
لم يخطر على بالي قبل أن أفكر في الكتابة عن مطارات زرتها أو انطلقت منها أو نزلت فيها أو مررت عليها؛ أنني سوف أكون أمام حكايات لي مع، أو في، عدد هائل من المطارات.
لم يخطر على بالي قبل أن أفكر في الكتابة عن مطارات زرتها أو انطلقت منها أو نزلت فيها أو مررت عليها؛ أنني سوف أكون أمام حكايات لي مع، أو في، عدد هائل من المطارات.
اليوم أستطيع أن أعرب عن اعتقادي أنني عشت حياة سعيدة. حياة تخلّلتها ولا شك أيام تعيسة أو لحظات صعبة أو حزينة أو حرجة، ولكن في جملة المسيرة أو في حصيلة ما مررتُ به صعوداً وانحداراً، وبالمقارنة مع ما عرفته عن تجارب الأهل والأصدقاء ومن اطلعت على سيرهم من المشاهير والعامة، وطبقاً لمقاييس عديدة، يجب أن أسجل أنها كانت سعيدة.
هي اللحظات التي ترفض على امتداد سنوات حياتي إلا أن تُطل من ذاكرتي بين الحين والآخر لتزيح جانباً لحظات أخرى أعيشها وتحل محلها أو تختلط معها.
كان يُقال إنني ولدت على يد جد الزميل والصديق وزير الخارجية الأسبق أحمد ماهر، طبيب العائلة الممتدة وعيادته في شارع فاروق، على المسافة الواقعة بين باب الشعرية والعباسية، وُلدت ومعي مرض حساسية قوية. كان بين من اكتشفوا هذا الأمر مبكراً الطبيب الأشهر الدكتور الظواهري في عيادته الكائنة وقتئذ قرب المبنى القديم لجريدة "الأهرام" وبقي معنا يُراقب حالتي ويُشخّص ويُعالجني على امتداد سنوات طفولتي ومراهقتي.
نتدرب خلال شهور الربيع وأوائل الصيف استعداداً للمشاركة في احتفالات مناسبة كانت ترقى في أذهان بعض الأهل وأطقم التدريس والتلاميذ إلى مرتبة التقديس.
أبدأ بأمي وأبي ليس لأنها عادة كل من يكتبون سيرهم ولكن لأنني عشت بالفعل أذكر لهما الفضل كلما دخل غريب إلى بيتي أو أجلسوني إلى جانب من يكبرني أو اجتمع قوم على مائدة طعام فلا أجلس قبل أن يكتمل جلوس الجميع. أذكر لهما الفضل حتى يومي هذا كلما اشتركت أو أشركوني في مناقشة فكاد صوتي يعلو درجة أو درجتين فوق درجة ما بعد الهمس، أو كلما كلفت نفسي أو كلفوني بنقل حرفي لرسالة. أشهد، بمبالغة بسيطة، أنني لم أتفاجأ بمعظم النصوص من كتاب السيدة ويست بعنوان الإتيكيت ونحن على وشك الالتحاق بالدبلوماسية المصرية.
أعود راضياً إلى قناعة تولدت في شيخوختي المبكرة عندما اكتشفت في أطفالنا مصدراً للحكمة وتفسيراً أو تبريراً لبعض تصرفاتنا.
استقبلني عند سلم الطائرة في مطار شامبينو، نبيل العربي الصديق والملحق السياسي بالسفارة المصرية ليصطحبني مع عائلتي الصغيرة إلى فندق متواضع في أحد أزقة وسط العاصمة الإيطالية لنقضي فيه بضعة أيام في انتظار إيجاد شقة مناسبة في حي غير سياحي. ودّعني بعد إنهاء إجراءات التسجيل على وعد أن يعود في صباح اليوم التالي ليقلني إلى حيث يوجد مقر سفارتنا. حضر مبكراً واستأذن أن نتوقف معاً في مقهى بعينه تعوّد أن يتناول فيه إفطاره كل صباح.
«لا يليق بمصر أن تتسم سياساتها الخارجية والمواقف التى تتخذها بالارتجالية، أو بمخالفات جسيمة لقواعد أساسية فى القانون الدولى كالموقف الذى تتبناه تجاه الحصار المفروض على قطاع غزة». كان ذلك نقدا جذريا للحصار الخانق على غزة لم يتردد "نبيل العربي" فى تسجيله قبيل إطاحة نظام «حسنى مبارك»، والتزم الموقف ذاته طوال رحلته فى الدبلوماسية والحياة.
معظم إن لم يكن كل ما يرد في السطور التالية منقول عن رواة لاعتبار هام وهو أنني كنت خلال الأيام الحاسمة في هذه المحطة من حياتي غائباً عن الوعي أو مُغيباً عنه!