جميل مطر Archives - 180Post

jamil.jpg

كثيرة فى حياتى الرحلات التى لا تُنسى، وإن حدث ونسيت تفاصيل بعضها تدافعت الصور تملأ ما خلا بالنسيان. أذكر من هذه الرحلات الرحلة إلى جنوب السودان. كنت فى السادسة عشرة من عمرى عندما قرر الرفقاء الأكبر سناً أن تكون رحلتنا، كفريق جوالة فى كلية التجارة، إلى السودان قبل أن يحصل على استقلاله. أذكر أن الرحلة ومدتها عشرون يوماً كانت ستكلف أهلى حوالى ثلاثة جنيهات قيمة الاشتراك فيها وتكلف الجامعة مبلغاً مماثلاً.

tanja.png

أفرغت المظروف الأصفر على سطح مكتبي. خرجت منه صور لمناسبات متفرقة. واحدة من الصور نجحت في لفت انتباهي. بدت لي أنها تتعمد أن تتباهى على رفاقها من الصور بنجاحها برغم عيب فيها أو ربما لعيب فيها. أما العيب فكان "البهتان" الذي أصاب ألوانها. بهتان حفّزها لتكون الأولى لتقع عيناي عليها قبل أن تقعا على غيرها من الصور خلال هذه المساحة من الوقت التي قد تكون ضيقة وفي ظرف منافسة حرة ظالمة مع صور أوضح وأقل بهتاناً؛ منافسة مصيرها محتوم لغير صالحها.

spiaggia-ostia-lido-2-800x500-1.jpg

وقعتُ على هذه الصورة بينما كنت أبحث بين أوراق حياتي عن صور يستفيد بها المحرّر المكلف بإعداد ونشر مخطوطة عن علاقتي بالصحافة يعدونها للنشر. لم تكن مهمتي في البحث بسيطة فالصور بالمئات وربما بالآلاف مبعثرة في أكوام من أوراق لا يربطها ببعضها عمر أو مرحلة أو مهنة بعينها.

cairo.jpg

اليوم أستطيع أن أعرب عن اعتقادي أنني عشت حياة سعيدة. حياة تخلّلتها ولا شك أيام تعيسة أو لحظات صعبة أو حزينة أو حرجة، ولكن في جملة المسيرة أو في حصيلة ما مررتُ به صعوداً وانحداراً، وبالمقارنة مع ما عرفته عن تجارب الأهل والأصدقاء ومن اطلعت على سيرهم من المشاهير والعامة، وطبقاً لمقاييس عديدة، يجب أن أسجل أنها كانت سعيدة.

ed1a26762528db40050a83cc0472a73f.jpg

كان يُقال إنني ولدت على يد جد الزميل والصديق وزير الخارجية الأسبق أحمد ماهر، طبيب العائلة الممتدة وعيادته في شارع فاروق، على المسافة الواقعة بين باب الشعرية والعباسية، وُلدت ومعي مرض حساسية قوية. كان بين من اكتشفوا هذا الأمر مبكراً الطبيب الأشهر الدكتور الظواهري في عيادته الكائنة وقتئذ قرب المبنى القديم لجريدة "الأهرام" وبقي معنا يُراقب حالتي ويُشخّص ويُعالجني على امتداد سنوات طفولتي ومراهقتي.

3.jpg

أبدأ بأمي وأبي ليس لأنها عادة كل من يكتبون سيرهم ولكن لأنني عشت بالفعل أذكر لهما الفضل كلما دخل غريب إلى بيتي أو أجلسوني إلى جانب من يكبرني أو اجتمع قوم على مائدة طعام فلا أجلس قبل أن يكتمل جلوس الجميع. أذكر لهما الفضل حتى يومي هذا كلما اشتركت أو أشركوني في مناقشة فكاد صوتي يعلو درجة أو درجتين فوق درجة ما بعد الهمس، أو كلما كلفت نفسي أو كلفوني بنقل حرفي لرسالة. أشهد، بمبالغة بسيطة، أنني لم أتفاجأ بمعظم النصوص من كتاب السيدة ويست بعنوان الإتيكيت ونحن على وشك الالتحاق بالدبلوماسية المصرية.