قمة جدة العربية.. ماذا لو حضرت إيران وتركيا؟

تأملت الشعوب العربية في أن تری "قمة جدة" العربية علی غير ما كانت تتراءى لها قِممُ العرب منذ تأسيس جامعة الدول العربية، وذلك ربطاً بتوقيتها وظروفها الإستثنائية ومكانها ومن يُشارك فيها من القادة العرب.

هذه هي القمة العربية الثانية، بعد قمة الجزائر، غداة “جائحة كورونا” التي فعلت فعلها في الأوضاع الإقتصادية الدولية؛ كما أنها الثانية غداة الحرب الروسية ـ الأوكرانية التي أفرزت معادلات إقليمية ودولية جديدة.

لنتناول شخصيتين جدليتين حضرتا القمة وشخصيتين لا تقلان جدلية غابتا عنها.

أولی الشخصيتين اللتين حضرتا القمة هي الرئيس السوري بشار الأسد. فقد سعت المملكة العربية السعودية، كما يری جورجيو كافيرو الرئيس التنفيذي لمؤسسة “جلف ستيت أنالاتيكس”، إلى دفع الدول العربية للتراجع عن قرار تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2011، وبالتالي تمكنت من فرض عودة سوريا إلى الجامعة.

الشخصية الثانية هي الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الذي حضر بدعوة من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بصفته “ضيف شرف”، وهو في طريقه للمشاركة في قمة الدول الصناعية السبع في اليابان.

دعوة الرئيس السوري كانت طبيعية ومتوقعة إستناداً إلى التحضيرات التي جرت منذ مطلع هذه السنة، وأبرزها قرار عدد من الدول العربية تطبيع علاقاتها مع دمشق، وبالتالي عادت سوريا إلی مكانها الطبيعي الذي ما كان يُفترض أن تخرج منه. أما مشاركة زيلينسكي، فهي الحدث الأبرز الذي فاجأ الجميع. ما الذي يمكن أن تُقدّمهُ القمة العربية للأزمة الأوكرانية؟ وهل يستطيع زيلينسكي أن يُحقق مكسباً معيناً من “قمة جدة” المثقلة بمشاكل العرب وأزماتهم وهمومهم من كل حدب وصوب؟

ندر أن تجد مُراقباً يملك جواباً مختلفاً. لا رسالة عربية مفيدة لرئيس أوكرانيا والعكس صحيح.. اللهم إلا إذا كان همّه كسب ود المجتمع الدولي أو أن يُوجّه رسالة الی هذا المجتمع يقول فيها إنه ما يزال حياً يُرزق، وهي رسالة رمزية لا تُسمن ولا تُغني من جوع!

أختلف مع من يسأل: ما الذي جنته دول مجلس التعاون الخليجي عندما استضافت الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في قمة الدوحة عام 2007؟ أنا أؤمن أن طريق الألف الميل تبدأ بخطوة واحدة.. وأن عملية بناء الثقة وتعزيزها تحتاج إلی خطوات وزيارات ومبادرات متبادلة من أجل خلق إطار للتفاهم والعيش المشترك بما يحقق مصالح جميع الأطراف

أما الشخصيتان اللتان لا تقلان جدلية بغيابهما عن المؤتمر؛ فهما الرئيسان الإيراني إبراهيم رئيسي والتركي رجب طيب إردوغان. ربما يكون الأخير مُنشغلاً بالانتخابات التركية لحظة بلحظة ولا يملك ترف أن يحل “ضيف شرف” على قمة جدة أو أي مناسبة دولية أو إقليمية. إلا أن منطق الأمور يجعلنا نتمنی لو أن القيادة السعودية وجّهت دعوة إلى إبراهيم رئيسي لحضور القمة، ليس لأن العلاقات السعودية الإيرانية تتقدم بالإتجاه الصحيح، بل نظراً إلى حساسية العلاقات العربية الإيرانية عموماً والعلاقة الإيرانية الخليجية خصوصاً.

مشاركة الرئيس الإيراني، لو حصلت، كان سيكون لها أثرها البالغ؛ أما لماذا وماذا يُمكّن أن تُقدم إيران للدول العربية؟ وكيف يمكن للأمن الإقليمي أن يتأثر في ظل تعريف طهران لهذا الأمن؟ وكيف يمكن أن تتعامل طهران مع أصدقائها في المنطقة أو مع “مجالها الحيوي”؟ وهل كان سيلمس رئيسي بشكل مباشر ما تشعر به الدول العربية من “قلق” من السلوك الإيراني في الإقليم؟

حتماً؛ كان يُمكن إستشعار المناخ الإيراني لو كانت إيران موجودة بصفتها دولة جوار فاعلة. لا أعتقد أن مشاركة إيران في هذه القمة كانت ستحل كافة المشاكل التي تعترض طريق العلاقات العربية الإيرانية، لكنها كانت لتساهم في خلق أرضية يستطيع الجانبان من خلالها التفاهم علی مشتركات تُشكّل قاعدة للتعاون والتنسيق وبناء الثقة المطلوبة.

وهنا أختلف مع من يسأل: ما الذي جنته دول مجلس التعاون الخليجي عندما استضافت الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في قمة الدوحة عام 2007؟ أنا أؤمن أن طريق الألف الميل تبدأ بخطوة واحدة.. وأن عملية بناء الثقة وتعزيزها تحتاج إلی خطوات وزيارات ومبادرات متبادلة وتعاون مثمر وتنسيق مستدام من أجل خلق إطار للتفاهم والعيش المشترك بما يحقق مصالح جميع الأطراف.

التحديات والمشاكل التي تواجه العالم العربي ليست قليلة ولا بسيطة وهي جدية وخطيرة وتعيق التنمية والتقدم والازدهار؛ والشعوب العربية تأمل أن تساهم الدول العربية في مواجهة هذه التحديات.

فالسوريون يأملون أن تنجح القمة في تفكيك “قانون قيصر” من أجل المساهمة في إعادة إعمار بلادهم ووقوف الدول العربية معهم من أجل تجاوز أزماتهم الاقتصادية والمالية والتنموية والإجتماعية والأمنية والسياسية.

واللبنانيون ينتظرون من الدول العربية المساهمة في تقريب وجهات النظر لأجل انتخاب رئيس جمهوريتهم المنشود الذي ما يزال مقعده شاغراً في القصر الرئاسي منذ سبعة أشهر، كما يأملون مساعدتهم في حل مشاكل بلدهم السياسية والاقتصادية والمالية.

إقرأ على موقع 180  مظفر.. كثيرٌ من الشعر والمنافي

والسودانيون يتطلعون إلى وقوف قادة وزعماء الدول العربية وقفة إستثنائية من أجل وقف عجلة الموت في بلادهم والحيلولة دون الإنزلاق أكثر فأكثر إلى حرب أهلية لا تبقي ولا تذر.

أما الليبيون، فإنهم ما زالوا أسرى مناكفاتهم السياسية والعسكرية والأمنية في مشهدية تراجيدية يصعب علی الجميع تصور نهاياتها ويرجون من القمة العربية أن تلعب دوراً إيجابياً مؤثراً لانهاء المأساة الليبية وعودة بلادهم دولة موحدة بجيش موحد وحكومة موحدة وبرلمان موحد.

يبقی اليمن الذي ينتظر أن يعود سعيداً بعيداً عن القتل والدمار والجوع والأمراض والأوبئة؛ في حين يتمنی العراقيون دعم الدول العربية لعمليتهم السياسية التي تسير علی رجل واحدة كالبطة العرجاء!.

هل يُمكن للقمة العربية أن تكون بمستوى آمال الشعوب العربية وصولاً إلى حل كل هذه المشاكل التي أضيفت لها الأزمة الأوكرانية؟.

يُدرك القادة والزعماء العرب الذين اجتمعوا في جدة أكثر من غيرهم أن ثمة آليات كفيلة بتحسين حياة شعوبهم وحل المشكلات العربية العربية أو بين العرب وجيرانهم، ولكن المسألة تحتاج إلى قرارات إستثنائية وقادة إستثنائيين. أما نحن كشعوب مغلوب علی أمرها، فنری ما فوق الطاولة؛ أما هم فيرون ما تحتها.. وبين الحالتين فرق كبير.

قيل عن قمة جدة أنها “قمة محمد بن سلمان” و”قمة المصالحات العربية” و”قمة العلاقات الاقليمية والدولية” و”قمة الأسد” و”قمة زيلينسكي” إلخ.. لكن المتوخى أن تكون قمة الشعوب العربية أولاً وأخيراً.

([email protected])

Print Friendly, PDF & Email
محمد صالح صدقيان

أكاديمي وباحث في الشؤون السياسية

Download Nulled WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  أسئلة التغيير اللبناني: العروبة، المواطنة والنظام الرئاسي؟