مع بدء حقبة ملك السعودية فهد بن عبد العزيز، كان لا بد لأحمد زكي يماني أن يتنحى. قرر أن يستريح في لندن. إبتعد عن السياسة وإختار الثقافة مدخلا واضعا عددا من الكتب المتعلقة بالمرأة والإسلام وحياة الجزيرة، معبّرا عن اتجاه معارض معتدل بحيث أنه لم يخرج عن البنية الأساسية للنظام السعودي رغم الانتقادات. وهو كما عدد من ساسة المنطقة، بقي حذرا جدا في توجيه أي انتقاد للسياسة الاميركية حين كان في السلطة وعلى تواصل عميق مع واشنطن ولندن، ثم صار يفتح أوراقا وملفات تندد ببعض هذه السياسة الأميركية حين انتقل الى التقاعد القسري. يماني قال في معرض القاهرة الدولي للكتاب في العام 2003 عشية إجتياح العراق إن آثار ضرب العراق ستكون فاجعة على الوطن العربي، “وسيظهر المئات من اسامة بن لادن، وسيكون اسامة ملاكاً بالنسبة لهم”.
من يراجع سيرته منذ ولادته (1930)، يجد نفسه أمام خلطة يمانية بإمتياز: ينتمي الرجل إلى أسرة محافظة أصولها يمنية (أجداده). والده كان قاضيا وعالم شرع في الحجاز وعين مفتيا في أندونيسيا وماليزيا، بينما تولى جده منصب المفتي في تركيا في القرن التاسع عشر. إبن مكة المكرمة، نال في المدينة المنورة تعليمه الثانوي، وأرسله والده إلى القاهرة لدرس الحقوق، ومنها إلى الولايات بمنحة لدراسة القانون المقارن، نال بموجبها الماجيستير، ليكمل رحلته العلمية إلى هارفرد، ومنها نال الدكتوراه قبل أن يعود إلى مكة، وتحديدا إلى منصب المستشار القانوني لمجلس الوزراء في العام 1958. هذا المنصب أهَّله بعد سنتين لإحتلال منصب وزير دولة، قبل أن يعين وزيرا للنفط والثروة المعدنية بقرار من الملك فيصل بن عبد العزيز في العام 1962، وهو المنصب الذي حافظ عليه حتى العام 1986، ولم يكن قد سبقه إليه إلا المثقف عبد الله الطريقي أحد أهم الخبراء العرب في منتصف القرن الماضي.
الملك فهد يقصي الملك يماني
إرتبط إسم يماني بمنظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك”، وهو أول أمين عام للمنظمة التي ما تزال صامدة حتى يومنا هذا، ولو أن تأثيرها تراجع في السياسة منذ العام 1973، عندما تكرست معادلة النفط سلعة وليس سلاحا سياسيا. مع فيصل، فُصّل موقع خاص على مقاس أحمد زكي يماني، الآتي من خارج نادي الأسرة الحاكمة إلى مركز حساس وحيوي، لكن القوة التي راكمها الأخير بالحضور والنفوذ والتأثير، جعلت فهد يقصيه ليس لأنه لم يكن يبحث عن أقوياء بل لأنه لا يريد صنفا من الرجال يستقوون عليه.
في هذا الحوار مع سيد النفط السعودي أو امير الذهب الأسود، كما كان يسمى في المحافل الغربية، نظرا لدوره كما اناقته التي لم تفقده السنين شيئا منها، كانت لنا عودة قبل عقد من الزمن، الى مختلف الملفات التي خبرها وقادها او شارك فيها من النفط حتى تعرضه للاحتجاز كرهينة مع عدد من وزراء أوبك على يد مجموعة مؤيدة للعمل الفدائي الفلسطيني بقيادة راميريز سانشيز المعروف بـ”كارلوس” (المسجون حاليا في فرنسا) وكان الراحل أنيس نقاش أحد أفراد تلك المجموعة. كان سبب اللقاء تقديم سيرة يماني للجمهور العربي عبر فضائية الجزيرة في برنامج “زيارة خاصة”.
الأمير فيصل اختار أحمد زكي يماني وزيراً للنفط في وقت حساس جدا للسعودية (1962)، فقد كانت المملكة خاضعة عملياً لسطوة شركة عملاقة اسمها شركة أرامكو والمعروف تاريخيا أن أول امتياز سعودي للتنقيب عن النفط في السعودية كان قد أُعطِيَ لشركة كاسوك الأميركية من كاليفورنيا وهي الشركة نفسها التي بات اسمها عام 1944 أرامكو أي (Arabian American Oil Company)، أي أن السعودية انتظرت 29 عاما قبل أن تمتلك فقط نسبة 25% من أرامكو وفي تلك الأجواء تسلم أحمد زكي يماني وزارة النفط في مرحلة بالغة الحساسية..
أرامكو دولة داخل الدولة
من هذا التاريخ انطلق الحوار مع يماني، بسؤال عن الخطوط الحمراء التي رُسمت له في تلك الفترة.
أحمد زكي يماني: الواقع لم تكن هناك خطوط حُمر. الملك فيصل كان رجلا بكل المعاني وإذا أقنعته بشيء وقف ودعم وساعد.
كليب: حتى لو كان الأمر ضد قوى عظمى وتحديدا الولايات المتحدة أو بريطانيا؟
يماني: عينني الملك فيصل وزيرا للنفط بينما كنت في بيروت وعلمت بذلك من خلال الصحف اللبنانية ولم يكن هذا مجالي، إنما القانون. أول ما بدأت العمل في وزارة النفط، قلت لا بد من تكوين البنية البشرية ثم الخبرة العملية وذكرت في أول يوم عُينت فيه كلمتين هما أولا معهد البترول الذي أصبح يعرف في ما بعد بجامعة البترول والمعادن وثانيا الشركة الوطنية للبترول التي أصبحت في ما بعد بترومين، أي المؤسسة العامة للبترول والمعادن. كانت هناك اعتراضات لكن الملك فيصل أيدني ووافق على الأمرين.
كليب: صندوق النقد هو الذي نصح فيصل بعدم إقامة بترومين؟
يماني: نعم، بحجة أنها قد تؤدي إلى هروب رأس المال وإلى تقليص النشاط الأميركي في صناعة البترول إلى آخر الاسطوانة.
كليب: السؤال الأساس في منتصف السبعينيات كان متمحورا حول العلاقة مع الولايات المتحدة وأول الأمور التي أزعجت أرامكو والولايات المتحدة كان قرار وزير النفط السعودي بألا تكون الحكومة السعودية طرفاً في التحكيم ومَن يقرأ الاتفاقية الأولى لامتياز أرامكو في نهاية الثلاثينيات يدرك كم أن هذه الشركة كانت ذات سطوة كبيرة على السعودية ونفطها طالما أنها مصدر المال الرئيس، كان للشركة أجهزتها الفاعلة واستخباراتها وقوة تمنع أي شخص من التدخل في شؤونها وكانت المعادلة معقدة بين الحصول على المال وبين التخلي عن بعض السيادة.
يماني: نعم، كانت أرامكو دولة داخل الدولة.
كليب: حين وقعت نكسة 1967، فكر البعض بالتظاهر داخل معهد البترول فاعتقل وطُرد رئيس المعهد لهذا السبب لأنه مجرد فكر بالتظاهر.
يماني: ما حصل أن الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون أرسل إلى الملك فيصل رسالة شفوية وهي في العرف الدبلوماسي ورقة مكتوبة يتلوها السفير باسم بلاده على مسمع رئيس الدولة. هذه الرسالة كانت تقول إن أحمد زكي يماني يسعى إلى زعزعة العلاقات بين الولايات المتحدة وبين المملكة العربية السعودية وضد فكرة الشراكة. هذه الرسالة سُجِّلت مَن قبل مَن كان يحضر لأنها تليت بالإنجليزية ثم ترجمت إلى العربية وناداني الملك فيصل في صباح اليوم الذي سأبدأ فيه في مدينة جدة المفاوضات أو أستأنفها مع ملاك أرامكو في موضوع الشراكة. الملك فيصل قرأ عليَّ أو أعطاني أقرأ الرسالة الشفوية، فأنا قلت له يعني إيش رأيك الآن؟ فقال لي أنت تعتقد إنه هذا مهم جدا لمصلحة المملكة؟ قلت له نعم قطعاً، قال لي إذاً استمر، قلت له الآن الاستمرار لا مفعول له ولن يؤدي إلى أي نتيجة، قال وما الذي نحتاجه؟ قلت له دعم منك يبين إنك أنت الذي يدعم موضوع الشراكة. قال لي اكتب، فكتبت إن المملكة العربية السعودية تحرص على أواصر الصداقة والتعاون مع شركات البترول ولكنها تحرص على مصالحها وإن لم تتعاون شركات البترول معنا لتحقيق مصالحنا الشرعية فإنها عندئذ ستتفاجأ بتغيير سياسة الصداقة. طلب منا إذاعة ذلك عبر الإذاعة ورحت للاجتماع طبعاً كانت العنجهية والغطرسة بادية على وجوه الجميع. قالوا كل شيء مرفوض.
كليب: تقصد المسؤولين في أرامكو؟
يماني: نعم. بعدما أنتهينا قلت لهم إنه هناك بيان من الديوان الملكي سيصدر بعد ساعتين وأنا أحب أن لا تتفاجؤوا به. طبعا كُنتُ قد طبعت النسخة العربية وترجمتها لهم وقلت لهم حتى لا تتعبوا في الترجمة. أصابهم وجوم وشيء من الإحباط. سألتهم نتفاوض غداً قالوا لا، لازم نرجع لأنه التعليمات ما كانت أن نجري مفاوضات ثم عادوا واستمرينا في المفاوضات ونجحنا.
شاه إيران بدأ يصبح مختلاً
كليب: رغم كل هذا الدعم المباشر الذي لقيته من فيصل هل كنت تستطيع مثلاً أن تحدد سعر النفط مثلاً أو الإنتاج؟
يماني: لا قطعاً لا لكن موضوع تحديد سعر النفط مرَّ بمراحل ثلاث. الأولى عندما كانت شركات البترول تقوم وحدها بتخفيض الأسعار وبالتالي تنقص إيرادات الدولة. المرحلة الثانية هي في بداية السبعينيات عندما بدأنا في تحديد سعر النفط في ما بيننا كمنتجين وبين شركات البترول. المرحلة الثالثة سنة 1973 لما اُتُخِذت الإجراءات البترولية مع نشوب حرب أكتوبر، شركات البترول رفضت المشاركة في موضوع تحديد السعر. أرادت أن تكون بين المنتجين والمستهلكين وترك الاثنين يصطدمان ببعضهما البعض فبدأنا في تحديد سعر النفط يوم 16 أكتوبر سنة 1973.
كليب: حرية تحديد أسعار النفط والإنتاج ليست محصورة بدول معنية بالإنتاج وإنما بمصالح الدول الكبرى التي لم تعد تتردد في شن حرب كبيرة للسيطرة على منابع ومصادر النفط وقد مر سعر النفط السعودي بثلاث مراحل أساسية يحددها لنا الشيخ أحمد زكي يماني كان بينها المرحلة التي لعب فيها شاه إيران مع وزير الخارجية الأميركي هنري كيسينجر دوراً خطيراً وقد كانت لأحمد زكي يماني في مراحل معينة علاقة جيدة مع شاه إيران.
يماني: أتحفظ على عبارة إنه كانت تربطني صداقة بشاه إيران.
كليب (مقاطعا): ألم يقدم لك هدية مائة شتلة عنب؟
يماني: في آخر الستينيات كنت دائم السفر إلى طهران أنقل إلى الشاه رسالة من الأمير فيصل ثم الملك فيصل وكان دائماً يحاول الحصول على بعض معلوماتي النفطية وصار هناك شيء من الاتصالات وأنا لا أدعي إنها كانت صداقة واستمر الوضع إلى بداية السبعينات. حقيقة الأمر أن هنري كيسينجر وهو رجل قمة في الفكر الاستراتيجي وجد إنه لكي يتخلص من القوة الاستراتيجية العربية المنبثقة من البترول يجب أن يُرفع سعر البترول بالشكل الذي يمكن شركات البترول من الحصول على أموال كبيرة تستثمرها في مناطق أخرى خارج الدول العربية وهذا ما حصل، يعني كانت إيران ضد رفع أسعار البترول وهذا موجود في أوراق أوبك، لكن بعد سنة 1973 انقلب الوضع فصارت إيران تريد رفع أسعار البترول. تقديري أن الشاه اقتنع من كيسينجر بوجوب رفع السعر حتى يتمكن من الحصول على أموال تزيد من قدرته العسكرية وأراد كيسينجر أن يخلق من شاه إيران ما كان يُسمى آنذاك شرطي الخليج العربي وصارت مشاكل بيننا وبين الإيرانيين بالنسبة لأسعار البترول. بالمحصلة نجح كيسينجر في إيجاد مصادر بديلة للإنتاج في بحر الشمال والمكسيك وجهات أخرى، أوبك وبدل ما كانت تنتج 70% من إنتاج العالم نزل هذا الرقم إلى 30%. أوبك بدل ما كانت تنتج 31 مليون برميل في اليوم في نهاية السبعينات صارت تنتج 15 مليون برميل.
شاه إيران هدد دول الخليج وقال لي ردا على إشهار سلاح النفط: الناس إما يتأدبوا ويمشوا على الصراط المستقيم وإلا نحن سنقوم بالواجب
كليب: أثر ذلك على السعودية؟
يماني: أثر قطعاً على كل الدول وحرم الدول العربية من قوة اقتصادية.
كليب: هل صحيح أن الشاه هدد أمامك باجتياح دول الخليج؟
يماني: قال ما معناه أن الناس إما يتأدبوا ويمشوا على الصراط المستقيم وإلا نحن سنقوم بالواجب، فذهبت وكان لي صديق هو السفير الأميركي في جدة جيم إيكلس فذكرت له غطرسة الشاه وذكرت له إن هذا الرجل أكيد لن يستمر بالحكم ما دام وصل لهذه المرحلة وسيسبب ثورة في داخل إيران..
كليب: وقلت له إنه بدأ يصير مختلا.
يماني: هذه قلتها صحيح. فوجئت في ما بعد أن جيم إيكلس لم يأخذ كلامي على محمل الجد. كتب مذكرة وأرسلها لوزارة الخارجية الأميركية وهذه الأخيرة وبرغم أنها مذكرة سرية سربتها إلى واشنطن بوست.
كليب: خلال حرب عام 1973 كان موقفك مغايرا لمواقف أولئك الراغبين بقطع النفط أو رفع أسعاره أو معاقبة أميركا عبره بسبب دعمها لإسرائيل.
يماني: ما كان هذا موقفي. كان موقف الملك فيصل الذي أجزم قطعاً إنه كان يعلم عن حرب 1973.
كليب: لماذا؟
يماني: الملك فيصل ما كان يرديني أن أسافر. رحت مرة إلى سان فرانسيسكو وقال لي عليك أن تحضر المؤتمر يوما واحدا وتعود حالاً. عندما قررت الذهاب إلى فيينا لأترأس لجنة التفاوض على الأسعار مع شركات البترول، إعترض فشرحت له إذا لم أذهب سيفسر الأمر بأننا ضد رفع الأسعار، فسمح لي على مضض. فلما ذهبت ونشبت حرب أكتوبر كنت بفيينا فعرفت أن الملك فيصل يريد استخدام البترول كسلاح وهذا الكلام ذكره عدة مرات، فقد أرسلني في نيسان ـ إبريل 1973 إلى الولايات المتحدة حتى أقول لهم لا تعتمدوا على تصرفات الصداقة في شؤون البترول إلا إذا حُلّت قضية الشرق الأوسط وأزيح الاحتلال عن الأرض المحتلة.
كليب: مَن التقيت آنذاك؟
يماني: وليام روجرز وزير الخارجية وجيمس سلنجر وزير الدفاع وجورج شولتز وزير الخزانة وهنري كيسينجر مستشار الأمن القومي الذي انزعج جداً وقال لي هل أخبرت أحدا في الإدارة الأميركية فقلت له نعم وقال لي هذا الموضوع يجب أن تسكت عنه.
كليب: لماذا؟
يماني: أراد أن يخفي موقفنا عن نيكسون، وبرغم تعليمات أعطيت لي أن هذا الأمر يجب أن يبقى سريا طلبت من صديق أن يخبر الواشنطن بوست فنشرت أن يماني جاء لنقل رسالة من الحكومة السعودية مؤداها إن لم تنشط الحكومة الأميركية في إزالة الاحتلال عن الأراضي المحتلة فهناك تصرفات غير ودية تتم. بعد ذلك قال لي الملك فيصل لماذا أذيعت الرسالة، فقلت له السبب فوافق واقتنع به.
نيكسون يثور ويعاتب وزير دفاعه
كليب: وماذا كان رد كيسينجر؟
يماني: خلال اللقاء لم يبرز أي اعتراض لكن الإجراءات البترولية ثم مقاطعة أميركا جعلت كيسينجر ينفعل. يعني دولة عظمى تيجي دول صغيرة تعتبرها لا شيء بالنسبة لها وتجرؤ على مجابهة أميركا كانت ردود الفعل في الأول أنهم قرروا أن يحتلوا المملكة والكويت والإمارات وتألفت لجنة في أميركا لهذه الغاية.
كليب: كيف عرفت أنهم كانوا يريدون ذلك؟
يماني: عُرِف الأمر في ما بعد. بالنسبة لكيسينجر مجرد تهديد بدون أن يذكر الإجراءات العسكرية وأنا رديت على التهديد وكنت في الدنمارك وكل هذه منشورة لا تلعبوا بالنار لكن جيمس سيلنجر وزير الدفاع سرب هذه المعلومة إلى الحكومة البريطانية فثار نيكسون عليه وعاتبه على تسريب أمور سرية خطيرة.
كليب: الدول العربية في عام 1973 كانت كلها موافقة على تهديد المصالح الأميركية في المنطقة في حال لم تسحب الاحتلال الإسرائيلي من الأراضي التي احتلتها؟
يماني: لا هذا كان بين المملكة وأميركا..
كليب: كنتم على تشاور مع الدول الأخرى من أجل اتخاذ هذا القرار؟
يماني: لا. أنا متأكد أن الرئيس أنور السادات كان يعلم بأن البترول سيستخدم كأداة في المعركة.
كليب: كانت هناك اعتراضات عربية وفق علمك؟
يماني: الاعتراضات من نوع أننا نؤمم شركات البترول حسب اعتراض العراق أو أننا نسحب كل أرصدتنا من الغرب ونقاطع الغرب وهذا موقف ليبيا. الخطة وضعت أسسها في فيينا مع صديقين لي أحدهم ما يزال حيا وهو خضر حرز الله وصديق توفاه الله وهو المصري نور الدين فراج. هذه الخطة هي التي حملتها معي للملك فيصل. أنا وضعتها وكأني أقرأ أفكار الملك فيصل.
كليب: ماذا تضمنت؟
يماني: تخفيض إنتاج البترول شهريا بنسبة 5% وكان الهدف منها استخدام البترول ليس كسلاح ولكن كأداة سياسية لإشعار الرأي العام في الغرب أنه هناك مشكلة ما بين إسرائيل وما بين العرب. بعض الأخوة العرب انسحبوا. كنا نجتمع وإياهم تحت مظلة أوبك. لهذا اجتمعنا بعد إنسحابهم تحت مظلة وزراء البترول العرب واتخذنا القرار.
كليب: طبعا الحرب قامت وسلاح النفط لم يستخدم بشكله الصحيح آنذاك. البعض قال إنه لم يكن من الضروري استخدام سلاح النفط لأنه أثر عكسيا والبعض الآخر يقول إن الإجراءات التي اتخذت كانت في محلها. ما هو تقييمك لما حصل بعد مرور أكثر من ربع قرن؟
يماني: أميركا أذكى منا وكيسينجر كان يعلم أن الشارع العربي يريد أن ترتفع أسعار البترول حتى يحصل على أموال أكثر من الدول الإمبريالية، ولهذا إذا أنت وقفت وقلت إن رفع السعر بشكل فجائي أمر خطير وفي غير المصلحة الاستراتيجية العربية تصبح عميلا للاستعمار.
فيصل يصعّد مع الأميركيين.. والسادات عكسه
كليب: هذا ما حصل فوزير النفط السعودي السابق أحمد زكي يماني يؤكد أنه اضطر لمغادرة منصبه لأنه عارض رفع أسعار البترول ومعارضوه يقولون إنه غادر منصبه لأن الملك فهد لم يحبذ قراراته النفطية التي أحدثت مشكلة للسعودية قبيل إبعاد اليماني من منصبه، لكن بعيدا عن القول وعكسه فإن مَن يقرأ أرشيف تلك الفترة الحساسة يُذهل كيف أن شاه إيران لعب اللعبة الأميركية من خلال الضغط باتجاه رفع السعر وجاراه في ذلك كل من الجزائر والعراق وليبيا وبعض الدول الأخرى وفق ما يقول ضيفنا فشلت الخطة السعودية وفُرض على الدول العربية وقف الإجراءات البترولية ابتداء من عام 1974 واللافت والغريب والمريب هو أن الرئيس المصري الراحل أنور السادات بطل حرب العبور كان هو نفسه بطل وقف الإجراءات البترولية العقابية فهل كان ينسق سلفا مع الأميركيين؟
يماني: كان السادات يصر على إيقافها وكان الملك فيصل يرسلني مرات عديدة لأقابله لكن كان موقفه متشددا في هذا الأمر ثم أراد أن يدعو إلى مؤتمر رباعي(سوريا ومصر والجزائر والسعودية) في القاهرة لكن الملك فيصل رفض فقال له السادات طيب نخلي الاجتماع في الرياض فرفض الملك فيصل أيضا، فاتفق أنه يكون الاجتماع في الجزائر وسافر الملك فيصل وكنت بصحبته وما رأيته في حياتي في حالة وجوم وسكوت كما رايته هذه المرة، وقال لي بألم رح ترفعوا الإجراءات البترولية ورفعناها.
لو هاجمت أميركا إيران مباشرة أو عن طريق إسرائيل سيرتفع النفط إلى مستويات عالية جدا، ذلك يعتمد على ردة الفعل الإيرانية،
كليب: الغريب أن السادات يطالب برفع الإجراءات والملك فيصل لا يريد رفعها، خلافا لما تعتقد الناس.
يماني: لو إنتظرنا بعض الوقت لكانت الإجراءات أعطت ثمارها، لكن أجهضت محاولة إستخدام البترول أداة سياسية برفع السعر وكانت النتيجة أن أوبك فقدت قوتها. قناعتي اليوم أن الدول العربية النفطية لا تستطيع إستخدام البترول الآن كسلاح بتخفيض الإنتاج رغما عن إرادة الولايات المتحدة الأميركية، وأعتقد أن أميركا هي التي تقرر، هي التي فرضت الحصار على العراق وإيران وليبيا. نحن والأميركيون نتحمل مسؤولية ما وصلنا إليه. هناك أخطاء مثل ما فعله صدام حسين في الهجوم على إيران ثم غزوه للكويت. هذه من الأخطاء الفادحة التي أدت إلى حرمان العرب من أي قوة سياسية على البترول وأفسحت المجال لدخول القوة الأميركية المهيمنة على منطقة الخليج العربي. لو هاجمت أميركا إيران مباشرة أو عن طريق إسرائيل سيرتفع النفط إلى مستويات عالية جدا، ذلك يعتمد على ردة الفعل الإيرانية، قد يصل البرميل إلى مائة وخمسين دولارا، ستكون هناك كارثة على الاقتصاد العالمي كله، هذا ثمن ضرب إيران.
(*) أحمد زكي يماني منذ تقاعده وحتى وفاته صباح اليوم (الثلثاء)، كان يقيم في أوروبا ويعطي جزءا من وقته لقضايا التراث والثقافة.