بل إنه اختار أيضاً مساراً مهنياً في الصحافة هو الأصعب، وهو أن يكون في آن واحد صحفياً محترفاً وملتزماً بقضايا مجتمعه وأمته. وقد حملت جريدة “السفير” لفترة طويلة هذا الإلتزام وعكسته في أغلب صفحاتها.
فكانت كما صاحبها الراحل أ/طلال سلمان.. “صوت الذين لا صوت لهم”.
وكانت مقالات أ/طلال في افتتاحيات “السفير” الوجبة الصباحية في وخز الإبر لضمير المسؤولين وصانعي القرار في لبنان وفي كل رحاب الوطن العربي الكبير.. وما أكثر القضايا التي هزًت مجتمعات عربية فانبرى أ/طلال لينصرها.
لكن هناك ميزة خاصة اكتشفتُها في أ/طلال خلال هذه الحقبة الحافلة من تاريخنا اللبناني والعربي وهي مرونة تفكيره، فبالرغم من مبادئه التي كانت مستلهمة من عقائد عدة، القومية منها والاشتراكية، إلا أنه لم يكن يوماً عقائدياً متزمتاً بل ذو عقل مرن منفتح على الفكر الآخر والرأي الآخر. يُصغي له أو يقرأه بصبر كبير ويتفاعل معه وأحياناً كثيرة يستوعب بعض أفكار الآخرين ويهضمها ويُدخلها في قاموسه.
لذلك، لم يكن للأستاذ طلال عدوٌ أو خصمٌ لدودٌ، بل إنه كان في مواجهته آراء أخرى لم يسمح هو، لأي منها أن ينصب له العداء. تلك هي المرونة الفكرية المتَزنة فهي موقع وسطي بين الدغم والبراغماتية الزئبقية.
لكن بقدر ما لم يكن له أعداء.. لم يكن له العديد من الأصدقاء الأوفياء.
وهذا الأمر غير مستغرب بالنسبة لإعلامي كبير عايش كبار القوم وقادة الدول الشقيقة والصديقة وتعاطى معهم تعاطياً صادقاً مترفاً مبدئياً.
فلا عجب أن تكون قد أصابته بعض تقلباتهم وانقلاباتهم المؤلمة.
رحل أ/طلال سلمان بصمت الكبار الذي أدوا قسطهم ودعوا الله أن يحمي لبنان وأهله الطيبين المغلوب على أمرهم.
رحمه الله وطيب ذكراه وليبقى حياً بين كل من عرفوه.
(*) النص كُتبَ لمناسبة عقد ندوة في معرض بيروت الدولي للكتاب (2023) بعنوان “تحية إلى طلال سلمان”، وبدعوة من دار “أبعاد”.