حرب طاحنة بين ترامب.. و”الدولة العميقة”!

منذ تولي دونالد ترامب مقاليد السلطة في البيت الأبيض في العشرين من كانون الثاني/يناير الماضي، وتشكيل ما أسميت "إدارة الكفاءة الحكومية"، تُجرّد إدارته حملة إقالات في صفوف موظفي الوكالات الفدرالية، تستهدف بشكل أساسي وزارات الدفاع والخارجية والنقل وشؤون قدامى المحاربين والإسكان والتنمية الحضرية والداخلية والطاقة.

تُمهد عملية التطهير والإقالات المستمرة منذ حوالي الشهر، الطريق أمام الإدارة الجمهورية الجديدة لتعيين أشخاص موالين لها في منصب المفتش العام في تلك الوكالات، غير أن الظاهرة الملفتة للانتباه في تلك الإقالات تكمن في تلقي هؤلاء الموظفين رسائل بالبريد الإلكتروني من البيت الأبيض تخطرهم بقرار الإقالة، وقد تجاوز عدد هؤلاء الموظفين الـ(75000) موظف وهناك حوالي (220000) موظف آخر ينتظرون قرارات إقالتهم، وهذا الأمر لم يحدث في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، ما يجعل معظم المحللين الأميركيين يذهبون إلى الاعتقاد بأن الولايات المتحدة في طريقها نحو تغيُرات بنيوية في نظامها السياسي القائم والتحول من نظام يُسمى “ديموقراطياً” إلى نظام سلطوي زبائني، كما هو الحال في الكثير من الدول التسلطية في العالم.

كان من اللافت للانتباه أيضاً عدد الأوامر التنفيذية التي وقّعها ترامب في اليوم الأول من تنصيبه في فترة رئاسته الثانية، وبخاصة تلك الأوامر التي تُنظّم الخدمة المدنية الفدرالية والتي اشتملت على تبسيط إجراءات فصل الموظفين الفدراليين، وتقليل الضمانات المقدمة لهم، وإلغاء إمكانية العمل عن بعد لهم، وإغلاق جميع برامج الإدماج والتنوع في الوكالات الفدرالية.

جاء انشاء “إدارة الكفاءة الحكومية” التي يُديرها إيلون ماسك، وهي كيان يملك صلاحية على كل القطاعات الفدرالية، كأداة لتحقيق ذلك، وقوبِلت حملة خفض الإنفاق الحكومي بردود معارضة، وبحزمة من الأحكام القضائية المضادة، وبرفض بعض القضاة دعوى نقابية تطالب بوقف طرد آلاف الموظفين بشكل مؤقت. ورداً على ذلك، قال ماسك إنه سيواصل العمل مع ترامب طالما أن بإمكانه أن يكون «مفيداً».

وكان التطور الأبرز هو ما قام به ماسك، وذلك بطلبه من موظفي الحكومة الفدرالية تقديم تقارير تفصيلية عن إنجازاتهم خلال أسبوع، وذلك بحلول أيام قليلة تحت طائلة الإقالة، وفي منشور له على منصة “إكس”، قال ماسك: “جميع الموظفين الفدراليين سيتلقون قريباً بريداً إلكترونياً يطلب منهم توضيح إنجازاتهم”. وجاء ذلك بعد ساعات من تأكيد ترامب على ضرورة أن تكون إدارة الكفاءة الحكومية أكثر شراسة في تقليص القوى العاملة الفدرالية البالغة (2.3) مليون موظف والتصرف بجرأة أكبر لخفض الإنفاق الحكومي.

هذا القرار أثار موجة استياء واسعة بين الموظفين، وسط جدل حول أسسه القانونية وما إذا كان سيتم تطبيقه على الجميع بشكل عادل. وأعلن الملياردير إيلون ماسك، أنه سيتعيّن على الموظفين الفدراليين تفسير ما يقومون به في مناصبهم أو المخاطرة بفقدان وظائفهم، ما أثار تنديد كبرى النقابات الفدرالية.

من جانب آخر، تعهّدت أكبر نقابة للموظفين الفدراليين (الاتحاد الأميركي للموظفين الحكوميين) بتحدي أي إقالات غير قانونية. وقال رئيس النقابة إيفريت كيلي إن خطوة ماسك “تنمّ عن ازدراء مطلق بالموظفين الفدراليين والخدمات الأساسية التي يقدّمونها للشعب الأميركي”.

وأضاف أنّه أمر قاسٍ ويُقلّل من احترام مئات آلاف الجنود السابقين الذين يرتدون بزاتهم الثانية، من أجل الخدمة المدنية، أن يُجبر هؤلاء على تبرير مهامهم الوظيفية لماسك الذي لم يقضِ ساعة واحدة في الخدمة المدنية الصادقة في حياته، فيما أفاد عدد من الموظفين الفدراليين بأنهم تلقوا نصيحة من وكالاتهم بعدم الرد على الرسالة، في انتظار مزيد من التعليمات، وهي توصية أكدها أيضاً اتحاد موظفي الخزانة الوطنية.

بدوره، أكد ترامب أنه “ليس قلقاً على الإطلاق” بعد أن فصلت إدارته أكثر من (300) موظف في الإدارة الوطنية للأمن النووي، قبل أن تتراجع وتُعيد كثيراً منهم، وقال للصحفيين في ولاية فلوريدا رداً على الانتقادات بشأن تأثير فصل هؤلاء الموظفين على أمن الأسلحة النووية “لست قلقاً على الإطلاق من عمليات الفصل، وأعتقد أنه يتعين علينا فقط أن نفعل ما يتعين علينا فعله. إنّه لأمر مدهش ما يتم العثور عليه الآن”.

وتسبّبت عمليات الفصل حالة من الفوضى داخل الوكالة النووية، حيث تراجع المسؤولون عن عمليات الفصل بعد أن قدّم العديد من أعضاء الكونغرس الأميركي التماساً إلى وزير الطاقة كريس رايت للتراجع عن تلك الإقالات، موضحين العواقب الوخيمة لها على الأمن القومي الأميركي.

في الخلاصة، ثم اجراءات يقوم بها ترامب ضد موظفي الوكالات الفدرالية هدفها إضعاف مؤسسات الدولة العميقة في واشنطن التي يتهمها ترامب بأنها عملت على إقصائه وسرقت الانتخابات الرئاسية منه في العام 2020. هل ينجح في هذه المهمة أم تكون هذه “الدولة” أقوى من إدارة ترامب؟

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  إنهاء حرب غزة بفرض.. وقف النار
حسين الديك

كاتب وباحث أكاديمي فلسطيني

Download WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
Premium WordPress Themes Download
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  "مباط عال": تنازلات إسرائيل للبنان.. حسناتها أكثر من سيئاتها!