جميل مطر Archives - 180Post

4f5f611742cc75b746f5b73a98ab2794.jpg

دائماً ومنذ سنوات مراهقتي ثم شبابي، عشت مغرماً بالمستقبل. أسرني غموضه وغموض كل ما يتعلق به. كم من مرة وقفت وأنا صغير وراء جارة أو قريبة من قريباتي وهي تقرأ الفنجان لأمي أو خالتي. أسمع صفات عن رجل أو سيدة وطفل وصور لقطار أو طائرة لتخلص قارئة الفنجان في النهاية إلى قصة محبوكة وقابلة للتصديق الفوري. صارت إحدى هواياتي متابعة حكايات قارئة الفنجان أو ورق الكوتشينة أو الودع، أستمع بشغف بالغ إلى عمل يدل على براعة في تأليف روايات استناداً إلى "تهيؤات" هي أولاً وآخراً من صنع خيالات خصبة.

800-2.jpg

كثيرون هم الرجال الذين أثّروا في مجرى حياتي. بعضهم خلف آثارا أثّرت لساعات وأيام. بعض آخر ترك بصمات لا تمحى. بعض ثالث مر مرورا عابرا ولكن بآثار عميقة. كثيرون عبروا عبورا خامدا، لا حس ولا خبر.

800-22.jpg

إنها والله لنقلة كبرى. سنوات وأنا أكتب في هذا الباب من صفحة الرأي بالشروق يوميات عن تطورات أو أحداث في حيواتي الماضية، حياة الطفولة وحياة المراهقة وحياة الشباب وحياة تنقلت فيها بين الدبلوماسية والعودة للدراسة والصحافة والعمل السياسي العربي، عن هذه وتلك نقلت بعض ثمار تنقلي بينها وبين ثقافات لا اتفاق أو توافق بينها إلا ما ندر.

dfbac3bc65d6534889496fe60b86f9ba.jpg

أعتقد أنني كنت بين أوائل الذين تفهموا رد فعل شعب كندا على ما خصهم من دبلوماسية الهزل والاستخفاف التي يمارسها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. بدون شك أساء لنفسه ولكن الأهم أنه أضاف مادة جديدة إلى معلومات الذين يتابعون بكثير من القلق المسيرة الانحدارية لسمعة الولايات المتحدة ومكانتها. تفهمت رد فعل شعب كندا الغاضب والمشبع بمهانة شديدة على اقتراح الرئيس الأمريكي ضم أو انضمام كندا كولاية إضافية إلى الخمسين ولاية أمريكية.

111.jpg

حكايتى مع تونس طويلة وناعمة وصافية صفاء سماء الربيع التونسى، تخللتها أيام عاصفة ومطيرة ولكنها أيام الاستثناء الذى يثبت القاعدة. حكايتى كانت من جزءين الأول منهما قصير ومثير والثانى طويل وممتع ومثمر.

cairo.jpg

تصغرني بعامين. اتصلت بها في السابعة صباحا لتوثيق معلومة تقع ضمن ذكريات طفولتنا. ردت على اعتذاري عن الاتصال المبكر بأنها، كما حال من في سنها، تستيقظ قبل بزوغ الشمس. سألتها، ثم سألت خالتها، وهي في مثل عمرها، عن مناسبات في طفولتنا تتذكرها أكثر من غيرها.

22222222.jpg

أوراقي مشكلتي بل لعلها أعقد مشكلاتي. أبحث عن ورقة بعينها بين أوراقي وفي غالب الأحوال أو المرات لا أجدها. يحدث في مرات غير قليلة أن أجد أمامي ودون بحث مسبق ورقة أو وثيقة كنت نسيت أمرها أو يئست من العثور عليها أو انحسر اهتمامي بقضيتها؛ أجدها فأفرح بها وفي الوقت نفسه أشفق على نفسي وعلى كتاباتي من غيبة مصادر كانت في واقع الأمر حاضرة.

eva.jpg

عشت سنوات، وما أزال، أجمع حكايات عن الحب، عن كل أنواعه، حكايات عن حب شخص لآخر، حب صبى لفتاة، حب نساء لرجل، حب الناس لزعيم، حب زعيم لشعبه، حب امرأة للحياة، حب إنسان لنفسه، نعم حب من كل نوع، ولكنى كثيرًا ما كنت أتوقف طويلًا أمام حكاية بعينها قبل أن أقرر ضمها لمجموعة حكاياتى عن الحب، أوقفنى فى إحداها الصدق فيه وفى أخرى حجم التضحية من أجله، وفى ثالثة وقعه على الغير، كان الغير شعبًا أم ملاكًا أم عبدًا فقيرًا أم كاتب هذه السطور.

1.jpg

نما إلى علمى ليلة أمس أن العالم يحتفل يوم الخامس عشر من أيار/مايو بعيد البيتزا. لست أخجل من الاعتراف بأننى قضيت ساعة أو أكثر من الليل أجتر سعادة فائقة يعود تاريخها إلى ما قبل منتصف القرن الماضى ومصدرها مطعم صغير ما زلت أذكر انبهارى بأغطية موائده ذات المربعات الحمراء والبيضاء. أتحدث عن سنوات الأربعينيات وأوائل الخمسينيات من القرن الماضى وعن محل صغير يخبز ويبيع البيتزا على مدخل سينما ريفولى ويملكه الفنان القدير رشدى أباظة، وأظن، إذا لم تخنى الذاكرة، كانت تديره والدته الإيطالية الأصل والجنسية.

471818942_1719883625253795_2891986496786367661_n-1.jpg

سألتني.. "ما بك يا بيه"؟ أجبت.. "المزاج غير معتدل". عادت تسأل.. "طيب، أعمل لك فنجان قهوة يعدله"؟.. بودي لو رددت على الفور بأن القهوة هذه المرة هي السبب في انحراف مزاجي فكيف تكون هي العلاج. أعلم بالتأكيد أنها لن تُقدّر الرد، فللتعامل مع القهوة مكانة تكاد ترقي عند أغلب من أعرف من أهل بلدي إلى مستوى "لزوم التقديس"، والمقدسات في عرف هؤلاء لا يمكن أن تضر البشر.