في وقت أحدثت الهجمات على بقيق وخريص صدمتها الأولى على أسعار النفط، تفاوتت التوقعات بشأن الزيادة المستقبلية، وإن تفاوتت آراء الخبراء حول مستوياتها، خصوصاً مع تزايد التساؤلات حول قدرة السعودية، ودول الخليج عموماً، على التعامل مع أزمة في الإمدادات، لا سيما مع خسارة، ولو مؤقتاً، خمسة في المئة من كميات النفط الآتية من أكبر دولة مصدرة في العالم.
وفي أولى التعاملات منذ الهجمات، حققت خام “برنت” أكبر مكسب بالنسبة المئوية خلال يوم واحد، منذ بداية حرب الخليج في عام 1991، إذ قفزت العقود الآجلة ما يصل إلى 19.5 في المئة إلى 71.95 دولار للبرميل، وبحلول الساعة 3:43 بتوقيت غرينتش ارتفع عقد الشهر المقبل إلى 66.20 دولار للبرميل بزيادة 5.98 دولارا أو 9.9 في المئة مقارنة بالإغلاق السابق.
https://ara.reuters.com/article/businessNews/idARAKBN1W00UL
حالياً، تتعامل أسواق النفط مع الواقع الذي أفرزته هجمات بقيق وخريص وفق معادلة لخّصها رئيس شركة “ليبو أويل اسوشييتس” أندي ليبو على النحو التالي: كل يوم تظل فيه منشأة بقيق مغلقة يفقد العالم خمسة ملايين برميل الانتاج النفطي، في حين أن الطاقة الفائضة في العالم لا تصل إلى خمسة ملايين برميل يومياً.
https://www.reuters.com/article/us-saudi-aramco-fire-capacity/attacks-on-saudi-facilities-threaten-spare-oil-capacity-price-hikes-idUSKBN1VZ0OJ
ومن السابق لأوانه معرفة مدى الضرر الذي لحق بوحدتي المعالجة وسلسلة الإمداد السعودية التي تنقل النفط الخام من حقول الإنتاج إلى منشآت التصدير، ولكن أمين الناصر، الرئيس التنفيذي لشركة “أرامكو”، أوضح في بيان إن الشركة سيكون لديها مزيد من المعلومات خلال 48 ساعة في الوقت الذي تعمل فيه على إعادة الإنتاج المتوقف.
المسألة إذاً ترتبط بالفترة الزمنية التي ستكون السعودية قادرة خلالها على إعادة العمل بمنشأة بقيق بالطاقة ذاتها التي كانت عليها قبل الهجمات، التي تتزايد التكهنات بشأن مصدرها، في ظل حديث أميركي عن أنها لم تأتِ من اليمن، برغم بيان تبنّي العملية بالطائرات المسيّرة من قبل الحوثيين، وانطلاقاً من ذلك يتوقع المراقبون والمتعاملون أن تشهد السوق النفطية عودة إلى سعر 100 دولار للبرميل إذا لم يمكن حل المشكلة خلال ثلاثين يوماً.
وإذا طال أمد تعطل الإمدادات فقد يدفع ذلك إلى زيادة الإنتاج والصادرات من الولايات المتحدة لكن محللين ومتعاملين في النفط قالوا إن استجابة الشركات الأميركية للتغيرات السعرية قد تستغرق شهوراً بسبب قيود لوجستية، علماً بأنّ الإنتاج الأميركي يتجاوز حالياً 12 مليون برميل يومياً، فيما تتجاوز الصادرات الثلاثة ملايين برميل يومياً، ولكن من غير الواضح ما إذا كان بإمكان منشآت التصدير الأميركية استيعاب الشحنات الإضافية.
بدأ الحديث يدور عن ظهور مخاطر جيوسياسية لإمدادات النفط من السعودية للمرة الأولى منذ أكثر من عشر سنوات.
وحتى الآن، وحدها الولايات المتحدة ألمحت إلى امكانية استخدام مخزونها الاستراتيجي، لكي ينضم إلى المخزون الاستراتيجي الموزّع بين خزانات داخل المملكة وخارجها، لاحتواء الموقف، في حين لم تخرج أيّة مؤشرات حاسمة من روسيا وباقي الدول المصدّرة، بالنظر إلى اعتبارات متصلة بالحذر من المس باتفاق “أوبك +”، التي ربما يتسبب الهجوم على المنشآت السعودية بنهاية العمل بها، إذ من المحتمل أن يزيد المشاركون في هذا الاتفاق، مثل روسيا والعراق وكازاخستان، من انتاجهم النفطي بموافقة ضمنية من الرياض.
ورفضت وزارة الطاقة في روسيا التعليق على الأمر، فيما اكتفى المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف بالقول إن الرئيس فلاديمير بوتين على علم بالهجوم، وأن السعودية لم تطلب المساعدة بعد.
وبجانب التداعيات المباشرة للهجمات، وبصرف النظر عن مدى قدرة السعودية على احتواء ما جرى، فقد بدأ الحديث يدور عن ظهور مخاطر جيوسياسية لإمدادات النفط من السعودية للمرة الأولى منذ أكثر من عشر سنوات.
وفي هذا السياق، نقلت وكالة “رويترز” عن غاري روس من “بلاك غولد إنفستورز” أن السوق في حاجة إلى دراسة المخاطر في الأسعار”، في وقت أشارت شركة “ريستاد اينرجي” الاستشارية إلى أن الهجمات قلبت السوق رأسًا على عقب خلال عطلة نهاية الأسبوع، مهددة بتغيير مفهوم وفرة إمدادات النفط بعد طفرة النفط الصخري في الولايات المتحدة قبل خمس سنوات، والتي أدت إلى انخفاض أسعار النفط في جميع أنحاء العالم، لتخلص إلى التأكيد على أن “الوضع في الشرق الأوسط أصبح أكثر هشاشة”.
https://www.reuters.com/article/us-saudi-aramco-attacks-oilprice-analyst/analyst-view-saudi-attacks-raise-specter-of-oil-at-100-barrel-idUSKBN1W00BQ
https://www.rystadenergy.com/
ويتفق المراقبون على أن ثمة حاجة الآن إلى افتراض أن أعداء السعودية قادرون على الوصول إلى عمقها النفطي، واستهداف حقولها وبنيتها التحتية، ما يهدد سمعة المملكة كمنتج ومورد موثوق للخام.
في حين يصعب التكهن بحدوث المزيد من الهجمات، وبالطريقة التي قد ترد السعودية أو الولايات المتحدة على هجمات السبت الماضي، فإن تهديدات الإنتاج من الشرق الأوسط باتت في أعلى مستوى منذ حرب الخليج الأولى عام 1990، بحسب ما أجمع خبراء استطلعت صحيفة “فاننشال تايمز” آراءهم.
https://www.ft.com/content/f72193ac-d7c5-11e9-8f9b-77216ebe1f17
وبحسب آمي مايرز جافي، خبيرة الطاقة في مجلس العلاقات الخارجية، فإنّ “إيران على ما يبدو ترسل رسالة واضحة مفادها أن لديها القدرة على استهداف البنية التحتية الأكثر حماية وحساسية في الشرق الأوسط بشكل مباشر”. وتوضح: ما تقوله إيران هو التالي: لا يمكنكم إيقافي… لدي القدرة على إخراج المنشآت الحيوية لإنتاج وتصدير النفط الخام، حتى في أكثر الأماكن حساسية”.