![](https://sp-ao.shortpixel.ai/client/q_lossy,ret_img,w_728,h_90/https://180post.com/wp-content/uploads/2019/09/3WhatsApp-Image-2023-01-20-at-09.30.57.jpg)
![جميل مطر](https://sp-ao.shortpixel.ai/client/q_lossy,ret_img,w_144,h_144/https://180post.com/wp-content/uploads/2020/03/-مطر-e1585505560247-160x160.jpg)
أولى الحكايات على الإطلاق هي حكاية شغفي المبكر جداً بالطائرات الحقيقي منها في طريقها إلى، أو من، مطاراتها.. والورقي التي تدربت جيداً على “قيادتها” وأنا طفل في صحبة أهلي ثم مع أصحابي المراهقين في رحلاتنا المدرسية إلى القناطر الخيرية وحدائق قصر النيل.
لاحظ أبي هذا الشغف ككل شغف آخر لاحظه على تصرفاتي واهتماماتي ثم تتبعه خلال مراحل نضجي من الطفولة مروراً بالمراهقة وانتهاءً بافتراقنا في مطار هليوبوليس لأستقل وأنا في الحادية والعشرين من العمر طائرة تقلني إلى بيروت ومنها طائرة أخرى إلى مطار بومباي في الهند ومن بومباي في اليوم التالي طائرة ثالثة أو رابعة إلى مطار “بالام” نسبة إلى ضاحية من ضواحي العاصمة نيودلهي.
***
ترضية لشغفي البالغ، وكنت ما أزال في العاشرة من عمري أو بعدها بقليل، اتفق أبي مع صديق له على ترتيب رحلة لي بطائرة تدريب تجوب سماوات القاهرة ونهرها الخالد وأهراماتها العملاقة. أعرف أن الرحلة، وأذكرها بكل التقدير لأب لا يبخل ولم يبخل كلما تعلق الأمر بشغف أعرب عنه هذا الابن الذي جاء بعد طول انتظار، أعرف أن الرحلة قامت من مطار إمبابة في شمال غرب العاصمة وكان في بدايته مطار تدريب تابع للقوات الأمريكية والحلفاء عموماً. مرت عشر سنوات أو أقل لأنتقل بعدها من مقعد في طائرة تدريب إلى مقعد فاخر بالدرجة الأولى في طائرة تابعة لشركة مصر للطيران متوجهة من مطار هليوبوليس، فاروق الأول سابقاً، في منطقة الهايكستب شرق مدينة القاهرة إلى مطار بيروت، لأقضي فيها ليلة أو ليلتين في انتظار طائرة أكبر جداً تابعة لشركة طيران الهند، إير إنديا، تتوقف في بيروت في طريقها من لندن وروما إلى مطار بومباي الواقع في غرب الهند.
***
كان مطار بومباي أول تجربة لي مع مطار ضخم، كان في الوقت نفسه أول تجربة لي مع مطار تقل فيه مظاهر التوديع الإنسانية حتى تكاد تنعدم في مطارات أكبر نزلت فيها أو ركبت منها. كان المودعون في مطار هليوبوليس ظاهرة تستحق التوقف عندها. هؤلاء وقد تجمعوا في شرفة المطار لم يكونوا بالضرورة مودعين بل أكثرهم متنزهون يقضون يوم إجازتهم مع أولادهم في المطار للفرجة وقضاء يوم جميل والتهليل مرحبين بأشخاص نزلوا من طائرات وصلت للتو أو مودعين أشخاص بينهم أقارب متوجهين نحو طائرات لتقلهم إلى مطارات أخرى، وكلهم على آية حال يمشون على الأقدام بين الطائرات وبعضهم يحملون حقائبهم. لم تكن الحافلات في ذلك الحين وسيلة نقل داخل المطارات إلا في حالات قليلة في العالم الغربي.
***
مرات كثيرة توقفت في مطار بومباي. قضيت في أول مرة زرت فيها بومباي ليلة واحدة وكان هذا في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي. هذه المدينة التي كانت وأظنها ما تزال القلعة التي تنتج أكبر عدد من أفلام السينما في العالم، أكبر من عدد ما تنتجه هوليوود في الولايات المتحدة ومن عدد ما تنتجه مدينة السينما الإيطالية “تشيني شيتا”. توجهت في فجر اليوم التالي إلى المطار لأستقل طائرة من شركة هندية تعمل على الخطوط الداخلية. وصلت نيودلهي منهكاً بسبب قلة النوم نتيجة صوت مروحة السقف في غرفة النوم في الفندق التابع لشركة الطيران وأصوات أخرى صادرة عن حشرات طائرة قضت الليل تكافح سطوة المروحة. كنت منهكاً لسبب آخر. كانت الطائرة معبأة بأكثر من طاقتها بركاب وحقائب وسلال من كل نوع. لم ينفع مع جيش المضيفين تلويحي طوال الرحلة بتذكرة سفر بلون مختلف إشارة إلى أن مقعدي بالدرجة الأولى لا بد وأن يكون بانتظار من يملأه.
***
لم تكن الرحلة قصيرة بمعيار الوقت الذي استلزمته لنصل إلى مطار نيودلهي المسمى في ذلك الحين بمطار “بالام” نسبة إلى ضاحية في العاصمة. كان مطاراً بسيطاً للغاية قبل أن يسمى باسم أنديرا غاندي رئيسة وزراء الهند وابنة أول رئيس لوزرائها وصاحب الدعوة مع جمال عبد الناصر وجوزيف تيتو لتشكيل مجموعة الحياد الإيجابي، مررت بالمطار مرتين بعد هذه المرة الأولى، وفي كل مرة كان المطار أكبر حجماً وأكثر تنوعاً وأشد ازدحاماً بالركاب. سمعت مؤخراً أنه صار يخدم على أكثر من ألف رحلة يومياً، أي أنه صار المطار الأهم والأكثر حركة من أي مطار آخر بالهند، ومنها مطار بومباي الذي يفخر بأنه يخدم سنوياً على حوالي ثلث مليون رحلة جوية في العام ويقع في أغنى ولايات الهند باعتبار ماهاراشترا الولاية الصناعية الأهم بالإضافة إلى استضافتها صناعة السينما الهندية والسكن الدائم لأغنى أغنياء الهند.
***
حدث كل هذا قبل أن أقدم على أكثر من رحلة أخذتني، دبلوماسياً ثم صحافياً، إلى مطارات أخرى عديدة في جنوب وغرب وشرق القارة الآسيوية قبل أن تصدر أوامر تكليفي وعائلتي بالسفر إلى شيلي على الطرف الآخر من العالم، والسفر مرة أخرى بعد عقدين إلى دول بعينها من دول القارة مع فريق بحثي منوط به دراسة تجربة العدالة الانتقالية في أمريكا اللاتينية.
***
تعرفت في رحلاتي عبر آسيا على مطارات من حجم مطار هونج كونج. تعرفت أيضا على مطار دبي الفريد في نوعه والخرافي في تسهيلاته وفي مواقع وترف استراحاته. تابعت أيضاً أفول وصعود مطارات عديدة، أزمع أن أفرد لها، أو لبعضها على الأقل، انطباعات كرفيق سفر ورحالة ومستمتع ومجرّب خدمات ما قبل الرحلات وما بينها.