مع التوصل إلى اتفاق لوقف اطلاق النار في غزة، وقرب انتهاء مهلة الستين يوماً لانسحاب جيش الإحتلال الإسرائيلي من الشريط الحدودي الذي احتله في قرى الحافة الأمامية في جنوب لبنان، تنبري أسئلة ومقاربات داخلية كثيرة.
مع التوصل إلى اتفاق لوقف اطلاق النار في غزة، وقرب انتهاء مهلة الستين يوماً لانسحاب جيش الإحتلال الإسرائيلي من الشريط الحدودي الذي احتله في قرى الحافة الأمامية في جنوب لبنان، تنبري أسئلة ومقاربات داخلية كثيرة.
وفي الشهر الثالث، من العام الثالث، لشغور مَنصِب رئيس الجمهورية اللبنانية، أي بعدَ عامين وشهرين وعشرة أيام بالتمام والكمال، وبقدرة قادر، تم ملء الفراغ الرّئاسي، بالقائد الرابعَ عشَر للجيش، ليمسي الرئيسَ الرابع عشر للبنان، في الجلسة الثالثة عشرة، وفي الموعد المحدّد، وبخطاب القسم المسهب، ليبدأ العهد في خضمّ رياح إقليمية عاتية، ومخاضات محلية آتية، فما هي التحديات التي تنتظره في الداخل كما في الخارج؟
إذا قُلتَ اليومَ إنّ النّقدَ الذّاتيَّ واجبٌ في هذا التّوقيت بالتّحديد، فأنت مُحقٌّ طبعاً. ولكن، أين يبدأ الخطأ وأين تبدأ الخطورة؟ يبدآن برأيي عند حدود الدّخول المُباشر أو غير المُباشر في عمليّة: الخطاب التّراجعيّ-الانهزاميّ، أي الخطاب الذي يعمل عليه العدوُّ ليلَ نهار مع حلفائه المباشَرين وغير المباشَرين حول العالم وفي المنطقة.
لو علم يحيى السنوار بمآل "الطوفان"، هل كان ليُطلقه؟ هل كان فتح جبهة الإسناد من لبنان قرارًا صائبًا؟ هل كان الكيان ليُهاجم لبنان لولا فتح هذه "الجبهة"؟ هل انتصرنا أم انهزمنا؟ ماذا حلّ بمفهوم "وحدة الساحات"؟ وهل كان يمكن لإيران أن تتدخل لمنع ما وصلنا إليه في لبنان وفلسطين؟
بعد خروج ياسر عرفات من بيروت في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، ظنّ كثيرون أننا دخلنا العصر الإسرائيلي وأن فلسطين صارت مجرد أغنية وشال وقصائد شعرية لا أكثر ولا أقل، لكن لم تمضِ أسابيع وأشهر قليلة حتى أطلّت ثلة لبنانية أعادت الرونق والحياة والحضور لقضيّة المقاومة.
تعيش منطقة الشرق الأوسط حالياً مرحلة خطيرة من مراحلها. فهذه المنطقة الواقعة على فوالق زلزالية متعددة، لم تهدأ أو تستقر منذ أكثر من مئة عام حملت في طياتها دماءً ودموعاً وويلات؛ قامت دول وتلاشت أخرى؛ قامت حروب وحدثت ثورات وانقلابات. ماذا بعد؟
علينا، بالطّبع، أن نُقارب القضيّة بموضوعيّة صارمة في هذا التّوقيت. فالمعنيّ، في نهاية المطاف، هو شعبنا ومستقبل شعبنا، كما ومستقبل هذا البلد.. بل ومستقبل هذه المنطقة برمّتها، وفي قلبِها قضيّتها المركزيّة بامتياز، ذاتيّاً وموضوعيّاً: أي قضيّة فلسطين وكلّ ما يتعلّق بهذه القضيّة الكُبرى.
تُمثّل إسرائيلُ التجلي أو التكثيف الأبرز لنظام القوة والمعنى في النظام العالمي، ولعلها أحد "نقاط الثبات" فيه، بمعنى أنها حافظت على موقع مهم، وبشكل ثابت تقريباً، والصحيح بشكل متصاعد، في سياسات ورهانات فواعله الكبرى، من نظام الحرب الباردة ونظام ما بعدها، وما بعد بعدها، أي النظام العالمي في طور التشكيل. وهو ما يمكن عَدُّه، من منظور عربي وإسلامي وربما عالم ثالثي، أحد "نقاط الاختلال" و"مصادر التهديد"، وليس "نقاط الثبات" و"مصادر الفرصة" من منظور إسرائيل. وثمة مع كل ذلك "نقاط أمل"، حتى لو كان قليلاً أو ضئيلاً!
قبل الكلّ، عاد الجنوبيون، برغم جراح الفَقْد والتضحيات الغالية للشهداء المقاومين الأشاوس، إلى جنوبهم الصامد قبل حتى إعلان بدء تطبيق إيقاف إطلاق النار في الرابعة فجراً!
مع سريان قرار وقف العمليات الحربية بين لبنان وإسرائيل، تدفق أبناء الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية صوب أحيائهم ومدنهم وقراهم وبلداتهم المدمرة، بشكل عفوي وعارم ما أدهش العالم من جهة وأقلق إسرائيل بما في ذلك جمهور المستوطنين في شمال فلسطين المحتلة من جهة ثانية.