مع بدء الحديث تحديداً عن تشكيل حكومة تكنوقراط أو حكومة تكنو-سياسية، تطفو على السطح أسماء مرشحين لتولي الحقائب الوزارية، بخاصةً من العاملين في الشأن العام، سواء من خلال جمعيات أو كنشطاء متخصصين، على اعتبار أنّهم “أوادم” بالضرورة، طالما أنّهم من خارج الطبقة التقليدية للحكم، وهو ما ليس بالضرورة أن يكون صحيحاً.
وبالتوازي مع انتخاب رئيسٍ جديد للجمهورية هو العماد جوزاف عون، يُعوّل على أن يكون نقطة محورية في انطلاق مسارٍ إصلاحي في البلد، وأيضاً مع تكليف رئيس حكومة من خارج نادي رؤساء الحكومات التقليديين (القاضي نوّاف سلام)، بدأت الأنظار تتّجه نحو عددٍ من الناشطين ورؤساء الجمعيات والتحالفات، الذين باتوا يعملون بشكل واضح على الترويج لأنفسهم كخياراتٍ مناسبة تمتلك الخبرة والاختصاص اللازمين، ساعين إلى نيل الثقة باعتبارهم رموزاً للتغيير المنشود.
ولأن لا مؤسسات الدولة اللبنانية ولا الاستحقاقات المالية والاقتصادية الداهمة، ولا المجتمع بأسره، يملك رفاهية إضاعة الوقت في تجارب قد تفشل، وندخل دوامة إحباطٍ جديدة، اذا ما أسأنا الاختيار. لذلك وجب التأكد من أنّ المرشحين لتولي مناصب حكومية قد احترموا أعلى معايير الإدارة الرشيدة في مؤسساتهم أو جمعياتهم أو التحالفات التي نشطوا من خلالها.
اليوم، ثمة حاجة ملحة لاختيار مرشحين يمتلكون تجارب إدارية حقيقية إلى جانب التخصص المهني، لأن هذين العاملين هما أساس الإدارة الاستثنائية في ظروف تعتبر “فرصة المليون”، حيث لا مجال للخطأ أو التساهل
***
ما هو المقصود بأعلى معايير الإدارة الرشيدة؟
1-ألا يكون المرشح قد شغل منصب رئيس/ة الجمعية أو التحالف لأكثر من دورتين، حيث أنّ عدم الالتزام بهذا الشرط يعكس غياب مبدأ تداول السلطة لديه.
2-ألا يكون المرشح قد وظّف أي فرد من عائلته، وبخاصة من صلة الرحم الأولى، في الجمعية أو التحالف. فخلاف ذلك يعني أنه يضرب مبدأ تضارب المصالح لديه.
3-أن يكون المرشح قد قدّم التصاريح المالية المطلوبة الخاصة بجمعيته أو منظمته، ضمن المهلة القانونية الإلزامية. وإلا يعني أنّه ممكن أن يمارس التهرب الضريبي بسهولة.
4-أن يكون المرشح قد سجّل جميع موظفي الجمعية في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي برواتبهم الحقيقية، وأفصح عنهم بشكل صحيح. أي تقصير في هذا الجانب يدل على غياب الالتزام بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية.
5-ألا يكون المرشح قد اقتطع مبالغ مالية من رواتب الموظفين، والتي تصل في بعض الجمعيات إلى نصف الراتب، تحت أي ذرائع. مثل هذه الممارسات تثير شبهات فساد.
6-ألا يكون المرشح قد استفاد خلال الفترة بين 2020 و2021 بإيداع أموال الخاصة (لولار) بحسابات الجمعية لتغطية أنشطة الجمعية، ومن ثم استعادها لاحقًا بصيغة “فريش دولار”. فهذا يعتبر إثراءً غير مشروع.
7-ألا يكون المرشح فد استفاد من موقعه، وعقد اتفاقيات أو روّج لأي سياسي أو متعهّد لقاء الحصول على منافع أو مكاسب مالية، وإلا فهو يستغل المنصب لمصالح خاصة.
8-أن يكون المرشح على استعداد لرفع السرية المصرفية عن حساباته الخاصة، وحسابات الجمعية لإثبات النزاهة والشفافية.
9-أن يكون المرشح قد أدار الجمعية أو المشاريع التي تولى مسؤوليتها بطريقة تحقق توازنًا واضحاً بين ميزانية المشروع ومخرجاته. فأي قصور في هذا الجانب يعكس إدارة غير منتجة، وهدراً للموارد.
10-ألا يكون المرشح يعمل في جمعية تحت غطاء ناشط أو متخصص في قطاعٍ ما، بينما هو في الواقع منتسب لحزب سياسي أو كان يمتلك صفة تنظيمية حزبية سابقة، لتعارض هذا الأمر مع مبدأ الاستقلالية.
***
لا شك أن ظاهرة “المستوزرين” باتت واضحة اليوم، حيث نراهم ونسمعهم عبر “عروضات” مواقع ومنابر التواصل الاجتماعي، سواء من خلال صفحاتهم الشخصية أو عبر مواقع إلكترونية بدأت بالترويج لهم بأساليب متنوعة، لقاء منافع.
يقع على عاتق رئيس الحكومة المكلف، وفريق عمله مسؤولية كبرى في اختيار الوزراء المناسبين عبر عملية (vetting) دقيقة للمرشحين/ات، والتأكّد من امتلاكهم المعايير المذكورة أعلاه. فبينما يوجد ناشطون حقيقيون يسعون لخدمة الصالح العام، هناك أيضًا من تسلّق ولا يزال سلم المجتمع المدني لتحقيق طموحاته الشخصية. وبعضهم ليسوا سوى “بالونات من الهواء”. لكل منهم قصته، لكن كما يقول المثل: “بيت السبع ما بيخلى”.
في الختام، نُكرّر أن الوقت لا يسمح بالمزيد من التجارب الفاشلة، فالبلاد بحاجة إلى كفاءات قادرة على إدارة المؤسسات الحكومية بطريقة تختلف عن عقود الاستشارات القطاعية.
اليوم، ثمة حاجة ملحة لاختيار مرشحين يمتلكون تجارب إدارية حقيقية إلى جانب التخصص المهني، لأن هذين العاملين هما أساس الإدارة الاستثنائية في ظروف تعتبر “فرصة المليون”، حيث لا مجال للخطأ أو التساهل.
(*) ملاحظة: كاتب هذه السطور غير طامح لأي منصب وزاري.