ChatGPT ثورة في عالم التعليم.. هل انتهى الفرض المنزلي؟

تصدرت مؤخراً أخبار روبوت المحادثة المجاني ChatGPT مواقع التواصل الاجتماعي والصحافة العالمية، وشغلت قوة خدماته وخطورتها الرأي العام العالمي ولا سيما الاكاديمي منه، وذلك لما له من تأثير سلبي على المشهد المعرفي والتعليمي وحتى الوظيفي عموما والطلابي على وجه الخصوص.

مع هذه المنصة انتهى فعليا ما يسمى الفرض المنزلي، وقضى على أي جهد ابداعي ليس فقط عند الطلاب بل في الكثير من المجالات، ويكاد يصبح الاداة الاولى للمعرفة في التاريخ والرياضيات والعلوم واللغات والتكنولوجيا وعلم الاجتماع والاقتصاد والصحافة والثقافة والفن ومختلف ميادين المعرفة. فهو قادر على توليد نص واضح ودقيق بشكل مذهل استجابةً لمتطلبات سهلة، حيث يتم استخدامه لإجراء المحادثات، كتابة المقالات الادبية والعلمية، رسائل العشق والغزل، القيام بالفروض المدرسية والجامعية، فك العقد البرمجية وهو بالمناسبة مذهل في هذا المجال، تحليل الجمل وغيرها من الخدمات. فما هي هذه المنصة؟ وماهي حسناتها وسلبياتها؟ والاهم كيف يمكن التفاعل معها والحد من تأثيرها؟

في منتصف تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2022 أطلقت شركة Open AI، وهي أحد أكثر مراكز أبحاث الذكاء الاصطناعي تأثيراً في السيلكون فالي في الولايات المتحدة الامريكية روبوت المحادثة “شات جي بي تي” (ChatGPT) وهو نموذج لغوي يعتمد على الذكاء الاصطناعي وبشكل خاص على تقنية التعلم العميق Deep Learning أي الشبكات العصبية الاصطناعية المعقدة التي تحاكي الشبكات العصبية في جسم الانسان.

يعملChatGPT وهو اختصار (Chat Generative Pre-trained) أي المُحرِّك التوليدي المُدرَّب مُسبقًا على محاكاة الوظائف المعرفية المتعلقة بقدرات الإنسان، كالتعلم، والإدراك وحل المشاكل. تم تدريب هذا النموذج على كمية ضخمة من البيانات من كتب ومكتبات وقواعد بيانات ومقالات ليصبح قادراً على التحدث بأسلوب يحاكي البشر من ربط للافكار بتسلسل منطقي والاجابة على أي سؤال بشكل صحيح والتوسع في الاجابات وتلخيص المقالات والفقرات وحل العقد البرمجية واقتراح الافكار الابداعية في شتى ميادين المعرفة.

بعد ثلاثة أشهر من إطلاقه، أصبح لدى ChatGPT أكثر من 100 مليون مستخدم نشط حتى نهاية شهر كانون الثاني/يناير الفائت، بمعدل 13 مليون زائر يوميًا، وهذا ما يجعله واحد من أسرع منتجات البرامج نموًا وفق وكالة رويترز.

لم يكن هذا المنتج هو الاول لشركة Open AI، بل أصدرت في العام 2019 برنامجها لتوليد الصور DALL-E 2 الذي يحول الرسائل النصية إلى أعمال فنية رقمية وبالتالي إنشاء محتوى جديد. فتقنية التعلم العميق مكّنت الذكاء الاصطناعي من محاكاة الوظائف الحسية للانسان من السماع والرؤية، بمعنى التحول بالتكنولوجيا من تسجيل الصوت والصورة الى تحليل الصوت والصورة بشكل يحاكي قدرات العقل البشري في التمييز والادراك وبناء ردات الفعل واتخاذ القرار، وذلك بناءً على المعطيات والمتغيرات المتوفرة دون تدخل إنساني.

قدرات ChatGPT الهائلة دفعت بشركة مايكروسفت لعقد صفقة بقيمة 10 مليارات دولار مع شركة Open AI لربط محركها البحثي Bing مع Chat GPT، وأجبرت شركة غوغل على الاستعجال بإطلاق روبوت المحادثة الخاص بها Bard، والذي واجه مشكلات مهمة عند إطلاقه منذ أيام، فانخفضت القيمة السوقية لغوغل 7%. وهذا ما دفع أيضا شركة Baidu، عملاق التكنولوجيا الصيني، الى الاعلان عن استعدادها لتقديم روبوت محادثة مشابه لـ ChatGPT في آذار/مارس المقبل.

هذا التقدم الهائل في كتابة الابحاث والمقالات العلمية وتقديم المعلومات على طبق من فضة دفع بالعديد من الجامعات والمدارس في أوروبا وأميركا الى حظر استخدامه من قبل الطلاب وصولا الى فصلهم نهائياً. فإدارة التعليم في مدينة نيويورك حظرت ChatGPT من شبكات مدارسها بعد تزايد قلق الاساتذة من أنه قد يكون وسيلة للغش في الامتحانات والتقييمات الفصلية. وهذا ما دفع بالأساتذة الى تجديد المقررات الدراسية استجابة لـتحديات ChatGPT، ما أدى إلى حدوث تحول كبير في التدريس والتعلم. حيث يقوم بعض الأساتذة بإعادة تصميم مقرراتهم بالكامل، وإجراء تغييرات تشمل المزيد من الاختبارات الشفوية والعمل الجماعي والتقييمات المكتوبة بخط اليد داخل الصفوف.

بناء على ما تقدم، تم تطوير العديد من البرمجيات الحديثة للسماح للمعلمين باكتشاف ما اذا كان الطالب قد قام باستخدام الذكاء الاصطناعي في حل فروضه المنزلية او في الامتحانات عندما يساورهم الشك. نبدأ مع أداة خاصة لكشف الغش أطلقتها شركة Open AI وهي الشركة المصنعة لـ ChatGPT تحت اسم AI Text Classifier، حيث يقوم المستخدم بنسخ النص المشكوك فيه ومن ثم تقوم الأداة بتحليله لتخبرنا فيما لو كان مكتوباً من قبل الانسان أو الة، ولكن هذه الاداة تتطلب نصًا لا يقل عن 1000 حرف، أي بين 200 الى 250 كلمة، بالإضافة الى انه يحتمل نسبة من الخطأ، بشكل خاص اذا كان النص غير مكتوب باللغة الانكليزية.

كما أطلق خمسة باحثين من جامعة ستانفورد أداة جديدة لكشف الغش باستخدام الذكاء الاصطناعي تحت اسم DetectGPT. ستجعل من الممكن التعرف على النصوص المكتوبة باستخدام الذكاء الاصطناعي بنسبة نجاح تقارب 95٪.

إقرأ على موقع 180  "بروجيكت سانديكيت": الذكاء الإصطناعي وسيلة للنمو الإقتصادي!

وقام طالب من جامعة برنستون باطلاق اداة اخرى تحت اسم GPTZero وهي قادرة بنسبة كبيرة على كشف النصوص المكتوبة باستخدام الذكاء الاصطناعي. ويضاف الى ذلك، أداة أخرى وهي Draft & Goal قادرة أيضاً على كشف الغش بنسبة 95%. كل هذه الادوات هي مجانية، ولكنها تحتمل نسبة من الخطأ، وتظهر فعالية عالية جداً فيما لو كان النص مكتوباً باللغة الانكليزية.

تبقى هناك تحديات جدية تواجه ChatGPT، لا سيما لجهة تقديمه أجوبة متحيزة أو غير صحيحة لا سيما في حال كانت النصوص مكتوبة بغير اللغة الانكليزية حيث تقل فعاليته ولكن برغم ذلك يبقى النص متماسكا ويصعب تمييزه فيما لو كان باللغة العربية على سبيل المثال. مع العلم بأن هذا النموذج يتكئ على 175 مليار عامل متغير، وفي الاشهر المقبلة سيتم إطلاق نموذج أكثر تطوراً، يستخدم 500 مليار عامل متغير، تاركاً لمخيلتكم أن تتصور كيف سيكون الحال بعد ان يصبح متاحاً بين أيدينا.. إنه ثورة في عالم الذكاء الإصطناعي تعادل ثورة الإنترنت نفسها.

Print Friendly, PDF & Email
عبد الصفدي

أكاديمي وباحث تربوي، لبنان

Download Best WordPress Themes Free Download
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
online free course
إقرأ على موقع 180  ChatGPT.. خرقٌ تقنيّ أم تقنية إنتحالٍ أدبيّ؟