يقف لبنان على تقاطع وتعارض مصالح إقليمية تُعقّد المسارات التي يريد أن يسلكها في إطار تشكل الشرق الأوسط الجديد، في ضوء الفراغ الذي تركه انكفاء النفوذ الإيراني في المنطقة.
يقف لبنان على تقاطع وتعارض مصالح إقليمية تُعقّد المسارات التي يريد أن يسلكها في إطار تشكل الشرق الأوسط الجديد، في ضوء الفراغ الذي تركه انكفاء النفوذ الإيراني في المنطقة.
يُفترض أن تعقد في الأسبوع الأول من كانون الثاني/يناير المقبل، جولة تفاوضية هي الثالثة بين لبنان وإسرائيل منذ انطلاق التفاوض السياسي بين الجانبين، غير أن رصد مجريات الجولتين الأولى والثانية يكشف اختلالًا يتضح أكثر فأكثر من خلال تصريحات المسؤولين اللبنانيين والإسرائيليين حول طبيعة المواضيع التي تجري مناقشتها؛ فما يسعى إليه لبنان لا يندرج في السياق نفسه الذي تسعى إليه إسرائيل.
تحت عنوان "عام على وقف إطلاق النار: هل تغير لبنان حقاً"؟، قدمت مؤسسة الدراسات الفلسطينية تقريراً مترجما من العبرية إلى العربية، من إعداد الكاتبين الإسرائيليين أورنا مزراحي وموران لفنوني من "معهد أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب" تضمن الآتي حرفياً:
لم يعتد "الثنائي الشيعي" الجلوس في صفوف المعارضة أو ممارسة جزء منها وهو في قلب الحكومة العتيدة. لطالما كان مقرراً أو معطلاً، لا سيما إذا كان الأمر يتصل بالمقاومة وسلاحها. هل هذا الإستنتاج في محله أو يحتمل شيئاً من المبالغة؟
أثار قرار رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون القاضي بتعيين ممثل مدني للبنان هو السفير سيمون كرم في لجنة مراقبة اتفاق وقف الأعمال العدائية مع "إسرائيل" (لجنة الميكانيزم)، جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية اللبنانية بين منتقد ومؤيّد ورافض.. وقد جاء هذا التعيين بعد موجة عارمة من التهديدات الأميركية و"الإسرائيلية" بشنّ عدوان واسع على لبنان ما لم تتم عملية حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية قبل نهاية الشهر الجاري. ووسط هذا الصخب السياسي، لا بد من قراءة واقعية وهادئة لمفاعيل هذا القرار وما يمكن أن يؤول إليه.
يجد لبنان نفسه اليوم أمام مفارقة معقّدة في مسار التفاوض مع إسرائيل؛ مفارقة تحمل أربعة أهداف متداخلة، بعضها مفروض عليه بحكم الواقع الجغرافي والسياسي، وبعضها الآخر نتيجة حسابات داخلية وخارجية لا يمكن تجاهلها. فهو من جهة يسعى إلى تجنّب سيناريو دموي شبيه بما حلّ بغزّة، ومن جهة ثانية يريد تفادي حرب واسعة قد تُستنزف فيها قدرات حزب الله بما يتجاوز طاقته الحالية.
كانتِ الدعوةُ إلى الحوارِ قِوامَ ثُلُثَيْ كلمةِ البابا "لاوون الرابعَ عَشَرَ" خلال زيارتِهِ لبنان. لم يُعْلنْ ترتيبَ مَنْ يدعُوهمْ. هو ليس مُلْزَماً بذلك. وليس الخِطابُ المُباشِرُ منْ تقاليدِ الباباواتِ ما خلا الخُطَبَ الكَهْنوتِيَّةَ – الدينيَّةَ المَحضةَ. لكنْ ما من خِطابٍ إلَّا وهْو موضوعُ تفكيكٍ وَفقاً لِمُصطلحِ "فوكو". التفكيكُ ضرورةٌ عقلانيَّةٌ وسياسيَّةٌ لاكتشافِ سِياقاتِ المَعنى وسَبْرِ أغوارِهِ. الحِوارُ لازِمةٌ ثابِتةٌ في لغةِ الفاتيكان منذ مرورِ البابا "بولس السادسِ" في مَحَطَّةٍ عابرةٍ، في مطار بيروت قبل ستةِ عقودٍ، إلى "يوحنَّا بولس الثاني"، إلى "بنديكتوس السادس عشر"، إلى "لاوون الرابعَ عشر".
لبنان يدخل مرحلة التفاوض السياسي مع إسرائيل. خطوة كانت متوقّعة بعد بلوغ الضغط الأميركي مرحلة مفصلية، ما أدى إلى "تطيير" زيارة قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل إلى الولايات المتحدة. ترافق ذلك مع تصريحات رسمية أميركية تتهم الدولة اللبنانية بالتباطؤ في إتمام مهمّة حصر السلاح وصولاً إلى اتهام المؤسسة العسكرية اللبنانية بالتواطؤ في تغطية ما تقول عنه إسرائيل "محاولة إعادة بناء ترسانة حزب الله العسكرية"!
يقول الكاتب الإسرائيلي تسفي برئيل في مقالة له في صحيفة "هآرتس"، أمس (الأربعاء) إن موافقة لبنان على تعيين الديبلوماسي اللبناني السابق سيمون كرم رئيساً للوفد اللبناني المفاوض في لجنة "الميكانيزم" والانخراط من خلالها بمفاوضات سياسية مع إسرائيل "جاءت بعد أن أصبح تهديد توسيع الحرب ملموساً وفورياً، وإلى جانبه ضغط ديبلوماسي كبير مارسته الولايات المتحدة على لبنان. وفي المقابل، مارست دول عربية، وعلى رأسها السعودية ومصر وقطر، ضغطاً على واشنطن لتهدئة إسرائيل". وفي ما يلي النص الكامل للمقالة كما ترجمتها "مؤسسة الدراسات الفلسطينية".
تحوّل لبنان بكل طوائفه وأحزابه وسلطاته التشريعية والتنفيذية إلى حمّام سلام أبيض للترحيب بالبابا لاوون الرابع عشر الأميركيّ الأصل، وذابت الفوارق بين القوى المتناحرة وعمّ الوئام والسلام بينها، وكأن لا صراع ولا متصارعين.