاسية تمهيدية للفراغ واحتمال تشكيل آخر حكومة في عهد الرئيس ميشال عون، إسترعى إنتباهي حديث تلفزيوني للسيد ديفيد شنكر، مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى. لماذا؟

يكاد لا يخلو حديث السياسيّين على المنابر أو في البرامج الحوارية من أي من الملفات الداخلية والخارجية، ويُشعرنا المتحدّث، أيًا كان هذا المتحدّث، ولأي فئة انتمى، بأنه هو العارف بحقيقة الأمور ومآلاتها ومالك الحقيقة المطلقة، وأصبح واحدهم خبيرًا اقتصاديًا وجيوفيزيائيًا وجيولوجيًا خسرته الـ”ناسا” لكونه كان مجبرًا على استكمال إرث عائلته السياسي وحتى لا يحرمنا من عطاءاته الفكرية الغزيرة أو نزولاً عند رغبة جمهوره وهو المترفّع أصلاً عن الجاه والمواقع والمراكز والتنفيعات والمحاصصات.

هذا في الخيال، أما في الواقع، إنها اللحظة السياسيّة والظرف الإقليمي والحالة الدولية وكلمة السرّ، هكذا تتشكل، وهكذا يُنتخب، وهكذا يتمّ التوقيع. اللاعبون الداخليون، بالمقابل، نسبة مشاركتهم في القرار تحدّدها نسبة تأثيرهم في العوامل الخارجية تلك، إن كان من باب الإمتداد لتلك الملفات (نووية، أوكرانيا، طاقة إلخ..)، أم من باب عنصر القوّة (أو الضعف) الذي تلعبه تلك الأطراف الداخلية في أي من هذه العوامل، ومن كان خارج هذه المعادلة فهو خارج القرار، أكان يعلم، أو لا يعلم، أو يتوّهم أو يتمّ إيهامه، ومهما حاول أن يدّعي أمام جمهور مناصريه، فعندما يقف أمام المرآة، كلّ واحد منهم يدرك حجمه الطبيعي.

وها هو مجدّدًا السيّد ديفيد شنكر “يُسرّب” لنا مضامين اتفاقٍ لم تعلم به الأطراف اللبنانية بعد ولم تتسلّمه الدولة اللبنانية رسميًا، وهو الذي صرّح في الحديث نفسه أنه ترك الإدارة الأميركية قبل سنة من الإنتخابات النيابية اللبنانية (في سياق دحضه مزاعم رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بأنه ـ أي شنكر ـ موّل بعض مرشّحي المعارضة)، ومن جديد نسأل: ما هو هدف هذا التسريب وتوقيته وكيف له أن يعلم بتفاصيل هذا الاتفاق وهو خارج الإدارة؟

أما العنوان الفضفاض لما تمّ تسريبه عن أن لبنان قد حصل على 100% من مطالبه حول الحدود البحرية، لم يكن إلا جزئيّة بسيطة من حديثه، بل إن مجمل الحديث تمحور حول مدى تأثير حزب الله في السياسة الداخلية اللبنانية وسيطرته على الدولة ومواقع القرار.

ما لم يقله شنكر، أو قاله مواربةً، أن ما سمح للبنان في الوصول إلى سحب 100% من مطالبه من فمّ التنين، هي بالذات تلك القوة التي “هدد” بها (حسب قوله) السيد حسن نصرالله، الأمين العام لحزب الله، تحديدًا في قوله بأن تسهيل الوصول إلى الخواتيم من قبل “إسرائيل” هو لتفريغ السلاح من ذريعة وجوده ليلقي بثقله على الداخل اللبناني، وهذه بالحقيقة حجّة الضعيف.. هي “حجّة”، فلم يكن يومًا تحرير الأرض والأسرى والجثامين أو مواجهة العدوان أو حماية البلاد أو إرساء معادلة الردع ذريعة، ولم يكن هناك ترسيم ولا من يرسّمون.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  بيروت التي أبهرتنا.. وما تزال
جوسلين معلوف

مستشارة قانونية وباحثة في القانون العام، لبنان

Premium WordPress Themes Download
Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  لبنان.. "بيتٌ باحتلالاتٍ كثيرة"!