نتدثّر بالأمل، ونلتحف بقوة اللحظة التي تأتينا من غيث يمدُّنا فنستجير من احتمالات طغيان ضعفنا في دواخلنا بعزيمة المدافعين عن شرف أمتنا، فنستنهض من جسارتهم بعضاً من وَهَنْ قد يطرأ وقد يصيب منّا لحظات انكفاء.
سرعان ما تنتعتش دواخلنا الذابلة وتتجدد بيقين هؤلاء الترابيين المُكللين بمَدَيات النصر القريب. نصرٌ استشعروه، فَقَصَدوا، فَوَصَلوا، وسبقوا أصحاب اليقين من طينتهم بهذا المدد الروحاني، فكانوا شهداء الكرامة ومعنى المفردات من سيادة ووطن وأهل وأطفال ونساء وشيوخ وتراب مقدّس. ومن هذه المفردات التي كتبوها بدمائهم، خطّوا دروب السالكين إلى الحق، ورسموا بسموْ نفوسهم طريق الحقيقة.
إنها جمرة حب، تفوّقت في ذوات القاصدين، فاستشهدوا، وتألّقت في نفوس المنتظرين على دروب البذل، والتضحية إنعاشاً وتأجيجاً لهذه الجمرة. فالطريق متشابه، فالقاصد الذي وصل، يسند القاصد المنتظر، وفي الحالين ما بدلوا تبديلا، ويقينهم أنهم أحياء يُرزقون، فيرزِقون من هذه الجمرة الملتهبة حبّاً مضاعفاً هو زاد العابرين، ويرفد المزيد بالمزيد.
تكوينا اختناقات اللحظة، وتُحيينا جمرة حب نستعيرها من أنصاف آلهة، وقد غدوا أيقونات اللحظة الممتدة إلى حيث سيكون النصر، نصرهم لأنهم قصدوا، فوصلوا، فكانوا شهداء للحق وعلى طريقه. على الطريق إلى القدس
وبين جمرة الحب التي لا تنطفئ إلا بالعطاء وخدمة الناس، وجاءت على لسان محمد رعد، والد الشهيد سراج (كُنّا جمعاً في حضرته للمواساة) والمؤتمن على دروب الشهداء ممن سبقوا، وينتظرون وما يبدلون، لا تتفارق عمّا جاء على لسان الزميل وائل الدحدوح الذي اكتوى بنار فقدان عائلته، فأقدم بكل جسارة على مواساة زميله (زميلنا) مؤمن الشرفي الذي فقد عائلته مخاطباً إياه بالقول: لقد أصبحنا نهباً للأوجاع والأحزان التي لا ولن تُسكِت أصواتنا ما دمنا على قيد الحياة.
إنها هي الحياة التي تلفحها جمرة الحب فتزداد عطاء وتضحية، لأن اليقين أقوى من الاكتواء، ولأن هذا التبادل في العطاء يمنح للحياة مع الشهداء معنى الشهادة، وحياة الشهيد الذي يهنأ في جنات الخلود.
تكوينا اللحظة فتنكسر للحظات اتجاهات عيوننا، نحاول إشاحة النظر فتنقضّ الذاكرة وجمرات الحب التي نستعيرها من “السراجيين” لعلها تُعيدنا إلى حقائق البث المباشر عن أشلاء أطفال كانوا أطفالاً، وأحضان أمهات مزّقتها سواطير جيش بني صهيون بأسلحته المتطورة، لأيادي عجائز خانتها قوة الإنحناء على الأهل والأحبة والجيران، لبقايا أجساد تعوزها الأكفان، لصرخات العزة تحت وابل من الأحقاد والجرائم المتنقلة، لعمرانٍ طحنته آلة فقدان الضمير الإنساني وانعدام القيم والأخلاق، للمنافقين من أدعياء حقوق الإنسان، وللخانعين الأذلّاء في نفوسهم من ذوي القربى وخذلانهم المتكرر لحقبات سبع من حياة شعب فلسطين.
لحظات الجمر، جمرٌ من شهادة ودماء شهداء، واشتعال من تضحيات لا تنطفئ إلا بشعلة العطاء. كأنها جدلية في سباق الإيثار للوصول. كأنها الميدان الذي فيه ومنه وإليه تُحسَب الحروف والكلمات والمعاني.
تكوينا اختناقات اللحظة، وتُحيينا جمرة حب نستعيرها من أنصاف آلهة، وقد غدوا أيقونات اللحظة الممتدة إلى حيث سيكون النصر، نصرهم لأنهم قصدوا، فوصلوا، فكانوا شهداء للحق وعلى طريقه. على الطريق إلى القدس.